قال جنود أوكرانيون ومسؤولون أميركيون، إن قوات الجيش الكوري الشمالي التي انضمت للقتال إلى جانب القوات الروسية في منطقة كورسك الحدودية، يتبعون تكتيكات قتالية خاصة تعرف بـ"هجوم الصدمة"، ويحرزون تقدماً في هجماتهم دون أي دعم تقريباً من المركبات المدرعة.
واستند تقرير أوردته صحيفة "نيويورك تايمز"، لشهادات ميدانية من أرض المعركة لجنود أوكرانيين، قالوا إن قوات كوريا الشمالية لا يتوقفون عند الهجوم لإعادة تنظيم صفوفهم أو للتراجع كما يفعل الروس عادة عند تكبدهم خسائر فادحة، وبدلاً من ذلك، يتقدمون تحت نيران كثيفة عبر حقول مليئة بالألغام، ويرسلون دفعات من الجنود تضم أكثر من 40 فرداً.
وإذا نجح الجنود الكوريون الشماليون في السيطرة على موقع ما، فإنهم لا يحاولون تأمينه، بل يتركون هذه المهمة للتعزيزات الروسية، بينما يتراجعون للتحضير لهجوم جديد.
كما طورت القوات الكورية الشمالية أساليب وتكتيكات فريدة من نوعها، فعند مواجهة مسيّرة، يرسل الكوريون الشماليون جندياً واحداً كـ"طُعم"، ليتمكن الآخرون من إسقاط الطائرة.
وحال تعرضهم لإصابة خطيرة، يتلقى جنود كوريا الشمالية تعليمات بتفجير قنبلة يدوية لتجنب أسرهم أحياء، حيث يمسكون القنبلة ويضعونها عند رقابهم وأيديهم على الصاعق في انتظار اقتراب الجنود الأوكرانيين.
"هجوم الصدمة"
وقالت "نيويورك تايمز"، إن التكتيك المعروف باسم "هجوم الصدمة"، الذي يعتمد على تقدم الجنود دون اكتراث للفوضى التي تنتظرهم، يُعد جزءاً أساسياً من التدريب العسكري والدعاية في كوريا الشمالية.
وأوضح مسؤولون استخباراتيون من كوريا الجنوبية، أن هذا التكتيك، الذي تتبناه كوريا الشمالية منذ الحرب الكورية، تسبب في سقوط العديد من الضحايا في حرب تدور على أراضٍ مفتوحة ومسطحة باستخدام المسيرات.
وقوات كوريا الشمالية هم في الغالب جنود عمليات خاصة، مدربين على تنفيذ ضربات دقيقة، لكن الروس استخدموهم بشكل أساسي كجنود مشاة.
وأجبرت تكتيكات الكوريين الشماليين، الجنود الأوكرانيين على التكيف، إذ قال مشغلو المسيرات إنهم عادةً لا يستهدفون الجنود الكوريين الشماليين بشكل فردي، بل يبحثون عن المجموعات.
وأرسلت بيونج يانج جنوداً إلى روسيا للانضمام إلى قواتها في منطقة كورسك، لكنهم يعملون فعلياً كقوة قتالية منفصلة تتميز بلغة، وتدريبات، وثقافة عسكرية مختلفة، وفقاً للجنود الأوكرانيين والمسؤولين الأميركيين.
وفي الإطار، قالت سيليست وولاندر، التي شغلت منصب مساعدة وزير الدفاع الأميركي للشؤون الأمنية الدولية: "الأمر يتعلق جزئياً بجيشين مختلفين لم يتدربا أو يعملا معاً من قبل، وفي جزء آخر، أعتقد أنه مرتبط بالثقافة العسكرية الروسية التي لا تحترم بشكل كبير قدرات ومعايير وعمليات القوات الشريكة".
بدوره، قال أولكسندر سيرسكي، القائد العسكري الأعلى في أوكرانيا، هذا الأسبوع إن "خسائر الكوريين الشماليين مستمرة في الارتفاع"، مقدراً أن نحو نصف القوات المرسلة إما قُتلوا أو أُصيبوا، لكنه حذر من أنهم "ذوو دوافع عالية، ومدربون جيداً وشجعان".
صعوبات دمج الكوريين الشماليين
وفي حين أن الجنود الكوريين الشماليين يوفرون تعزيزات بشرية إضافية، تواجه القوات الروسية صعوبات في دمجهم في ساحة المعركة.
وبحسب الصحيفة، فقد تراوحت هذه الصعوبات بين مشكلات بسيطة، مثل العثور على زي موحد يتناسب مع أحجام الجنود الكوريين الشماليين، ومشكلات في التواصل أدت لنشوب اشتباكات مباشرة بين القوات الكورية الشمالية والروسية بسبب "خطأ في تحديد الهوية".
وقال جنود أوكرانيون، إن الروس يتخذون خطوات لمعالجة هذه المشكلات، لكنهم لم يتمكنوا بعد من تشكيل قوة قتالية "أكثر تماسكاً".
وأفاد مسؤول أوكراني بأن جنود كوريا الشمالية بدأوا بتشكيل مجموعات تضم مترجماً أو شخصاً يتحدث الروسية ويحمل جهاز راديو، لكن هذه المجموعات ليست فعالة للغاية.
وأضاف أن "الكوريين الشماليين يتكبدون خسائر بشرية كبيرة، لكنهم يستمرون في إرسال وحدات جديدة. الأمر يتعلق الحافز والأوامر والانضباط الصارم. كوريا الشمالية تعتبر تلك الخسائر كلفة ضرورية لتصبح أكثر مهارة في الحروب الحديثة".
وقال جندي كوري شمالي، إن الدافع وراء انضمامه للقتال في روسيا، كان "تخليص نفسه من انتهاك غير محدد"، إذ كتب في مذكراته: "أرتدي زي الثورة لحماية القائد الأعلى، لقد خنت الحزب الذي وثق بي وارتكبت أعمالاً غير ممتنة ضد القائد الأعلى، الذنوب التي ارتكبتها لا تُغتفر، ولكن وطني منحني طريقاً للتكفير، بداية جديدة في الحياة".
مشاركة حاسمة
ويُعد الجيش الكوري الشمالي واحداً من أكبر الجيوش النظامية في العالم، إذ يبلغ قوامه 1.2 مليون جندي، وقالت "نيويورك تايمز"، إن مشاركته في الحرب تمثل "تصعيداً كبيراً" في صراع يقترب الآن من عامه الرابع.
وأضافت الصحيفة أن كوريا الشمالية كانت داعماً رئيسياً لمجهود روسيا الحربي حتى قبل إرسالها قوات إلى روسيا، إذ أرسلت لموسكو ملايين القذائف المدفعية، التي تشكل الآن حوالي نصف الذخائر الروسية التي تُطلق يومياً، بالإضافة إلى أكثر من 100 صاروخ باليستي قصير المدى، وفقاً لمسؤولين استخباراتيين غربيين وأوكرانيين.
ورغم نفي الكرملين نشر جنود كوريين شماليين في ساحة المعركة، قال مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية إن الكوريين الشماليين يحملون ما وصفه بـ"أوراق ثبوتية وهمية" تُسجلهم على أنهم من أقصى شرق روسيا.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إن أحد الجنود الأسرى، كان يحمل بطاقة عسكرية باسم مواطن من منطقة توفا بجنوب سيبيريا، فيما أوضح مسؤولون استخباراتيون أوكرانيون أن الهوية المزورة استخدمت بيانات لمواطن روسي حقيقي.
وفي الخريف الماضي، أرسلت كوريا الشمالية نحو 11 ألف جندي لدعم قوات موسكو في منطقة كورسك بجنوب روسيا، حيث استعاد الأوكرانيون أراضٍ عبر هجوم مفاجئ الصيف الماضي، ومنذ أول مشاركة قتالية لهم في أوائل ديسمبر 2024، قُتل أو أُصيب نحو ثلث الجنود الكوريين الشماليين، بحسب "نيويورك تايمز".