محمد مسعود
محرر في CNBC عربية
مر ما يقرب من شهر منذ الانقلاب الذي نظمه عسكريون للإطاحة بالرئيس محمد بازوم والاستحواذ على السلطة في النيجر.
وما بين تنديد الاتحاد الإفريقي بالانقلاب والتلويح بالعقوبات، برزت احتمالات التدخل العسكري في النيجر، ومن أبرز الدول التي ظهر اسمها هي فرنسا.
بالتأكيد، تسبب انقلاب النيجر في قلق بالغ لدى العديد من الدول الأوروبية، فالدولة الإفريقية غنية بموارد الطاقة والمعادن مثل الذهب والنفط والفحم وأيضاً اليورانيوم.
لكن فرنسا بالذات تمتلك تاريخاً استعمارياً في النيجر منذ أواخر القرن التاسع عشر، والنيجر نفسها أصبحت مستعمرة فرنسية منذ عام 1922 حتى حصلت على الاستقلال عام 1960.
بانتهاء الاحتلال الفرنسي، لم ينته تواجد باريس في النيجر حيث توجد قاعدة عسكرية فرنسية في الدولة الإفريقية بها أكثر من 1500 عسكري.
وفي نهاية الأسبوع الماضي، أعلنت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا المعروفة باسم (إيكواس) استعدادها للتدخل العسكري لإنهاء الانقلاب في النيجر، وذلك بعد أيام من تعليق التبادل التجاري وإغلاق المجال الجوي مع النيجر.
ورداً على ذلك، اتهمت سلطات الانقلاب في النيجر حكومات مجموعة إيكواس بالاستعداد للاعتداء على بلادهم بمعاونة دول في الغرب.
إيكواس عبارة عن تكتل يضم 15 دولة هي النيجر، ونيجيريا، ومالي، وبوركينا فاسو، والسنغال، وغانا، وساحل العاج، وتوغو، وغامبيا، وغينيا، وغينيا بيساو، وليبيريا، وسيراليون، وبنين، والرأس الأخضر.
فرنسا تراقب بحذر .. لماذا؟
ما إن تواردت أنباء الانقلاب، أعلنت فرنسا أنها ستقطع كل مساعدات التنمية عن البلاد، ودعت إلى إعادة بازوم إلى منصبه بعد الإطاحة به.
وأدانت فرنسا العنف ضد بعثتها الدبلوماسية في النيجر وتعهدت بالرد بقوة على أي هجوم على مواطنيها أو مصالحها، حيث اندلعت احتجاجات مناهضة للفرنسيين خارج السفارة الفرنسية في نيامي عقب الانقلاب العسكري.
وقال مكتب الرئيس إيمانويل ماكرون في بيان "الرئيس لن يتسامح مع أي هجوم ضد فرنسا ومصالحها"، محددًا أنه سيرد على الهجمات ضد الدبلوماسيين أو القوات المسلحة أو الشركات الفرنسية.
لكن العلاقات بين فرنسا والنيجر لا تقتصر فقط على التعاون الأمني أو الدبلوماسي أو حتى لكون النيجر مستعمرة فرنسية سابقاً، بل إن النيجر تمثل دجاجة الطاقة التي تبيض ذهباً لفرنسا.
في فرنسا، تسود المخاوف خاصة حول استغلال اليورانيوم من النيجر والعواقب المحتملة لانقطاع إمداداته، فاليورانيوم المستخرج من النيجر يشكل مورداً طبيعياً ضرورياً لتشغيل محطات الطاقة النووية الفرنسية، وقد تم استغلاله لأكثر من أربعة عقود من قبل مجموعة الوقود النووي الفرنسية Orano.
ما مدى اعتماد فرنسا على يورانيوم النيجر؟
هناك شركة مملوكة بنسبة 90% للدولة الفرنسية تقوم بتشغيل ثلاثة مناجم في النيجر، واحد منها فقط قيد الإنتاج:
هذه المناجم هي Aïr mines، وتديره شركة Somair المملوكة بنسبة 63.4% لمجموعة Orano الفرنسية، ويقع هذا المنجم في الصحراء شمال النيجر، وبرغم اقتراب استنفاد اليورانيوم منه، فإن التكنولوجيا أسهمت في تمديد عمله حتى عام 2040.
والثاني موقع التعدين Akokan ، أغلق منذ نهاية مارس آذار عام 2021 بفعل استنفاد الاحتياطيات بعد أربعة عقود من التعدين، وتعمل شركة Compagnie minière d'Akouta المملوكة لمجموعة Orano بنسبة 59%، الآن على مشروع إعادة تطوير الموقع.
والثالث، تمتلك فيه Orano حصة بنسبة 63.52%، وهو منجم Imouraren الذي يعتبر أحد أكبر رواسب اليورانيوم في العالم. ومع ذلك، بعد إصدار تصريح التشغيل في عام 2009، تم تعليق الإنتاج في الموقع بسبب الافتقار إلى ظروف السوق المواتية.
وبرغم انقلاب النيجر، أعلنت Orano أنها ستواصل أنشطتها التعدينية مشيرة إلى أنها تواصل أنشطتها في مواقع التعدين وفي المقر الرئيسي في نيامي.
هذا، وتعد النيجر أحد أكبر ثلاثة مودرين لليورانيوم في فرنسا، ولتشغيل المفاعلات النووية الـ56 في محطات الطاقة الـ18 في فرنسا، تحتاج الشركة المشغلة لتلك المحطات EDF ما معدله 8000 طن من اليورانيوم الطبيعي كل عام. وبعد توقف التعدين على الأراضي الفرنسية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لجأت فرنسا إلى العديد من البلدان في وقت واحد للحصول على إمداداتها حيث يعد تنوع الموارد مصدر أمان لشركة EDF.
وعلى مدى السنوات العشر الماضية، استقبلت فرنسا واردات بلغت 88200 طن من اليورانيوم الطبيعي بشكل أساسي من ثلاث دول: كازاخستان (27٪) والنيجر (20٪) وأوزبكستان (19٪).
بالتالي، تلعب النيجر دوراً مهماً في واردات فرنسا من اليورانيوم الذي تعتمد عليه في إنتاج الطاقة النووية، لكن بعض الساسة يبالغون في تقدير أهميتها.
أما على الصعيد العالمي، أصبحت النيجر منتجاً ثانوياً لليورانيوم بمرور السنوات نظراً لارتفاع تكاليف الإنتاج وتراجع الأسعار حتى عام 2016 بعد [الحادث النووي] في فوكوشيما" باليابان.
وبحلول عام 2022، استحوذت النيجر على 4% فقط من الإنتاج العالمي، وتأتي بعد كازاخستان (43%) وكندا (15%) وناميبيا (11%) وأستراليا (8%).
ووفقاً لتقديرات أخرى، فإن فرنسا تعتمد على النيجر في الحصول على 35% من احتياجاتها من اليورانيوم، لمساعدة محطاتها النووية في توليد 70% من الكهرباء.
والسؤال الآن، هل مدينة النور في أمان ومواردها من اليورانيوم مؤمنة سواء من النيجر أو غيرها، أم أن باريس ستضئ بأهلها