على مدار الأشهر الماضية، شهد سوق العملات المشفرة تقلبات شديدة، بمعنى آخر، واجهت الصناعة مستويات غير مسبوقة من التدقيق التنظيمي والشائعات السلبية نتيجة عمليات الاحتيال البارزة والعثرات المالية مثل انهيار بورصة FTX للعقود الآجلة وصندوق التحوط القائم على العملات المشفرة.
كما تم إصدار لائحة اتهام لاحقة للشريك المؤسس والرئيس التنفيذي، سام بانكمان فريد.
ورغم أن معظم الضجة قد تلاشت منذ ذلك الحين نوعاً ما، إلا أن سوق العملات المشفرة لا يزال تحت عدسات التدقيق التنظيمي.
على سبيل المثال، خلال يونيو حزيران الجاري فقط، رفعت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية دعوى قضائية ضد منصتين للعملات المشفرة في غضون يومين بسبب سلوكيات غير قانونية وهما: Binance -أكبر بورصة عملات مشفرة في العالم- متهمة إياها بتشغيل منصة تداول غير قانونية في الولايات المتحدة وإساءة استخدام أموال العملاء، والثانية Coinbase -أكبر منصة عملات مشفرة في أميركا- بعد فشلها في التسجيل كبورصة رسمية قانونية.
لكن يبدو أن العملات المشفرة قد نجت من ليلتها المظلمة وخرجت من الجانب الآخر بانتعاش مفاجئ.
في الواقع، مع ارتفاع أسعار البتكوين في الأشهر الأخيرة، ارتفعت أيضاً عمليات التعدين - والبصمة الكربونية المرتبطة بها.
وعلى الرغم من عدم اليقين، فإن انبعاثات الكربون الناتجة عن تعدين العملة حالياً عند أعلى مستوياتها، حيث تستخدم نفس كمية الطاقة التي تعادل الاستهلاك السنوي لدولة مثل النمسا، وفقًا لمؤشر استهلاك بتكوين للكهرباء التابع لجامعة كامبريدج.
ومن المؤكد تقريبًا أن بصمة الطاقة المذهلة هذه ستستمر في الارتفاع لتصير واحدة من أبرز المشكلات تعقيدًا التي تحاول شركات التعدين معالجتها.
استهلاك فائق للطاقة..وبصمة كربونية كبيرة
الاستخدام المذهل للطاقة من جانب البتكوين هو نتيجة لعملية تعدين العملة المشفرة وأخواتها، والتي تعتمد على تكنولوجيا البلوك تشين.
ولكي تظل معاملات العملات المشفرة آمنة ومجهولة الهوية، فإن كل عملية إدخال على دفتر الأستاذ تحدث عبر حل مشاكل حسابية معقدة.
ونتيجة لذلك، تستهلك أجهزة الكمبيوتر الفائقة كميات هائلة من الطاقة، والتي يمكنها إجراء المزيد من العمليات الحسابية في وقت أقصر.
ولمنع انخفاض قيمة العملة مع قيام المزيد والمزيد من أنشطة التعدين بإصدار عملات مشفرة جديدة، يصبح تعدين عملة بتكوين جديدة أصعب وأصعب.
ومن أجل تعدين عملة واحدة، يتعين على شركات التعدين باستمرار استخدام المزيد من قوة الحوسبة، وغالبًا ما يكون لديهم مستودعات كاملة مليئة بأجهزة الكمبيوتر العملاقة.
والنتيجة: إنتاج نفس كمية البتكوين سنوياً، لكن مع زيادة مستمرة في استخدام الطاقة وانبعاثات الكربون.
في عام 2009، كان بإمكانك تعدين البيتكوين باستخدام الكهرباء المنزلية لبضع ثوانٍ فقط؛ الآن، سوف تحتاج إلى استهلاك ما يعادل 9 سنوات تقريباً من الكهرباء.
الحل يكمن في الحوسبة الكمومية
ولكن قد يكون هناك أخيراً حل لهذه المشكلة المعقدة: والحل يكمن في الحوسبة الكمومية، فبحسب تقرير حديث صادر عن CoinsPaid Media، فقد تم تصميم الأنظمة القائمة على الحوسبة الكمومية لتكون "متفوقة بشكل كبير على معدات التعدين الكلاسيكية من حيث كفاءة الطاقة".
ويستند التقرير على دراسة أجراها باحثون في جامعة كينت في المملكة المتحدة، إذ قارنوا استهلاك الطاقة لثلاثة أجهزة كمبيوتر كمومية مختلفة عند تعدين العملات المشفرة باستخدام البلوك تشين.
ونتج عن ذلك توفير مذهل في كمية الطاقة، وتقول الدراسة: "لقد أظهرنا أن الانتقال إلى التعدين القائم على الكم يمكن أن يترتب عليه توفير الطاقة -وفقًا لتقديرات متحفظة نسبيًا- بحوالي 126.7 تيراواط في الساعة، أو بعبارة أخرى، ما يعادل إجمالي استهلاك الطاقة في السويد في عام 2020.
وعلى عكس معدات التعدين التقليدية، والتي هي بالفعل متقدمة للغاية في تقنيتها، فإن أجهزة الكمبيوتر الكمومية لا تزال في بدايتها ومن المرجح أن تصبح أكثر دقة لتكون أكثر كفاءة في استخدام الطاقة في المستقبل القريب.
ومع ذلك، فإن هذا الاكتشاف له بعض المحاذير الهامة حيث توضح CoinsPaid Media: "يعد التعدين الكمي موفرًا للطاقة فقط عند استخدام معالجات بقدرة 512 كيوبت".
وفي الوقت نفسه، فإن أقوى المعالجات الكمومية المتوفرة في السوق، IBM Osprey و D-Wave D2، وتبلغ قدرتها فقط 433 و 512 كيوبت، على الترتيب".
والأهم من ذلك، أن الحوسبة الكمومية لم تتطور بعد، وسيكون أمامها طريق طويل لتقطعه قبل أن تتمكن من توفير كميات كبيرة من الطاقة.
لكن بوجه عام، قد تنقذ المناخ من البصمة الكربونية المتزايدة للبتكوين، وبالتالي، فإن الوقت اللازم لتجنب أسوأ آثار تغير المناخ بات قريباً.