محمد خالد- محرر في CNBC عربية 

يعطي عدد من الأخبار الإيجابية المتزامنة زخماً في سوق الكريبتو؛ من بينها الموافقة المرتقبة على صناديق الاستثمار المتداولة (ETF) علاوة على تخفيض العملة إلى النصف، أو ما يعرف بـ "بيتكوين هالفينغ"، وهو ما عبرت عنه الارتفاعات الأخيرة التي سجلتها العملات الرقمية، وفي ظل التطورات الاقتصادية والجيوسياسية وتداعياتها على نشاط السوق.

فيما يرى محللو جيه بي مورغان، أن ارتفاعات العملات الرقمية "مبالغ فيها إلى حد ما"، مقللين من التأثير الأوسع لترخيص هيئة الأوراق المالية والبورصات لصناديق الاستثمار المتداولة الفورية بعد اعتراضها السابق عليه، على اعتبار أن هذه الموافقة لا تعبر عن تحول أوسع إزاء صناعة العملات المشفرة بشكل عام.
واستندوا في مذكرة صادرة يوم الأربعاء الماضي، إلى أن اللوائح المنظمة في الولايات المتحدة بشأن هذه الصناعة لا تزال معلقة، وليس هنالك اعتقاد بأن المشرعين سوف يتجهون لتغيير مواقفهم (..) الأسواق لم تتجاوز ذكريات احتيال منصة FTX". 

لكنّ على الجانب الآخر تواصل سوق الكريبتو أداءها الإيجابي، بعد أن حققت "بيتكوين" ارتفاعاً بنحو 32% خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ومع تجاوزها أخيراً الـ 37 ألف دولار (لتصل قيمتها السوقية إلى 718 مليار دولار)، فيما تجاوزت شقيقتها إيثريوم مستوى الألفي دولار.

يأتي ذلك مصحوباً بتوقعات إيجابية على المديين المتوسط والطويل. وكانت شركة Bernstein لإدارة الثروات، قد توقعت أخيراً، وصول سعر البيتكوين إلى 150 ألف دولار في منتصف العام 2025.

وتتوقع الشركة أيضاً أن موافقة صناديق الاستثمار المتداولة ستحول ما يصل إلى 10% من المعروض المتداول من عملة البتكوين نحو صناديق الاستثمار المتداولة.

بينما تشير تقديرات "ستاندرد تشارترد"، في يوليو/ تموز الماضي،إلى وصول العملة المشفرة الأكبر إلى 50 ألف دولار في 2023، و120 ألف دولار بنهاية العام المقبل.

استثمار مشابه لـ "الذهب"

يعزي مؤسس ورئيس شركة ThalerTech، أحمد شمس الدين، لدى حديثه مع CNBC عربية، صحوة العملات الرقمية، لا سيما البيتكوين، إلى عدة عوامل؛ أولها البحث عن استثمار آمن مشابه للاستثمار في الذهب، خاصة في ظل التوترات العالمية.

ثاني تلك العوامل مرتبط بـ "نقص الثقة في أسواق الأسهم" ما يدفع المستثمرين للبحث عن أصول تقدم عوائد أعلى بفترة قصيرة. بينما العامل الثالث يتعلق بسعي شركات استثمارية عالمية مثل "بلاك روك" للحصول على الموافقة لفتح استثمارات في صناديق تداول البيتكوين (ETF BTC) لعملائها. علاوة على العوامل الأخرى المرتبطة بـ "عدم زيادة سعر الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي (FED)".

و‎بالإضافة إلى هذه العوامل، هناك عامل مهم وهو دينامكية مجتمعات الكريبتو التي تحتفظ بنشاطها، على الرغم من انخفاض الأسعار سابقاً، مثل المؤتمر الذي نظمه مجتمع سولانا في أمستردام أخيراً، حيث شهد زيادة كبيرة في عدد المشاركين (..).

ويعتقد مؤسس ورئيس شركة ThalerTech بأن "فترة انخفاض الأسعار كانت فترة الـبناء بالنسبة للعملات الرقمية؛ ذلك أن هناك مشاريع كثيرة ستبصر النور، ومن  الممكن أن تزيد من هذه الدينامكية، لكن المنافسة مع مشاريع الذكاء الاصطناعي قد تخفف نسبة الاستثمارات في المشاريع التكنولوجية حول العملات الرقمية. 

ارتفاعات منطقية

كما لا يعتقد محلل أول لأسواق المال في مجموعة إكويتي، أحمد عزام، بأن الارتفاعات الأخيرة لبيتكوين مبالغ فيها؛ ذلك أن "العملات الرقمية مرتبطة بالعرض والطلب، وفي الفترة الأخيرة تشهد طلباً قوياً، لا سيما مع الأخبار الإيجابية حولها، ونظراً لتعطش المستثمرين لتبنيها".

ويقول في تصريحات خاصة لـ CNBC عربية: "من منظور آخر، فإن الدفع الأكبر المتوقع للعملات الرقمية بنهاية العام 2024 تحديداً، مع البدء في خفض أسعار الفائدة بالنسبة للاقتصادات الكبرى (تبعاً للتوقعات)، وهو ما يدفع الأسواق إلى شراء الأصول ذات المخاطرة، وعلى رأسها العملات الرقمية.. وتبعاً لذلك، فإن الارتفاعات الحالية والقادمة غير مبالغ فيها حتى مع الوصول إلى مستويات تتجاوز الـ 1.5 تريليون دولار".

ويشير إلى "الأخبار الإيجابية" التي عززت ارتفاعات العملات الرقمية في الآونة الأخيرة، وأهمها قرب الموافقة على إطلاق صناديق استثمار تداول البيتكوين (ETF BTC)، وبما منح الأسواق والمستثمرين زخماً إيجابياً من أجل تبني مجتمع العملات الرقمية مرة أخرى. 

كذلك كانت هنالك موجة إيجابية أخيراً مع إمكانية إطلاق صندوق متداول في البورصة مرتكزاً على عملة مشفرة أخرى وهي "إيثريوم" من خلال شركة "بلاك روك" التي تقدمت بطلب رسمي بالأوراق المطلوبة للصندوق  (iShares ETF ) بولاية ديلاوير، وبما يحفز على التوسع في تبني صناديق الاستثمار المتداولة على ذلك النهج، الأمر الذي ينعش أسواق العملات المشفرة.

وبخلاف "بلاك روك" هناك عديد من الشركات التي تتنافس من أجل اقتناص موافقة هيئة الأوراق المالية والبورصة على صندوق ETF الفوري. ويتوقع محللون أن تضيف تلك الصناديق تدفقات مالية جديدة تسهم في إنعاش السوق.

وكانت محكمة استئناف فيدرالية أميركية، قد أيدت قبيل أسابيع، شركة Grayscale Investments في مسعاها لإنشاء صندوق لتداول بتكوين، بالرغم من الاعتراضات التي قدمتها لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية.

ويلفت خبير أسواق المال، خلال حديثه مع CNBC عربية، إلى الارتفاعات التي تحققها بيتكوين، والتي وصلت تجاوزت السوقية الـ 700 مليار دولار في الفترة الأخيرة، مشدداً على أنه "في الفترة المقبلة ومع تبني إمكانية إطلاق صنايق الاستثمار، يدعم ذلك الطلب على العملات الرقمية، تحديداً بيتكوين وإيثريوم". ويعتقد بأن "موجة الارتفاع القادمة قد تقود بيتكوين للوصول إلى مستويات الـ 40 ألف دولار على المدى القصير، قبيل نهاية العام".

ومع بداية العام المقبل 2024، من الممكن أن يكون هنالك زخم إيجابي أكبر مع البيتكوين هالفينغ (أو إنقسام أرباح بيتكوين) وبما يعطي زخماً إيجابياً آخر للعملات الرقمية، مع الأخذ في الاعتبار أن (ETF BTC) من الممكن أن تصدر الموافقة عليه مع نهاية العام أو بداية 2024، وبما يعطي دفعة للعملة الرقمية نحو مستويات الـ 47 ألف دولا، وفق عزام.

ومرت العملات المشفرة في العام 2022 بأجواء عصيبة، فقدت على أثرها حوالي تريليوني دولار، وتراجعت بيتكوين دون المستويات المرتفعة التي حققتها في العام 2021، فيما شهد العام انهيار عملات أخرى، مع تقديم FTX طلب إفلاس في الولايات المتحدة. 

وسجلت بيتكوين أول تراجع فصلي في العام 2023، خلال الربع الثالث من العام، عندما انخفض سعرها بشكل ملحوظ عما كانت عليه قبل ثلاثة أشهر بنسبة 13%. فيما عاودت خلال الأسابيع الماضية صحوتها.

تفاؤل سوق الكريبتو 

وتحفز تلك المستويات التي تسجلها البيتكوين -التي أضافت على مدار الأسبوع الماضي نحو 6.16% إلى قيمتها- سوق الكريبتو على نحو واسع، وهو ما يشير إليه المدير التنفيذي لـ vi markets، أحمد معطي، لدى حديثه مع CNBC عربية، موضحاً أن "ارتفاع بيتكوين يعطي تفاؤلاً في سوق الكريبتو، باعتبارها العملة الرائدة والمعبرة عن اتجاهات السوق".

وبخلاف الأخبار الإيجابية التي شهدتها السوق فيما يخص صناديق ETF، يرصد معطي عوامل رئيسية أخرى أيضاً تدعم الارتفاعات الحالية للعملات المشفرة؛ من بينها الحرب الراهنة في قطاع غزة، وبالنظر إلى أن العملات المشفرة عادة ما ترتفع أثناء الأزمات؛ مع اتجاه عديد من المستثمرين إلى تحويل أموالهم إليها كملاذ آمن بالنسبة لهم.

"لكن هذه المرّة نرى الارتفاعات أبطأ، مقارنة بالارتفاعات السابقة في بداية الحرب في أوكرانيا وجائحة كورونا، وحتى في بداية أزمة الرهن العقاري التي تعد بداية سوق الكريبتو بالكامل"، وفق معطي.

من بين العوامل أيضاً "لهجة الفيدرالي الأميركي" بعد اجتماعه الأخير، والتي أعطت إشارات بأنه يمكن أن يلجأ إلى تثبيت الفائدة كما هي (..) هذا يعني بالنسبة للمتعاملين والذين يحتفظون بأموالهم في أذون الخزانة والسندات وحتى البنوك التي تعطي فوائد مرتفعة، الاتجاه للبحث عن بدائل، ومن بين أحد تلك البدائل العملات الرقمية.