عاد الحديث عن فكرة انسحاب الرئيس الأميركي جو بايدن من سباق انتخابات الرئاسة الأميركية كمرشح عن الحزب الديمقراطي، وذلك بعد هدوء الزخم الذي أثير بشأن محاولة اغتيال منافسه الجمهوري دونالد ترامب خلال الأيام الماضية، وسط إشارات على أن أزمة الحزب الصعبة قد تشهد انفراجة قريبة مع تقبل بايدن مؤخراً للفكرة بعد تجاهله لدعوات انسحابه في بدايات انطلاقها.
وانطلقت دعوات عدد من الديمقراطيين لانسحاب بايدن من الترشح في السباق الرئاسي مع تنامي المخاوف بشأن سنه وقدرته على الفوز في الانتخابات التي ستعقد في نوفمبر/ تشرين الثاني، وذلك بعد الأداء المخيب للآمال الذي ظهر عليه خلال المناظرة الرئاسية التي عقدته بينه وبين ترامب في أواخر يونيو/ حزيران الماضي.
وأدى تحول التركيز إلى حادثة إطلاق النار التي تعرض لها ترامب خلال تجمع انتخابي في بنسلفانيا السبت 13 يوليو/ تموز، إلى تخفيف الضغوط العلنية على الأقل على بايدن من أجل تنحيه عن الترشح، لكن بعض هذه الضغوط عادت من جديد بعد هدوء الزخم المتعلق بحادثة محاولة اغتيال المرشح الجمهوري.
إشارات على قرب الانسحاب؟
بايدن أكثر تقبلاً لسماع حجج من يدعونه إلى الانسحاب
من بين الإشارات على تعديل موقف بايدن خلال الساعات والأيام الأخيرة، ما نقلته صحيفة نيويورك تايمز الأربعاء 17 يوليو/ تموز، عن ديمقراطيين مطلعين على محادثات بايدن، والذين قالوا إن الرئيس الأميركي أصبح أكثر تقبلاً في الأيام القليلة الماضية لسماع الحجج حول سبب انسحابه من محاولته إعادة انتخابه، وذلك بعد أن أخبره اثنان من كبار قادة حزبه في الكونغرس سراً أنهما يشعران بقلق عميق بشأن مستقبل ترشحه.
وقال الديمقراطيون للصحيفة إن بايدن لم يعط أي إشارة حتى الآن إلى أنه غير رأيه بشأن البقاء في السباق، لكنه كان على استعداد للاستماع إلى بيانات استطلاعات رأي جديدة ومثيرة للقلق، وطرح أسئلة حول كيفية فوز نائبة الرئيس كامالا هاريس.
اقرأ أيضاً: بايدن يواجه ضغوط أهل البيت الديموقراطي.. والدعوات لانسحابه تتزايد
تشير الروايات إلى أن بايدن، على الأقل سراً، يتخذ موقفاً أكثر انفتاحاً مما فعل الأسبوع الماضي عندما انتقد عدداً من الديمقراطيين في مجلس النواب الذين ضغطوا عليه للتنحي.
وقال أحد الأشخاص المقربين من الرئيس إنه سيكون من الخطأ وصفه بأنه متقبل لفكرة الانسحاب، لكنه "مستعد للاستماع". لكن هذا الشخص أكد أنه لا توجد علامة على أن بايدن يغير مساره في هذه المرحلة.
تأتي هذه المستجدات بعد أن أخبر كل من السيناتور تشاك شومر والنائب حكيم جيفريز، أكبر عضوين ديمقراطيين في الكونغرس، بايدن بشكل خاص خلال الأسبوع الماضي أن الأعضاء الديمقراطيين قلقون للغاية بشأن فرصه في نوفمبر، ومصير مرشحي مجلس النواب ومجلس الشيوخ في حالة استمرار ترشحه في انتخابات الرئاسة، وفقاً لما نقلته الصحيفة عن شخصين مطلعين على المحادثات.
وأشار البيت الأبيض إلى أن بايدن لم يتأثر بمناقشاتهما، وقال المتحدث باسم البيت الأبيض، أندرو بيتس: "أبلغ الرئيس كلا الزعيمين أنه مرشح الحزب، وأنه يعتزم الفوز ويتطلع إلى العمل معهما لتمرير أجندته التي تستغرق 100 يوم لمساعدة الأسر العاملة".
استطلاع جديد: ثلثا الديمقراطيين يؤيدون الانسحاب
الإشارة الثانية تتمثل في أن استطلاع جديد أجراه مركز AP-NORC الأميركي لأبحاث الشؤون العامة وكشف عن نتائجه الأربعاء 17 يوليو، وجد أن ما يقرب من ثلثي الديمقراطيين يرون بايدن يجب أن ينسحب من السباق الرئاسي ويسمح لحزبه بترشيح مرشح مختلف.
وتقوض نتائج الاستطلاع بشكل حاد ادعاء بايدن بعد المناظرة مع ترامب بأن "الديمقراطيين العاديين" ما زالوا معه حتى لو كان البعض "الأسماء الكبيرة" تنقلب عليه، بحسب وكالة أسوشيتد برس الأميركية للأنباء.
وكشف الاستطلاع عن أن حوالي 30% فقط من الديمقراطيين واثقون للغاية من أن لديه القدرة العقلية التي تمكنه من العمل كرئيس بشكل فعال، بانخفاض عن نسبة 40% في استطلاع AP-NORC في فبراير/ شباط.
وأجري الاستطلاع في الغالب قبل محاولة اغتيال ترامب، ومن غير الواضح ما إذا كان إطلاق النار قد أثر على آراء الناس تجاه بايدن، لكن العدد القليل من المقابلات الاستطلاعية التي أجريت بعد إطلاق النار لم يقدم أي مؤشر مبكر على تحسن فرصه.
كما وجد الاستطلاع أن تصنيف شعبية نائبة الرئيس كامالا هاريس، المرشحة المحتملة لخلافته في حال انسحب من السباق الانتخابي، مشابه لتصنيفه - لكن حصة الأميركيين الذين لديهم رأي سلبي عنها أقل قليلاً.
اقرأ أيضاً: بديل بايدن يواجه صعوبات متعددة لكن الترشح أمام ترامب قد يسهل مهمة الفوز
ويقدم الاستطلاع بعض الأدلة على أن الديمقراطيين السود هم من بين أقوى مؤيدي بايدن، حيث قال ما يقرب من نصف المشاركين في الاستطلاع إنه يجب أن يستمر في الترشح، مقارنة بحوالي 3 من كل 10 ديمقراطيين من البيض واللاتينيين.
دعوات جديدة لانسحابه
دعوات جديدة من ديمقراطيين كبار لانسحاب بايدن من الترشح للانتخابات كان آخرها ما جاء على لسان النائب الديمقراطي البارز من ولاية كاليفورنيا آدم شيف، الأربعاء، الذي أشار إلى أن بايدن يجب أن ينهي حملته الرئاسية.
وبينما لم ينضم السيناتور الديمقراطي جون هيكنلوبر، إلى الداعين لانسحاب بايدن صراحة، إلا أنه قال إن هناك أدلة متزايدة على أن هذا الإجراء سيكون من المفيد للبلاد إذا كان هذا هو القرار الذي اتخذه بايدن.
وقال هيكنلوبر، لوكالة رويترز، إن بايدن يعمل على اتخاذ قرار بشأن ما إذا كان سيبقى في السباق الرئاسي وهو أمر مفيد للبلاد، مشيرا إلى الحزن بين الديمقراطيين بشأن الرئيس لكنه لم يصل إلى حد القول إنه يجب أن يتنحى.
ويعتقد مسؤولو البيت الأبيض أن رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي دعمت دعوة النائب آدم شيف لبايدن للتنحي، كما أنها أخبرت بايدن أنه لا يستطيع الفوز في الانتخابات 5 نوفمبر/ تشرين الثاني، حسبما نقلته وكالة رويترز الخميس 18 يوليو/ تموز، عن مصدر كبير في البيت الأبيض على علم مباشر بالأمر.
وأضاف المصدر أن بيلوسي "مقتنعة بأن المشاعر العامة ضد الرئيس ولا يمكنه تغييرها".
وأشار المصدر إلى أن بيلوسي، وهي واحدة من أكثر الأعضاء نفوذاً في حزب بايدن وشخصية ثابتة في واشنطن منذ عقود، تحب الاقتباس من خطاب الرئيس السابق أبراهام لينكولن في اجتماعات القيادة. قال لينكولن في خطابه: "مع المشاعر العامة، لا يمكن لشيء أن يفشل، وبدونها لا يمكن لشيء أن ينجح".
وبحسب صحيفة بوليتيكو، قالت بيلوسي لبايدن الأسبوع الماضي إنها ومشرعين ديمقراطيين آخرين يشعرون بالقلق من أنه يسحب الحزب إلى أسفل، في مواجهة صريحة غير عادية، محذرة من أن بعض المشرعين الديمقراطيين سيبدأون في رفع صوتهم في تذمرهم بشأن نقاط ضعفه السياسية، وفقاً لشخصين مقربين من بيلوسي. وحثت الرئيس على اتخاذ قرار بشأن التنحي قريباً.
بايدن يتحدث عن فرص انسحابه
من بين تلك الإشارات أيضاً هو حديث بايدن عن الحالة التي قد يعيد فيها تقييم ترشحه خلال برنامج تلفزيوني، وقال الرئيس الأميركي في مقابلة أذيعت، الأربعاء، إنه قد يعيد النظر في قراره بالبقاء في السباق ضد دونالد ترامب إذا ظهرت حالة طبية.
وسأل مقدم البرامج إد غوردون، بايدن في مقابلة أجريت معه يوم الثلاثاء: "هل هناك أي شيء قد تنظر إليه شخصياً... لتقول: إذا رأيت ذلك، فسأعيد التقييم؟".
اقرأ أيضاً: جافين نيوسوم نجم صاعد بالحزب الديمقراطي.. هل يخلف بايدن في السباق الرئاسي؟
وأجابه بايدن، وفقًا لمقطع فيديو تمت مشاركته يوم الأربعاء: "إذا ظهرت لي حالة طبية ما، أو إذا جاءني شخص ما، أو جاء إليَّ الأطباء وقالوا: لديك هذه المشكلة، تلك المشكلة".
إصابة بايدن بكورونا وتقليل فرص ظهوره
في ظل غرق حملته في الأزمة وتزايد دعوات الديمقراطيين لتنحيه واستطلاعات الرأي التي تأتي في غير مصلحته، كان بايدن في حاجة إلى تكثيف ظهوره العلني من أجل إقناع الناخبين بفرصته في الانتخابات وتأكيد قدرته على الفوز فيها وأنه المرشح الأنسب للحزب الديمقراطي.
لكن وسط كل هذا الأحداث ثبتت إصابة بايدن بفيروس كوفيد 19، مساء الأربعاء، وهو ما سيضطره إلى عزل نفسه في منزله بمدينة ديلاوير، مع الاستمرار في أداء جميع واجباته بالكامل خلال تلك الفترة، بحسب بيان من البيت الأبيض.
وألغى بايدن مشاركته في التحدث في اللحظة الأخيرة، قبل أن يلقي كلمة أمام مؤتمر في لاس فيغاس بعد ظهر الأربعاء.