هل تستمتع بتشغيل الأجهزة الكهربائية في منزلك لأغراض مختلفة؟ هل تقرأ هذا المقال من هاتفك الجوال أم من الحاسوب؟ إذاً فأنت تدين بالفضل للمخترع نيكولا تسلا.
بدايته
ولد المهندس والمخترع نيكولا تيسلا في يوليو تموز من عام 1856 بقرية تسمى سميليان في الإمبراطورية النمساوية، والتي تقع الآن في كرواتيا.
كان تسلا من عائلة من أصل صربي، والده كان كاهنًا أرثوذكسيًا، بينما كانت والدته غير متعلمة ولكنها كانت ذكية للغاية. وأثناء نشأته، أظهر خيالًا وإبداعًا مميزين بالإضافة إلى إتقانه للشعر.
لاحقاً، تدرب على مهنة هندسية، والتحق بالجامعة التقنية في غراتس، بالنمسا، وأيضاً جامعة براغ.
في غراتس، رأى لأول مرة دينامو جرام، الذي يعمل كمولد للكهرباء، وعندما يتم عكسه، يصبح محركًا كهربائيًا، وابتكر طريقة لاستخدام التيار المتردد للاستفادة منه.
وفي وقت لاحق، في بودابست، تصور مبدأ المجال المغناطيسي الدوار وطور خططًا لمحرك سيصبح خطوته الأولى نحو الاستخدام الناجح للتيار المتردد.
وفي عام 1882، ذهب تيسلا للعمل في باريس لصالح شركة Continental Edison، وأثناء مهمته في ستراسبورغ في عام 1883، قام ببناء محركه التعريفي الأول بعد ساعات العمل.
الانطلاقة في أميركا
أبحر تسلا إلى أميركا عام 1884، ووصل إلى نيويورك ومعه أربعة سنتات في جيبه، وبعض قصائده الخاصة، وحسابات لآلة طيران بالإضافة إلى خطاب توصية من زميل له موجه إلى "ساحر مينلو بارك"، وهو توماس إديسون كما كانوا يلقبونه.
جاء في الخطاب: "عزيزي إديسون: أنا أعرف رجلين اثنين عظيمين في العالم .. أنت واحد منهم. والآخر الشاب حامل هذه الرسالة!".
عرض إديسون مبلغ 50 ألف دولار على تسلا مقابل تحسين عمل محطات التيار المستمر التي امتلكها رجل الأعمال الأميركي، ونفذ تسلا المهمة بالفعل بعد عدة أشهر وذهب ليطلب الأجر المتفق عليه ليفاجأ بالرفض مع عبارة ساخرة من إديسون: "عندما تصبح أميركياً حقيقياً، ستقدر وتفهم معنى المزحة الأميركية".
وقد وصل إلى الولايات المتحدة في الوقت المناسب تمامًا حيث شهدت تلك الفترة نزاعاً حول استخدامات الأنواع المختلفة من التيار الكهربائي في الحياة العملية، ونشب ما عرف باسم "حرب التيارات"، فقد كان هناك انقسام بين الاعتماد على إما التيار المباشر أو التيار المتردد.
لم تكن حرباً حقيقية، لكنها كانت حربًا ضروسًا بين رجل الأعمال والمهندس الأميركي جورج وستنغهاوس من جانب وبين المبتكر الشهير توماس إديسون.
كانت المعركة بين رجل الأعمال والمهندس الأمريكي، جورج وستنغهاوس الذي تبنى التيار المتردد (AC) المتدفق في اتجاهات متعددة ولمسافات طويلة، وتوماس إديسون الذي تبنى استخدام التيار المباشر (DC) لنقل الكهرباء ويتدفق في اتجاه واحد لمسافات قصيرة.
وتبني تسلا فكرة التيار المتردد ليغادر شركة إديسون، وسرعان ما اشترى ويستنغهاوس حقوق براءة الاختراع لنظام تسلا للمحولات والمحركات الحثية ذات التيار المتردد.
ابتكارات تسلا
كان لتسلا العديد من الابتكارات التي لا يزال صداها مستمرًا حتى يومنا هذا، كما أن نظامه للمحولات ذات التيار المتردد قادر على نقل الطاقة بشكل فعال من حيث التكلفة عبر مسافات كبيرة.
وبحسب محللين، فإن العالم لا يزال يستخدم التيار الكهربائي المتردد، كما أن إنتاج ونقل الكهرباء لا يزالان يعتمدان على أفكار تسلا، بل إن الأجهزة المنزلية والسيارات الكهربائية تعتمد على بعض أفكاره ومبتكراته.
في عام 1891، اخترع تسلا ما عرف باسم "ملف تسلا"، وهو عبارة عن جهاز ينقل الكهرباء لاسلكياً، وهذه الفكرة هي الأساس الذي يستخدم اليوم في أجهزة الراديو والتلفاز والجوال وغيرها من المعدات الإلكترونية.
ملف تسلا هو دائرة كهربائية لانتاج تيار متردد قوي، وقد استخدم كذلك في أنظمة الإضاءة الحديثة ومصابيح الفلورسنت والنيون، وتوليد الأشعة السينية (أشعة إكس).
وبعد ذلك بعامين، فاز تسلا وويستنغهاوس بمناقصة لإضاءة المعرض الكولومبي العالمي في شيكاغو للاحتفال بالذكرى السنوية الـ 400 لاكتشاف أوروبا لأميركا.
ونتيجة لهذا المعرض، سطع نجم تسلا بشكل مذهل مما أسند إليه مهمة بناء محطة كهرومائية على شلالات نياغارا، والتي اعتبرت أول محطة كهرومائية في العالم.
وسجل تسلا أكثر من 30 براءة اختراع لفكرته ودُعي لإلقاء كلمة أمام المعهد الأميركي لمهندسي الكهرباء بشأن عمله كما تحدث إلى الصحف عن أهمية وفوائد التيار المتردد عن التيار المستمر.
في السنوات التالية، أسس تسلا مختبره الخاص، وعمل فيه على تجارب في مجال الاتصالات اللاسلكية ونقل الطاقة، وحقق في هذا المجال خطوات فاعلة.
كان الأمر أشبه باستشراف المستقبل، فالرجل كان يريد توصيل الكهرباء للعالم أجمع لاسلكيًا بواسطة أبراج يتم تثبيتها في محيط عدة كيلومترات بحسب شدة التيار المنبعث منها.
وبناء على هذه الفكرة، قامت شركات الاتصالات الحديثة ببناء أبراج للشبكات (الجوال).
واستثمر المصرفي الشهير جي بي مورغان في مشروع تسلا الذي كان عبارة عن برج عملاق في لونغ آيلاند بنيويورك يستهدف نقل وتوصيل الكهرباء لاسلكياً، لكن تم سحب الاستثمارات من المشروع للشكوك في جدواه بعد البدء فعلياً في بناء البرج.
وفي عام 1917، أشهر تسلا إفلاسه، وتم تفكيك البرج وبيعه كخردة لسداد ديونه.، وبدأ نجم تسلا يخفت تدريجياً، وانحصر عمله في تقديم الاستشارات الفنية والهندسية بأموال زهيدة عاش عليها حتى وفاته وحيداً ومفلساً ومديناً في غرفة فندق بمدينة نيويورك عام 1943.