ينحدر "رجل الأعمال" يفغيني بريغوجين البالغ من العمر 61 عامًا، من مدينة سان بطرسبورغ الروسية، لنينغراد سابقًا، التي ترعرع في أحيائها الفقيرة وعاش حياة الجريمة، حيث حكم عليه بالسجن 12 عامًا قبل أن يبلغ العشرين، لتهم تتعلق بالسرقة والانتماء لعصابة، قضى منها 10 سنوات.
"فرصة" انهيار الاتحاد السوفياتي
مع انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، وجد "طباخ بوتين" في ظهور نظام جديد في روسيا فرصة حاول استغلالها، وهكذا انطلق في عالم الأعمال عبر تسويق الأطعمة والمواد الغذائية، وكانت بدايته ببيع سندويشات النقانق قبل أن يطلق سلسلة متاجر للبقالة.
مع تعاقب السنوات فتح بريغوجين سلسة مطاعم، لعل أشهرها ذلك المطل على النهر في مسقط رأسه سان بطرسبورغ، والذي استضاف عددًا من القادة السياسيين ورؤساء الدول، ومن هناك انطلقت علاقته ببوتين الذي كان يتردد على المطعم رفقة ضيوفه من كبار الشخصيات بشكل متكرر.
تمكنت شركة "كونكورد" التي أسسها بريغوجين عام 1996 من الحصول على عقود حكومية بمئات الملايين من الدولارات، يقوم بموجبها بتوفير الطعام للمدارس والمؤسسات الحكومية، كما نجح في ضمان عقود طويلة الأجل كمتعهد طعام للجيش الروسي بقيمة تتجاوز 3 مليارات دولار حسب ما تشير التقارير.
الأوامر تأتي من "بابا"
مع توالي السنوات، كرس بريغوجين صورته كرجل بوتين الأول وصديق الكرملين الأقرب، إلى غاية العام 2014 حيث بدأت تقارير إعلامية متعددة تربط بينه وبين مجموعة عسكرية لم تكن معروفة آنذاك تقاتل إلى جانب القوات الروسية في منطقة الدونباس الشرقية في أوكرانيا.
البداية كانت حسب تقارير بريطانية خلال اجتماع رفيع المستوى في مقر وزارة الدفاع الروسية حضره بريغوجين بصفته أحد مموني الجيش، تقدن خلاله بطلب غريب، وهو توفير قطعة أرض لاستخدامها كمركز تدريب "متطوعين" يمكن استخدامهم لمساعدة الجيش الروسي.
لم يكن كبار القادة في وزارة الدفاع الروسية معجبين بالرجل أو بطريقة حديثه المتعجرفة، فأبدوا رفضهم للفكرة، لكن بريغوجين أوضح أن الأمر لا يعود إليهم وأن الأوامر جاءت من "بابا" في إشارة إلى الرئيس بوتين وقربه منه.
ظل الكرملين لسنوات ينفي ارتباطه بمجموعة فاغنر بالرغم من الحقائق على أرض الواقع، إذ تشير التقارير الاستخباراتية الغربية إلى تدخل قوات فاغنر في أكثر من 30 دولة خدمة لمصالح موسكو السياسية، ومن جهة أخرى ظل بريغوجين ينفي علاقته بالمجموعة إلى حدود سبتمبر الماضي عندما أقر بتأسيس مجموعة "فاغنر" العسكرية لإرسال مقاتلين إلى منطقة الدونباس الأوكرانية عام 2014، ليتخذ التنظيم شكلاً مؤسساتيًا بدرجة أكبر ويتم تدشين أول مقر له في مسقط رأس بريغوجين، سان بطرسبورغ.
بعد خروجه إلى الواجهة، لم يعد بريغوجين يجد حرجًا في إظهار عمليات التجنيد التي كان يقوم بها في المؤسسات السجنية في روسيا، وإظهارها عبر صفحاته على وسائل التواصل الاجتماعي، ومع توالي مهماته الناجحة في مختلف بؤر التوتر حول العالم، تعزز موقع بريغوجين ضمن الدائرة الضيقة المقربة لبوتين، وزادت ثقته في نفسه، وبلغت ذروتها خلال الحرب في أوكرانيا.
بداية التمرد
عندما دخل الروس إلى أوكرانيا، كان العالم يتوقع من ثاني أقوى الجيوش في العالم إنهاء المعركة في هجوم خاطف، لكن تعنت الأوكرانيين والدعم اللامشروط من الغرب كبد الروس خسائر غير متوقعة، وظهر أن الدب الروسي ربما لا يملك مقومات قوة غير حجمه.
تدخلت مجموعة فاغنر وأصبحت تتولى الخطوط الأمامية وتقود الأدوار الهجومية على الجبهة، وقدمت أداءً أفضل من القوات الروسية النظامية، ومع توالي النجاحات، زادت انتقادات بريغوجين لقادة الجيش الذين لم تكن علاقته بهم في أحسن أحوالها حتى قبل الحرب الأوكرانية، واستهدف بشكل رئيسي وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، وهو صديق مقرب آخر لبوتين، الذي بقي على نفس المسافة من الطرفين ولم يتدخل في حرب التصريحات بينهما.
توالت الانتقادات اللاذعة للقيادة العسكرية الروسية والاتهامات بالفساد وغياب الكفاءة من بريغوجين، وبلغت ذروتها في الأسابيع القليلة الأخيرة التي سبقت إعلان التمرد، عندما أصبحت تصريحات زعيم فاغنر تطال بوتين نفسه، الذي قال في الـ13 من يونيو حزيران إن المجموعات المسلحة مثل فاغنر يجب أن تخضع لسلطة وزارة الدفاع، وهو الأمر الذي يرفضه بريغوجين بشدة.