الحديث عن القمم الجليدية القطبية، لا يعني فقط ثلوج القمم المعروفة بمناظرها الخلابة، بل تشمل طبقات ضخمة من الجليد والثلوج مساحتها تغطي القارة القطبية الجنوبية، وغرينلاند، وأجزاء من كندا وروسيا.

انفصال هذه القمم الجليدية أمر طبيعي، ومتوقع حدوثه في أي وقت نتيجة عوامل طبيعية تتأثر بالاحتباس الحراري والتغيّر المناخي.

يتحدث العلماء عن أن ذوبان الجليد في القطب الشمالي وانفصاله عن الأنهار الجليدية في عملية تسمى "الانفصال" أمر متوقع، لكن معدل ما يراكمه هذا الانفصال يفوق ما يمكن أن ينتجه موسم جليدي وثلجي جديد كامل في القمم الجليدية، وفق تصريحات عالم الجليد والأستاذ المشارك في علوم نظام الأرض في جامعة كاليفورنيا ماثيو مورليغيم لموقع  inverse.com.

 

لا داعي للذعر.. ولكن! 

لكن التحذير من هذه الظاهرة الطبيعية، لا يعني إثارة الذعر في العالم، لأنها لن تحدث في وقت قريب، بل ستستغرق أكثر من قرن من الزمان حتى تذوب القمم الجليدية القطبية بالكامل. يضع بعض العلماء تاريخاً لهذا التحول الكبير والخطر في القمم الجليدية هو العام 2121!

إذاً لن يحدث ذلك في عصرنا الحالي، بل ربما بعد أكثر من 100 عام، وقد يستغرق الأمر آلاف السنين، وفقاً لمورليغيم.

لكن من المفيد طرح هذا السؤال فالعالم لن ينتهي في عام 2121، لكن إذا ذابت الجبال الجليدية في غرينلاند، التي يغطي الجليد معظم مساحتها، سيرتفع مستوى سطح البحر عالمياً بمقدار 7.4 متراً.

وإذا انهارت جبال القارة القطبية الجنوبية "أنتارتيكا"، التي سماها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بـ"العملاق النائم"، وهي القارة المهمة لفهم كيفية عمل الأرض، سيرتفع البحر 58 متراً أخرى.

وكان غوتيريش قد زار القارة قبيل أيام من انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ COP28 في دولة الإمارات.

ومن هناك، دعا الأمين العام الدول إلى "التحرك الآن للحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية، وحماية الناس من الفوضى المناخية، وإنهاء عصر الوقود الأحفوري".

في هذه الحال ستكون نسبة ارتفاع مستوى البحار 65.4 متراً، أي 215 قدماً، الأمر الذي يعني غرق مدن ودول بكاملها تحت سطح البحر وربع هذهالكمية فقط سيكون كافياً لإغراق معظم المدن الساحلية في العالم وتشريد أكثر من 650 مليون شخص.

والمياه المرتفعة لن تتوزع بالتساوي على البحار في العالم بفعل جاذبية الأرض. على سبيل المثال، سينخفض ​​مستوى سطح البحر حول غرينلاند والقارة القطبية الجنوبية، لكنه سيرتفع في باقي المناطق.

 

اختفاء دول بأكملها 

سيناريو الانفصال الجليدي هذا، سيؤثر على حوالي 40% من سكان العالم الذين يسكنون على بعد 250 قدماً من ارتفاع المد. بشكل عام، نقول وتكلفة هذا الذوبان وارتفاع مستوى سطح البحر تبلغ تريليون دولار لكل متر من مستوى سطح البحر، أي حوالي 65 تريليون دولار.

وهذ المبلغ يشمل خسائر محو واختفاء دول وشعوب وثقافات، من بينها جزر المحيط الهادئ، عن وجه الكرة الأرضية.

وأخطر تداعيات الانهيار الجليدي سيكون تلوث المياه الجوفية. ففي حال ارتفع مستوى سطح البحر، ستتسرب المياه المالحة إلى احتياطيات المياه الجوفية في الطبقات الداخلية. لذلك، إذا كان هناك من يعتقد نفسه آمناً من الغرق فقد تتلوث المياه الجوفية التي تستخدم للري والشرب. 

الدورة الحرارية الملحية قد تتأثر أيضاً، أي ما يسمى "الحزام الناقل العظيم"، وهو ينقل الحرارة من خط الاستواء إلى خطوط العرض الأعلى. وتباطؤ الدوران بدأ بالفعل لأنه يتم وضع الكثير من المياه العذبة في القطب الشمالي، وفقاً لتصريح عالم الجليد وعلوم الأرض ماثيو مورليغيم.

في حال حدوث هذا الأمر فسيتوقف تدفق الخليج حدث ذلك فلن يكون هناك المزيد من تيار الخليج. وأوروبا ستكون أولى ضحايا هذا التحول، وسيتحول طقسها إلى بارد وجليدي على غرار مونتريال. وستنخفض درجات الحرارة ما يُشكل ما يُسمّى العصر الجليدي المصغر.

 

مواد مشعة سامة

ليس هذا كل شيء، فهذه الحركة الأرضية الضخمة ستبث المواد الكيميائية السامة في الصفائح الجليدية وفي بعض الأنهار الجليدية الجبلية في جبال الهيمالايا، على سبيل المثال.

في هذا السياق، يقول مورليغيم "نحن نعلم أن هناك مواد كيميائية مثل مادة الـ DDT، المادة التي ثبت تسببها بالسرطان البشري، وهذا أمر مقلق لأن هذه المواد الكيميائية ستتسرب إلى الأنهار وفي مياه الشرب".

يُذكر أنه خلال الحرب الباردة، كانت هناك قاعدة عسكرية في شمال غرينلاند تسمى "معسكر القرن". في ذلك الزمن تمّ إلقاء مواد كيميائية سيئة بكميات ضخمة. وتمّ أيضاً دفن مواداً مشعة تحت الجليد، الأمر الذي يجعل ذوبان الجليد أمراً شديد الخطورة على الأرض والبشر.

قد يكون الجليد البحري الجزء الأكثر تضرراً من الغطاء الجليدي، وقد يصبح المحيط المتجمد الشمالي خالياً من الجليد كل صيف.

وفي هذه الحال، ستمتص مياه القطب الشمالي كمية أكبر من حرارة الشمس التي تسطع خلال الساعات الأربع والعشرين في الصيف، مما سيسرّع ذوبان التربة الصقيعية والغطاء الجليدي في غرينلاند، بحسب ما جاء في دراسة أعدتها المبادرة الدولية للغلاف الجوي والمناخ.

وذوبان التربة الصقيعية هو خطر كبير آخر لأنه يطلق ثاني أكسيد الكربون والميثان، وهي انبعاثات تساهم في الاحترار العالمي.

تجدر الإشارة إلى أن الجليد البحري في القطب الجنوبي عند أدنى مستوى له على الإطلاق. 

وتشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى أنه في شهر سبتمبر/ أيلول من العام 2023، كانت مساحة الجليد البحري أقل بمقدار 1.5 مليون كيلومتر مربع من المتوسط لمثل هذا الوقت من العام. وتعادل هذه المساحة تعادل تقريباً مساحة البرتغال، وإسبانيا، وفرنسا، وألمانيا مجتمعة.

 

أيام أطول

من التأثيرات الأخرى المثيرة للاهتمام هي أن ذوبان الجليد يؤثر ذلك على دوران الأرض. وهذا ما قد يُغير مدة اليوم. فالصفائح الجليدية التي تقع حول القطبين، قريبة جداً من محور دوران الأرض. وحين يذوب هذا الجليد، ستنساب المياه الأرض، بعيداً عن محور الدوران. الأمر الذي سيقود إلى بطء دوران.

ويعتقد العلماء، أنه رغم صعوبة تخمين طول مدة اليوم، لكنهم يتوقعون أن يكون أطول بـ 10 أو 20 ثانية في اليوم الواحد.

 

لتبقى على اطلاع بآخر الأخبار تابع CNBC عربية على الواتس آب اضغط هنا وعلى تليغرام اضغط هنا