ساعد الاحتمال المتزايد لعودة إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب مرة ثانية إلى البيت الأبيض بعد الانتخابات الرئاسية المقررة في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، في حدوث عمليات بيع للسندات الحكومية الأميركية، حيث يراهن المستثمرون على أن السياسات التي سيتبناها ترامب، بما في ذلك التخفيضات الضريبية، قد تؤدي إلى ارتفاع العجز والتضخم.
بدأت عوائد سندات الخزانة، التي ترتفع عندما تنخفض أسعار السندات، في الصعود يوم الجمعة 28 يونيو/ حزيران، بعد يوم من مناظرة بين المرشحين ترامب والرئيس الحالي جو بايدن الخميس 27 يونيو/ حزيران، والتي اعتبرتها وول ستريت بمثابة ضربة كبيرة لفرص إعادة انتخاب بايدن.
ويمكن أن يساعد الأداء الضعيف لبايدن أيضاً في ترجيح السيطرة على الكونغرس لصالح الجمهوريين، مما يخلق مساحة أكبر لأولويات ميزانيتهم، بحسب صحيفة وول ستريت جورنال.
قال رئيس تداول الأسعار والمبيعات في شركة Crews & Associates، دان مولهولاند: "من الواضح أن شيئاً ما تغير بسرعة كبيرة يوم الجمعة (28 يونيو)".
وأضاف أن المستثمرين يقومون بتقييم "كيف سنمضي قدماً بعد مناظرة يوم الخميس، وأعتقد أنه كانت هناك بعض الرهانات الكبيرة التي تم وضعها".
وعود ترامب الضريبية
تنص القاعدة العامة في وول ستريت على أن العجز في الميزانية يميل إلى أن يكون أكبر في ظل سيطرة الحزب الواحد. يعتقد العديد من المستثمرين أن العجز المرتفع لعب بالفعل دوراً في رفع عوائد سندات الخزانة في السنوات الأخيرة من خلال زيادة المعروض من السندات التي يجب على السوق استيعابها وممارسة ضغوط تصاعدية على التضخم - مما دفع الفدرالي الأميركي إلى تحديد أسعار فائدة أعلى.
كمرشح للانتخابات، قدم ترامب هذا العام وعوداً واسعة النطاق بشأن خفض الضرائب. وقال أيضاً إنه سيفرض رسوماً جمركية شاملة، والتي يقول المحللون إنها قد يكون لها تأثير اقتصادي غير مؤكد، مما قد يؤدي إلى زيادة التضخم وأيضاً إلى زيادة الإيرادات وتباطؤ النمو الاقتصادي.
ومع ذلك، ركز المستثمرون في الغالب على كيفية انتهاء مدة خصومات كبيرة في قانون الضرائب لعام 2017 بعد نهاية العام المقبل. ويتوقع كثيرون أن يقوم الكونغرس والبيت الأبيض في حالة سيطرة الجمهوريين عليهما بتمديد جميع هذه البنود، مما يقلل الإيرادات المتوقعة بنحو أربعة تريليونات دولار على مدى العقد المقبل.
اقرأ أيضاً: 16 اقتصادياً حائزاً على جائزة نوبل: ولاية ترامب الثانية قد "تشعل" التضخم
يريد الرئيس بايدن تمديد التخفيضات الضريبية فقط للأسر التي يقل دخلها عن 400 ألف دولار، والسماح بزيادة الضرائب لمن هم فوق هذا الحد. ويقول مسؤولو الإدارة إن أي تمديد لخفض الضرائب يجب أن يقابله ضرائب أعلى على الأسر والشركات ذات الدخل المرتفع، وهو هدف قد يكون صعباً حتى لو كان أداء الديمقراطيين جيداً في انتخابات نوفمبر.
ارتفع العائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات فوق 4.45% هذا الأسبوع، صاعداً من 4.287% قبل مناظرة بايدن وترامب. واستعاد بعض هذه المكاسب يوم الأربعاء الثالث من يوليو/ تموز بعد تقرير أضعف من المتوقع حول نشاط قطاع الخدمات الأميركي، ليستقر العائد عند 4.346%.
مخاوف العجز
بحسب تقرير لموقع Business Insider، كتب الخبير في أسواق المال إد يارديني في مذكرة صدرت يوم الاثنين الأول من يوليو، بعد ارتفاع العوائد على السندات: "نعتقد أن الأسواق ترى مزيجاً محتملاً من النمو الاقتصادي الأقوى، وارتفاع التضخم، والمزيد من المعروض من سندات الخزانة في حالة فوز ترامب".
وأضاف يارديني أن الارتفاع في العائدات يمكن تفسيره جزئياً بمخاوف العجز، حيث يقول خبراء الاقتصاد إن رئاسة ترامب الثانية من المرجح أن تُزيد العجز الفدرالي بما يصل إلى خمسة تريليونات دولار خلال العقد المقبل.
وأكد هذا الاتجاه أيضاً، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة Edmond de Rothschild لإدارة الأصول، بنيامين ميلمان، والذي قال في مؤتمر صحفي يوم الخميس الرابع من يوليو، إن فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر من شأنه أن يبشر بارتفاع عوائد سندات الخزانة الأمريكية طويلة الأجل، بحسب وكالة رويترز.
وأضاف ميلمان أن نهج ترامب بشأن الضرائب والهجرة سيضغط على سوق العمل الأميركي والاقتصاد الأوسع.
العوائد الأعلى ليست أكيدة مع فوز الجمهوريين
لكن بحسب تقرير وول ستريت جورنال، شكك بعض المحللين في افتراض أن احتمال اكتساح الجمهوريين يجب أن يترجم إلى عوائد أعلى. وكتب المحللون في بنك غولدمان ساكس Goldman Sachs في تقرير حديث، أن "نطاق العجز المالي المحتمل في ظل نتائج الانتخابات المختلفة ضيق إلى حد ما".
علاوة على ذلك، كتبوا أن خطة ترامب لرفع الرسوم الجمركية يمكن أن تدفع العائدات إلى الانخفاض من خلال التأثير على النمو الاقتصادي.
وقال مستثمرون أيضاً إن سندات الخزانة ربما كانت مستعدة بالفعل لعمليات بيع بعد ارتفاعها الشهر الماضي عقب بيانات التضخم المشجعة. أدى هذا الارتفاع إلى دفع العائد على السندات لأجل 10 سنوات بمقدار 0.5 نقطة مئوية أقل من السندات لأجل عامين - وهو الحد الذي أدى أيضاً إلى جولات سابقة من البيع.
أدت عمليات البيع الأخيرة إلى مكاسب حادة بشكل خاص في عوائد السندات طويلة الأجل، مما يشير إلى أن بعض المتداولين ربما كانوا يتخلصون من مراكزهم السابقة. ولكن مثل هذه الخطوة تعني أيضاً ما يراه كثيرون من التحول نحو توقعات أعلى للعجز.
أسعار الفائدة والفدرالي
تعكس عوائد سندات الخزانة على نطاق واسع توقعات المستثمرين بشأن متوسط أسعار الفائدة قصيرة الأجل التي يحددها الفدرالي الأميركي على مدى عمر السندات. لكن هذه التوقعات تكون أكثر واقعية عندما تتعلق سندات الخزانة قصيرة الأجل، مما يجعلها أقل عرضة من السندات الأطول أجلاً لزيادة المعروض من السندات أو المخاوف بشأن توقعات التضخم على المدى الطويل.
كما ارتفعت العائدات طويلة الأجل بشكل أسرع من العائدات قصيرة الأجل بعد أن سيطر الجمهوريون على الكونغرس والبيت الأبيض في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، وتكرر الأمر مرة أخرى في يناير/ كانون الثاني 2021، عندما منحت انتصارات الديمقراطيين في جولتين انتخابيتين في جورجيا السيطرة لهم على مجلس الشيوخ بعد أن كانوا قد سيطروا بالفعل على مجلسي النواب والرئاسة.
وفي كلتا الحالتين، أثبتت رهانات المستثمرين على السياسات المالية الأكثر توسعية أنها مبررة. أقر الجمهوريون تخفيضاتهم الضريبية في عام 2017، في حين وقع بايدن على حزمة إغاثة ضخمة من جائحة فيروس كوفيد- 19 بعد أقل من شهرين من تنصيبه.
اقرأ أيضاً: استطلاع: المليونيرات الأميركيون يدعمون خطة بايدن لزيادة الضرائب على الأثرياء
ولا يزال العديد من المستثمرين يتوقعون أن تلعب البيانات والإشارات الاقتصادية الصادرة من الفدرالي الدور الأكبر في تحديد عوائد سندات الخزانة في الأشهر المقبلة.
أظهر محضر اجتماع سياسة الفدرالي لشهر يونيو/ حزيران، والذي صدر يوم الأربعاء الثالث من يوليو، أن المسؤولين كانوا مرتاحين على نطاق واسع تجاه موقف الانتظار والترقب بشأن تغيير أسعار الفائدة. وسيركز المستثمرون بعد ذلك على أرقام الوظائف الشهرية، وبيانات التضخم.
وحتى قبل مناظرة الأسبوع الماضي، بدأ بعض المحللين يتوقعون عجزاً أكبر بناءً على توقعات الإنفاق والإيرادات المنقحة بعيداً عن أي تطورات سياسية جديدة. وقال مكتب الميزانية بالكونغرس الشهر الماضي إنه يتوقع أن يصل العجز المالي لعام 2024 إلى 1.9 تريليون دولار، ارتفاعاً من تقديراته السابقة البالغة 1.5 تريليون دولار، وأكثر من 1.7 تريليون دولار في العام الماضي.
وقد دفع ذلك بعض المحللين في وول ستريت إلى التنبؤ بأن وزارة الخزانة قد تضطر إلى زيادة أحجام مزادات الأوراق المالية والسندات في وقت أقرب مما توقعوه في السابق.