ليست كل الأخبار الجيدة للاقتصاد يمكن اعتبارها كذلك بالنسبة للأسهم، بل على العكس قد تكون أخباراً سيئة لها، والعكس أيضاً صحيح أحياناً، وذلك بفضل اختلال غريب في منطق السوق.
التطورات الاقتصادية الإيجابية، مثل النمو القوي في الناتج المحلي الإجمالي، ومكاسب التوظيف القوية، والتضخم المعتدل، تميل إلى دفع الأسهم للارتفاع على المدى الطويل. ومع ذلك، فإن آثارها على أسعار الفائدة كانت ذات أهمية أكبر بالنسبة للأسهم في الأشهر الأخيرة، بحسب تقرير لموقع Business Insider.
أداء سوق الأوراق المالية والاقتصاد يرتبطان على المدى الطويل، حيث يمثل سهم الشركة القيمة المتوقعة لتدفقاتها النقدية المستقبلية، والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بنمو الاقتصاد واستقراره.
كيف ترتبط الأسهم والاقتصاد؟
عندما ينمو الاقتصاد، فهذا يعني عادةً خلق فرص العمل، وارتفاع دخول الأسر، وتضخم مبيعات الشركات وأرباحها، وشعور المستهلكين والمستثمرين بالثقة بدلاً من القلق بشأن الاستغناء عنهم أو الركود. كل ذلك يؤدي إلى رفع أسعار الأسهم.
وعلى نحو مماثل، يعمل التضخم المنخفض والمستقر على تعزيز الثقة بين المستهلكين والشركات والمستثمرين. وهذا يعزز الأسهم عن طريق تغذية الإنفاق في جميع أنحاء الاقتصاد والطلب على الأصول الخطرة.
اقرأ أيضاً: هل تُبالغ الأسواق في قياس تأثير "خفض الفائدة" على اتجاهات الأسهم؟
انخفاض معدلات البطالة يجعل العثور على العمال أمراً مرهقاً وأكثر تكلفة بالنسبة لأصحاب العمل. لكنه يشير أيضاً إلى أن الشركات لا تعاني كثيراً للدرجة التي تدفعها لتسريح العمال بأعداد كبيرة.
علاوة على ذلك، فهذا يعني أن عديداً من المستهلكين يكسبون رواتب منتظمة يمكنهم استخدامها لشراء السلع والخدمات من الشركات، مما يسهم في تحقيق أرباح الشركات وأسعار الأسهم.
لماذا إذاً لا تتفاعل الأسهم مع تلك الأخبار؟
بهذا المنطق فإن أشهراً من البيانات الاقتصادية التي تظهر اتجاه التضخم إلى المستويات المستهدفة (3.2% في فبراير/ شباط)، وبقاء البطالة بالقرب من أدنى مستوياتها في 40 عاماً (3.9% في فبراير)، وارتفاع الناتج المحلي الإجمالي بشكل مطرد (2.5% في 2023)، من شأنها أن تعمل على تشجيع المستثمرين وارتفاع الأسهم، خاصة وأنها تجعل الركود الوشيك أقل احتمالاً.
ومع ذلك، لم ترحب بورصة وول ستريت الأميركية بهذه الأخبار لسبب واحد كبير: وهو الاحتياطي الفدرالي، والذي رفع أسعار الفائدة من بين الصفر و0.25% إلى بين 5.25 و5.5%، وأبقى عليها عند هذا المستوى، بينما يعمل على إيجاد كيفية خفض التضخم إلى هدفه البالغ 2%.
الزيادات في أسعار الفائدة أدت إلى زيادة الضغط على الأسهم من خلال تثبيط الإنفاق والتوظيف والاستثمار. كما أن عديداً من الأسر الأميركية لا تواجه ارتفاعات مؤلمة في فواتير الغذاء والوقود والإيجارات فحسب، بل تواجه أيضاً مدفوعات شهرية أكبر على قروضها العقارية، وسياراتها، وبطاقاتها الائتمانية، منذ رفع بنك الاحتياطي الفدرالي تكاليف الاقتراض.
وشهدت الشركات ارتفاع نفقات الفائدة، مما وجه ضربات قوية للقطاعات المعتمدة على الديون مثل العقارات التجارية، والبنوك الإقليمية التي تمولها في المقام الأول.
أما بالنسبة للمستثمرين، فسارعوا للحصول على العوائد الأكبر التي توفرها السندات الحكومية وحسابات التوفير، مما أدى إلى انخفاض الجاذبية النسبية للأسهم، التي عادة ما تولد عوائد أفضل لكنها تحمل مخاطر أكبر.
يمثل الضغط المتزايد على المستهلكين والشركات والأسهم رياحاً معاكسة ثلاثية للمساهمين. فلا عجب أنهم يفركون أيديهم تحسباً لبدء الفدرالي في عكس زيادات الفائدة هذا العام بعد أن ظل التضخم أقل من 4% لعدة أشهر.
معضلة الفدرالي
ومع ذلك، فإن رئيس الاحتياطي الفدرالي، جيروم باول، وزملائه لن يبدأوا في تخفيض الفائدة حتى يثقوا في أن التضخم تحت السيطرة ولن يعيدوا إشعاله من خلال تحفيز الاقتصاد. وقد يقررون أن الركود يلوح في الأفق بشكل كبير، وأن الأمر يستحق خفض المعدلات لتقليل طوله وشدته.
اقرأ أيضاً: في 2024.. متى ستخفض البنوك المركزية معدلات الفائدة؟
والنتيجة هي أن البيانات الاقتصادية التي تظهر الإنفاق الاستهلاكي القوي، ونمو الوظائف الصحي، والناتج المحلي الإجمالي السريع التقدم، تهدد بإثارة مخاوف التضخم، وتسكن المخاوف من الركود، وبالتالي تأخير الجدول الزمني لبنك الاحتياطي الفدرالي، بحسب تقرير الموقع المشار إليه.
والنتيجة الغريبة هي أن الأخبار الإيجابية بالنسبة للاقتصاد يتم تلقيها باعتبارها أخباراً سيئة في وول ستريت، لأنها تبدد الآمال في خفض وشيك لأسعار الفائدة وارتفاع الأسهم، وتزيد من فرص قيام الفدرالي برفع أسعار الفائدة إلى مستويات أعلى.
وقالت كبيرة المحللين في Swissquote Bank، إيبيك أوزكاردسكايا، في مذكرة حديثة لها، إن الأخبار الجيدة بشأن بيانات الناتج المحلي الإجمالي "من الممكن أن تكون أخباراً سيئة لمعنويات السوق، بشرط أن يؤدي النمو القوي وارتفاع التضخم إلى دفع توقعات خفض أسعار الفائدة من بنك الاحتياطي الفدرالي إلى أبعد من ذلك في المستقبل".
سيناريو الركود خطر أيضاً
وفي حالة توقع سيناريو الركود، فهناك خطر في احتفال السوق بالأخبار السيئة، بحسب التقرير، لأن الكثير منها يمكن أن ينذر بالركود الذي لا يستطيع الفدرالي إيقافه، كما أن حالات الركود سيئة للغاية بالنسبة للأسهم.
ومن الممكن أن تعاني الولايات المتحدة أيضاً من الركود التضخمي، حيث يتوقف النمو ولكن التضخم يظل مرتفعاً بشكل عنيد، أو حدوث انكماش اقتصادي وارتفاع كبير في معدلات البطالة، وهو ما من شأنه أن يدمر الأسواق ويصدم النظام المالي.
تؤدي الصعوبات الاقتصادية بشكل عام إلى إضعاف إنفاق المستهلكين وتحطيم ثقة المستثمرين، مما يؤثر على الأسهم.
من الغريب أن بعض المستثمرين في الأسهم يأملون الآن في أن يتراجع الاقتصاد حتى يبدأ الفدرالي في خفض أسعار الفائدة، على الرغم من أن الاقتصاد المزدهر يعد خبراً جيداً للأسهم، بحسب التقرير.
ووفقا للتقرير، فالحقيقة هي أنهم يريدون اقتصاداً مزدهراً وأسعار فائدة أقل بكثير، ويعتقدون أن بعض الألم الآن هو أفضل طريقة للوصول إلى هناك. "يجب أن يكونوا حذرين فيما يرغبون فيه".
لتبقى على اطلاع بآخر الأخبار تابع CNBC عربية على الواتس آب اضغط هنا وعلى تليغرام اضغط هنا