منذ عام 2016، تضخمت الدولارات التي تحرك صناعة المؤثرين الاجتماعيين من 1.6 مليار دولار سنوياً إلى ما يقدر بـ 21.1 مليار دولار في عام 2023، وفقاً لأحد التقارير، لكن هذه الصناعة تحولت إلى أمر مقلق في عالم التجارة والتسويق لكونها تفتقد للتنظيم ويجتاحها الاحتيال والتمييز والعنصرية.

يزدهر التسويق عبر المؤثرين، وتنفق العلامات التجارية المليارات للترويج للمنتجات بلمسة شخصية. لكن الصناعة غير منظمة وتسبب مشاكل للعلامات التجارية والجماهير وأصحاب النفوذ على حد سواء. حيث يمكن أن تكون إعلانات المؤثرين احتيالية وتمييزية وغير أخلاقية في بعض الأحيان، وليس لدى الجماهير طريقة للرد.

في البداية، بدأت الظاهرة وكأنها خطة مثالية للتجار والصناعيين لتوصيل المنتجات إلى أيدي الجمهور المستهدف، عبر الدفع لأحد المشاهير وأيقونات الموضة وسيدات المجتمع الشهيرات على الإنترنت أو المؤثرين المحليين للترويج لهم بين معجبيهم.

وفي الجزء الأكبر من العقدين الماضيين، كان الأمر بمثابة السحر. لكنهذا السحر تحول للعنة وخرج التسويق عبر المؤثرين عن السيطرة. 

وفقاً للمحللين والخبراء الذين تحدثوا مع Business Insider، فإن صفقات وإعلانات العلامات التجارية المؤثرة مليئة بالممارسات التجارية غير الأخلاقية، ويعود ذلك جزئياً إلى التنظيم المحدود لممارسة تنمو بسرعة عاماً بعد عام.

 

تضخم المؤثرين الاجتماعيين

منذ عام 2016، تضخمت الدولارات التي تقود هذه الصناعة من 1.6 مليار دولار سنوياً إلى ما يقدر بـ 21.1 مليار دولار في عام 2023، وفقاً لتقرير Influencer Marketing Hub. وقدر المشرفون على التقرير أن الصناعة ستصل إلى ما يقدر بنحو 24 مليار دولار بحلول نهاية عام 2024.

في مقال حديث لمجلة هارفارد بيزنس ريفيو، دعت الباحثة ومؤلفة كتاب "صناعة المؤثرين: البحث عن الأصالة على وسائل التواصل الاجتماعي"، إميلي هوند، إلى ضرورة تطبيق حواجز تنظيمية جديدة على الصناعة، قائلةً إن المسوقين وغالباً ما يغض المنظمون الطرف عن السلوك السيء من العلامات التجارية وأصحاب النفوذ، والذي يمكن أن يشمل التمييز، والممارسات التجارية غير العادلة، والاحتيال الصريح.

وكتبت هوند: "بينما تطورت الصناعة بنحو كبير، وإن كان فوضوياً، فقد فعلت ذلك إلى حد كبير خارج حدود الرقابة التنظيمية أو المهنية".

وقالت "إن افتقارها إلى الحدود يفتح الباب أمام الاستغلال متعدد الاتجاهات. لدى المسوقين والعلامات التجارية وأصحاب النفوذ وشركات المنصات فرص لاستغلال بعضهم البعض بدرجات متفاوتة من الضرر."

 

مأزق العلامات التجارية

بدوره، صرح أحد مؤسسي شركة التسويق Metaforce، ديفيد كامب، لبزنيس إنسايدر أنه على الرغم من عدم وجود شيء جديد في التسويق المؤثر، فهو مجرد نسخة متجددة من تأييد المشاهير الكلاسيكي، تم تقليصه ليشمل شخصيات صغيرة ذات جماهير متخصصة، وباتت تواجه الصناعة أكثر من طاقتها، بحصة عادلة من الاحتيال والتضليل وفقدان الثقة.

يمكن للأشخاص المؤثرين المزيفين الاحتيال على العلامات التجارية عن طريق شراء المتابعين أو التلاعب بمقاييسهم لإضفاء مظهر تفاعل أكبر مما يتلقونه بالفعل، مما يؤدي إلى رفع السعر المطلوب للشراكات والصفقات الإعلانية. وذكرت شبكة CBS نقلاً عن بحث أجرته شركة الأمن السيبراني Cheq أن هذه الممارسة تكلف الشركات حوالي 15% من إنفاقها الإعلاني، بإجمالي أكثر من 1.3 مليار دولار في عام 2019.

 

محتالون

وقال كامب: "هذه الأنواع من التأثيرات السلبية أكثر احتمالاً في هذا المجال لأن معظم هؤلاء المؤثرين عبر الإنترنت يفعلون أشياءهم الخاصة، وهم في الأساس محتالون. 

وتابع إنهم يحاولون بناء جمهور حتى يتمكنوا من تأمين الدخل، ولا يتم تمثيلهم عادةً من قبل متحدثين رسميين ووكلاء بارعين للغاية يمثلونهم للمسوقين والوكالات، بينما في الفضاء التقليدي للمشاهير المؤثرين، هناك زمرة كاملة من الأشخاص المرتبطين بتقييم المتحدثين الرسميين والمؤثرين المحتملين وفحصهم ثم التفاوض معهم".

في تأييد المشاهير التقليدي، يكون الأشخاص الذين يروجون لمنتجات العلامات التجارية معروفين جيداً ويقدمون نتيجة يمكن التنبؤ بها للشركات التي توظفهم، حيث يقوم جمهور المتابعين بدفع مبالغ كبيرة مقابل المنتجات التي يعرضها هؤلاء. على سبيل المثال مايكل جوردان لشركة Nike، وجورج فورمان لشركة Salton الكهربائية، وBrooke Shields لشركة Calvin Klein.

بالنسبة للعلامات التجارية، يعني هذا أن استثمارها في المؤثرين يمكن أن ينتهي به الأمر إلى إهدار - أو ما هو أسوأ من ذلك، يمكن لشخصيات وسائل التواصل الاجتماعي استخدام لحظة غير مناسبة مثل حرائق الغابات في كاليفورنيا في عام 2018 للترويج لأنفسهم أو لعلامة تجارية، مما قد يؤدي إلى الإضرار بالسمعة في كل مكان.

 

رضا المستهلكين

على الرغم من الأموال المتدفقة، لا تقدم لجنة التجارة الفدرالية سوى إرشادات أساسية حول متطلبات الإفصاح لهذا التسويق لحماية المستهلكين من محتوى المؤثرين.

ولكن يبدو أن الأسماء الكبيرة فقط هي التي يتم القبض عليها عندما تضلل جمهورها، وبشكل عام فقط عندما تخالف قواعد الكشف عن شراكاتها المدفوعة، والتي قال كامب إنها القاعدة الوحيدة التي يعرفها فيما يتعلق برعاية الوسائط الرقمية والإعلانات المدفوعة.

في عام 2022، توصلت هيئة الأوراق المالية والبورصات إلى تسوية مع كيم كارداشيان مقابل 1.25 مليون دولار بعد أن فشلت في الكشف عن مبلغ 250 ألف دولار تلقته للترويج لرموز تشفير إيثريوم ماكس على صفحتها على إنستغرام.

وبالمثل، تم تغريم المؤثرة الإيطالية كيارا فيراني مليون دولار في يناير/كانون الثاني، في أعقاب ما وصفه المسؤولون الإيطاليون بحملة خيرية مضللة شجعت فيها أتباعها على شراء كعكة، حيث تذهب العائدات إلى التبرع بالمستشفى، لكنها لم تف بوعدها قط.

وفي مقالتها في مجلة هارفارد بيزنس ريفيو، قالت هوند إن ليندسي لوهان ودي جي خالد ونعومي كامبل خضعوا جميعاً أيضاً لتحقيقات فيدرالية حول ما إذا كانوا فشلوا في الكشف عن الشراكات المدفوعة الأجر. 

وفي فترات زمنية متفاوتة، تلقى المشاهير رسائل تحذيرية من لجنة التجارة الفدرالية FTC تطلب منهم تزويد الوكالة بمعلومات حول علاقاتهم مع العلامات التجارية التي روجوا لها دون إشهار، وفقاً لمنظمة Consumer Reports غير الربحية.

ناهيك عن حالات الأشخاص المؤثرين الذين يخدعون جماهيرهم لشراء منتجات ذات علامات تجارية وفق تقييمات إيجابية مفرطة للشركات التي يتعاونون معها، على الرغم من مشكلات الجودة أو حتى مشكلات العمل.

 

عدم مساواة وعنصرية

الأمر ليس سهلاً بالنسبة لأصحاب النفوذ أيضاً. أفادت شبكة NBC News نقلاً عن دراسة أجرتها شركة MSL، وهي شركة علاقات عامة تعمل في مجال التسويق، أن منشئي المحتوى من السود والأسبان يواجهون فجوة في الأجور بنسبة 35% مقارنة بالبيض، وهذا شكل من أشكال العنصرية. هناك أيضاً تقارير عن شركات وهمية لإدارة المواهب تطلب "ودائع" بقيمة 300 دولار كجزء من عملية احتيال لخداع الأشخاص المؤثرين.

في وقت سابق، أفاد موقع Business Insider أن بعض المؤثرين واجهوا تمييزاً عنصرياً خلال رحلة شخصية برعاية إحدى العلامات التجارية. وواجهت ديلان مولفاني، الشخصية المؤثرة التي عقدت شراكة مع علامات تجارية مثل Nike وBud Light، وابلًا من الكراهية والمضايقات ضد المتحولين جنسياً بعد أن نشرت محتوى مدعوماً للشركات عبر صفحاتها على وسائل التواصل الاجتماعي.

وكانت شراكتها مع العلامات التجارية هي السبب وراء دعوة شخصيات محافظة، بما في ذلك بن شابيرو ودونالد ترامب جونيور، إلى مقاطعة Bud Light. وقالت إن التهديدات الناتجة كانت سيئة للغاية لدرجة أنها سافرت خارج البلاد هرباً من رد الفعل العنيف.

 

لا نهاية للفوضى

على الرغم من المشاكل المعروفة في الصناعة، قال كامب إنه في بعض الحالات، لا يزال التسويق عبر المؤثرين مرغوباً أكثر.

في حين أن المبادئ التوجيهية للجنة التجارة الفيدرالية بشأن الإفصاحات توفر بعض حواجز الحماية لهذه الصناعة، إلا أن الهيئات التنظيمية لم تركز الكثير من الاهتمام على هذه القضية.

ولا توجد علامات على إبطاء الصراعات الأخلاقية، خاصة في عالم التسويق والإعلان الرقمي، حيث قال كامب "هناك الكثير من الدخان والمرايا، ومن الصعب أحيانًا فهم ما تنظر إليه بالفعل".

قال كامب لـBusiness Insider: "من الواضح أن بعض المؤثرين لديهم تفكير أكثر ذكاءً بشأن العلامات التجارية التي يختارون التعامل معها، ولكن بالنسبة لأولئك الذين يتطلعون إلى جني الأموال فقط، فإنهم عادةً ما يسعون جاهدين بأي طريقة ممكنة للتسويق للمنتج. ويمكن لأي شخص لديه اتصال بالإنترنت وفكرة أن يكتب عن فكرته ويجمعها، لذلك هناك الكثير من الأشياء التي تطفو في هذا الفضاء”.