بقلم ندى عبد السلام

مراقبة أسواق/ مراسلة في CNBC عربية

 


"نجحت هيئة قناة السويس المصرية في تعويم وقطر سفينة تعطلت أثناء عبورها الممر الملاحي من دون أن يؤثر ذلك على حركة الملاحة"، بهذه العبارة أو بصياغة مختلفة قليلاً، اعتادت أعين كثير منا على قراءتها أو آذاننا على سماعها في الفترة الأخيرة.


لكن.. هل كثرت أعطال السفن داخل المجرى الملاحي؟


بداية لكل قصة أبعاد وزوايا عدة، بلا ريب، وهنا سننظر فقط بعينٍ مراقبة على الفترة، تحديدا منذ مارس 2021، حينما جنحت سفينة الحاويات البنمية العملاقة Ever Given التابعة للخط الملاحي Evergreen، لأيام عدة، وأدت إلى تعليق حركة الملاحة بالقناة لنحو ستة أيام، هذا وخسرت مصر حينها ما يُقدر بنحو 12 إلى 15 مليون دولار يوميا.

وفي سبتمبر الماضي، تكرر الحادث -لكن على نطاق أضيق- حيث عرقلت ناقلة النفط AFFINITY، بحمولة تبلغ نحو 64 ألف طن، حركة الملاحة في القناة لساعات بعد عطل في جهاز التوجيه أدى إلى فقدان السيطرة عليها وجنوحها.


حوادث تعطل السفن في قناة السويس منذ بداية 2023:


4 يونيو:

عطل فني مفاجئ في ماكينات ناقلة البترول SEAVIGOUR.
يبلغ طول الناقلة 274مترا، وعرضها 48 مترا، وحمولتها 82 ألف طن.


25 مايو:

عطل طارئ لماكينات سفينة البضائع "تشي هاي تونغ 23" خلال عبورها ضمن قافلة الجنوب.
يبلغ طولها 190 مترا وعرضها 32 مترا وحمولتها 34 ألف طن.

4 إبريل:

وقوع حادث احتكاك بين الناقلة LYRIC MAGNOLIA، حمولة 65 ألف طن- والناقلة ALIGOTE، بحمولة 44 ألف طن بمنطقة البحيرات الكبرى.

5 مارس:

جنوح سفينة الحاويات MSC ISTANBUL في الكيلو متر 78 ترقيم القناة.

9 يناير:

عطل فني مفاجئ لماكينات سفينة الصب GLORY في الكيلومتر 38.
يبلغ طول السفينة 225 متر، وعرضها 32 متر، بحمولة قدرها 41 ألف طن.

مطلع يناير:

جنوح سفينة في منطقة كبريت بالقطاع الجنوبي للقناة بسبب عطل في المحركات وتم الزج بخمس قاطرات لتعويمها.

 

 

وبعد ما رصدناه أعلاه، تحدثنا مع العضو المنتدب لشركة لاندمارك مارين، الربان/ عمرو قطايا، والذي أشار إلى أن هناك نوعين من حوادث السفن تشكل خطرا، إما أعطال أو جنوح. منوهاً أن هذه الأعطال هي أمر وارد وتحدث في أي وقت خلال الرحلة، فيما تتنوع هذه الأعطال بين ما يصيب الماكينة الرئيسية أو آلات التوجيه.

وأضاف قطايا أن جنوح السفينة قد يكون بسبب عطل أو خطأ بشري أو نتيجة سرعات الرياح واتجاهها وهبوب عواصف، وقد يكون بشكل سريع ولم يتم التعامل معه على الفور.

وفي كلتا الحالتين، يتم التعامل من قبل القبطان والمرشد و/ أو القاطرات حتى يتم رسوها على أحد أرصفة القناة المخصصة.


كيف ستؤثر أعمال توسعة وتعميق المدخل الجنوبي على حركة الملاحة بالقناة؟


من ناحية أخرى، وعلى قدم وساق، جاري العمل حاليا على مشروع تطوير الجزء الجنوبي من قناة السويس، بما يؤدي إلى تحسين قدرة المرشد الملاحي للهيئة والقبطان على قيادة السفن العابرة للقناة.

أعمال التطوير تلك، التي أُعلن عنها في مايو 2021 وتتم بموارد ذاتية، تستهدف ازدواج القناة على مسافة 10 كيلومترات من الكيلو 122 إلى الكيلو 132 ليصبح طول قناة السويس الجديدة نحو 82 كم بدلا من 72 كم حاليا، فيما ستتم توسعة وتعميق الجزء الممتد من الكيلو 132 إلى الكيلو 162 ترقيم القناة.

وتفصيلا تشمل التوسعة 40 مترا جهة الشرق والتعميق من 66 قدما إلى 72 قدما.

وفي ابريل الماضي، أعلن رئيس هيئة قناة السويس، الفريق/ أسامة ربيع، عن الانتهاء من تنفيذ 88% من إجمالي أعمال التكريك بمشروع التوسعة والتعميق، وتم إزالة 16 مليون متر مكعب من الرمال المشبعة بالمياه، فيما بلغت إجمالي كميات التكريك بموقع المشروع بمنطقة البحيرات المرة الصغرى حوالي 27 مليون متر مكعب من الرمال المشبعة بالمياه، بنسبة إنجاز قدرها 43.4% من إجمالي حجم الأعمال.

وبمشروع التطوير هذا، تستهدف هيئة قناة السويس زيادة عامل الأمان الملاحي بنسبة 28% وزيادة الطاقة الاستيعابية للقناة بواقع 6 سفن إضافية لتظل ممرا ملاحيا، الأسرع والأقصر والأكثر أمانا - وفق بيان سابق للهيئة -.


لماذا لا تحقق القناة عائدات عند 13.2 مليار دولار خلال 2023؟


نعلم جميعا أن القناة التي تربط بين البحرين الأحمر والمتوسط، ويمر عبرها أكثر من 10 % من التجارة البحرية عالمياً، تشكل العائدات منها أحد أهم مصادر النقد الأجنبي لمصر، والتي تعاني حاليا شح مصادر العملة الصعبة وانخفاض قيمة العملة المحلية.

وخلال الربع الأول من العام الحالي -بحسب بيانات الهيئة- بلغت العائدات أكثر من 2 مليار دولار مقارنة بـ 1.4 مليار دولار في نفس الفترة من العام الماضي.

وتستهدف الهيئة أن تصل العائدات للعام كله نحو 8.8 مليار دولار بزيادة 10 % على أساس سنوي.

 

 

وفي العام المنصرم 2022، بلغت العائدات من القناة حوالي 8 مليارات دولار بزيادة سنوية قدرها 25%، متخطية بذلك كافة الأرقام المُسجلة من قبل، كما وسجلت القناة أعلى معدل عبور سنوي للسفن العابرة بعبور 23851 سفينة وأعلى حمولة صافية سنوية قدرها 1.4 مليار طن.

لكن على ما يبدو، لا تزال هذه العائدات بعيدة عن مستهدف أعلنت عنه مصر سابقا - تحديدا في العام 2019- بأن تصل إلى 13.2 مليار دولار في العام 2023.


فلماذا تغيرت المستهدفات؟، رئيس مجلس إدارة شركة لاندمارك مارين، يرجع أسباب الحيد عن المستهدفات القديمة للمتغيرات الاقتصادية العالمية التي تلقي بظلالها على حركة التجارة عالميا والنمو الاقتصادي العالمي، لكنه أشار لنا في اتصال هاتفي إلى دراسات تتوقع وصول عائدات القناة إلى 10.2 مليار دولار بنهاية العام الجاري.


قناة السويس والممرات المنافسة


وفي سياق آخر، لا شك، أن هيئة قناة السويس تعمل جاهدة على تنفيذ استراتيجية للارتقاء بالممر الملاحي والخدمات الملاحية المقدمة للعملاء ومواكبة التطور المتسارع في صناعة السفن عالميا، لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.

فبالتزامن مع هذه الجهود والتي منها، حفر قناة السويس الجديدة في العامين 2015-2014 لزيادة حركة العبور بالقناة مرورا للتطوير الذي تحدثنا عنه سلفا وآليات تسعيرية وتسويقية مرنة ووصولا إلى تقديم مجموعة خدمات للسفن، يبدو أن المنافسة تشتد ليس فقط مع الممرات التقليدية ولكن مع إطلاق دول عدة خطط لطرق وممرات تجارية بديلة، ومنها:


اتفاق إيراني-روسي لتسريع أعمال خط تجاري بين الشمال والجنوب


بإشراف رئيسي دولتي روسيا وإيران، وقع وزيرا النقل في البلدين اتفاقية لتسريع بناء طريق تجاري أو ممر بين الشمال والجنوب لزيادة المبادلات التجارية من خلال الالتفاف على قناة السويس.
الطريق هو شبكة من الطرق البحرية والسكك الحديد والطرق البرية للسماح للبضائع الروسية بالوصول إلى المحيط الهندي دون المرور عبر الممرات البحرية الغربية وقناة السويس.
هنا هدف البلدين - الخاضعين لعقوبات دولية - هو أن يستغرق تسليم البضائع من سانت بطرسبرغ الروسية إلى بومباي الهندية حوالي 10 أيام، وذلك مقارنة بزمن للرحلة عبر الطرق التجارية التقليدية تستغرق 30 إلى 45 يوما -وفق تقديرات-.


العراق.. مشروع "طريق التنمية"


هذا المشروع تم الإعلان عنه بنهاية مايو 2023، وهو مشروع خط بري وخط للسكك الحديد يصل الخليج بالحدود التركية، ويطمح العراق أن يصبح خطاً أساسياً لنقل البضائع بين الشرق الأوسط وأوروبا.
وإن كان هذا المشروع في مراحله الأولى، إلا أنه وبحسب رئيس الوزراء العراقي من المرجح أن يكتمل خلال 3 : 5 سنوات فيما قُدرت تكلفته بنحو 17 مليار دولار.
لكن وجهة نظر البعض هنا تتجه صوب أن هذا المشروع يفتقر إلى الانسيابية، ويرى آخرون أن كثير من العملاء يفضلون نقل بضائعهم من آسيا إلى أوروبا بشكل مباشر دون اللجوء لعمليات تحميل وتفريغ.


وسواء كان طريق التنمية العراقي أو خط تجاري روسي إيراني بين الشمال والجنوب، يرى الربان/ عمرو قطايا، أن مثل هذه المشروعات تحمل طابعا سياسيا وليس تجاريا، فيما اعتاد على سماح هذه التصريحات بشكل سنوي عن طرق وممرات تجارية تنافس قناة السويس، وأضاف أن المنافسة موجودة لكن لا تشكل وزنا كبيرا أمام القناة.

العضو المنتدب لشركة لاندمارك مارين، تساءل عن قدرة عربات القطار في نقل عدد كبير من الحاويات وكذلك الغلال أو طرق إيصال البترول والغاز، مشيرا أن سفن الحاويات التي تعبر القناة تحمل ما بين4000  إلى 7000 حاوية للسفينة الواحدة.
ذلك بخلاف تحديات تتعلق بمتطلبات وجود قطارات بعدد رحلات كبير وطرق مختلفة للشحن والتفريغ، وهو ما ينعكس بالأخير على ارتفاع التكلفة بشكل أكبر من حملها على سفينة مباشرة صوب وجهتها.


هل رسوم عبور قناة السويس تنافسية؟


بداية من العام الحالي، أقرت هيئة قناة السويس زيادة رسوم العبور لجميع أنواع السفن العابرة للقناة بنسبة 15 % فيما عدا سفن الصب الجاف والسفن السياحية التي تقرر زيادتها بنسبة 10% خلال العام الحالي.

وأرجعت الهيئة الأسباب في ارتفاع أسعار الطاقة ونوالين الشحن وتصاعد قيم تأجير ناقلات البترول الخام بنسبة 88% عن متوسط 2021 وكذلك ارتفاع قيم تأجير ناقلات الغاز الطبيعي المسال بنسبة 11% عن متوسط 2021.

وتستهدف الهيئة مواجهة تأثير ارتفاع معدلات التضخم العالمية الحالية على زيادة تكاليف تقديم الخدمات الملاحية بالقناة.

لكن هل تضمن سياسة التسعير في جعل قناة السويس الاختيار الأمثل والأسرع والأقصر للعملاء مقارنة بالطرق المنافسة الأخرى؟

آراء الخبراء هنا ترى أنه وكسياسة تسعيرية، فإن القناة هي جزء من سلسلة التجارة العالمية، والتجارة العالمية هي عرض وطلب، وكجزء أصبحت القناة هي الأخرى عرض وطلب، وتتوقف سياستها التسعيرية على حالة السوق كما وتتحكم فيها الأزمات بشتى أنواعها.

جدير بالذكر أن هيئة قناة السويس تنتهج عدة آليات لضمان مواكبة سياساتها التسعيرية لمتغيرات سوق النقل البحري وجعلها أقل تكلفة مقارنة بالطرق المنافسة وذلك عبر إصدار منشورات ملاحية تتيح إجراء تعديلات في سياسات الرسوم في حالة تغير ظروف السوق الملاحي من خلال تقديم حوافز للسفن العاملة على الطرق التي لا تحقق لها القناة الوفر المتناسب مع الرسوم بمنحها نسب تخفيض تصل حتى 75% من رسوم العبور العادية لفترات محددة، علاوة على التخفيضات التي تمنحها اللجنة الدائمة للخطوط الطويلة والتي تصل إلى 74% من الرسوم.

 

 


لماذا تُستبعد فكرة طرح حصة من قناة السويس في البورصة المصرية؟


ولأن قناة السويس كثير ما ينظر لها على أنها "شريان الحياة للمصريين" أثار البعض في الفترة الأخيرة، فرضية طرح حصة منها في البورصة المصرية بالدولار وقصر الاكتتاب على المصريين فقط، وذلك ضمن محاولات البعض للتفكير خارج الصندوق لإيجاد مصادر دولارية للبلد، الذي لا يزال يواجه تحديات اقتصادية عدة.

هذه الفكرة، تم نفي فرضية طرحها على الطاولة مرات عدة.


ومن جهته أيضا يري، مدير الاستثمار بشركة ثاندر لتداول الأوراق المالية، هشام حسن، أن الفكرة غير قابلة للتداول لأن قناة السويس أمن قومي، وبالتالي طرح حصة منها للمشاركة سيثير جدل حول ملكية هذه الأسهم، كما وأن الدولة ليست في حاجة لطرح حصة منها، مشيرا إلى نجاح شهادات قناة السويس سابقا وبالتالي قد يتم التفكير في إعادة طرحها طلبا لسيولة لتطوير المجرى الملاحي -في حال وجدت الحاجة-.

جدير بالذكر أنه تم إصدار شهادات بقيمة تجاوزت الـ 64 مليار جنيه في ثمانية أيام فقط، وذلك حينما تم الإعلان عن مشروع حفر قناة السويس الجديدة في العام 2014.

وساعدت القناة الجديدة في زيادة الطاقة العددية والاستيعابية للمجرى الملاحي ليصبح متوسط أعداد السفن المارة خلال 2022 ما يقرب من 68 سفينة يوميا مقابل 47 سفينة كمتوسط يومي للعبور عام 2014، ناهيك عن تقليل ساعات العبور للنصف من 22 ساعة إلى 11 فقط.

وأسرد حسن قولا: إنه من غير المقبول فكرة طرح حصة منها، لأن القناة أصل غير فائض عن الحاجة، مشيرا إلى وجود أصول أخرى كثيرة غير مدارة بشكل جيد مثل المباني العديدة الجاري تحويلها لفنادق أو المشاريع الاستثمارية التي لا تحقق مردود جيد منها، أو الشركات التي يعمل عليها صندوق مصر السيادي لطرحها إما لمستثمر استراتيجي أو في البورصة أو كليهما.

وتساءل مدير الاستثمار بشركة ثاندر لتداول الأوراق المالية حول مساهمة قناة السويس مستقبليا في حركة التجارة عالميا، مشيرا إلى أهمية مواكبة المتغيرات العالمية والعمل على تنظيم الحركة في الممر الملاحي بما يرفع معدل الدقة ويخفض المخاطر المحتملة ثم استغلال الموانئ وايجارها لتجلب دخلا إضافيا لمصر.

يشار هنا إلى أنه في ديسمبر 2022، أكد رئيس هيئة قناة السويس أنه لا يمكن بيع أو تأجير أو الاقتراض بضمان قناة السويس، وذلك بعد موافقة البرلمان على مشروع قانون يقضي بإنشاء صندوق لهيئة قناة السويس برأسمال 10 مليارات جنيه.

الهدف-حسبما هو معلن- أن الصندوق "يمكنه القيام بجميع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية ومن بينها تأسيس الشركات والاستثمار في الأوراق المالية وشراء وبيع وتأجير واستئجار واستغلال أصوله الثابتة والمنقولة".

بعض الخبراء اعتقدوا أن القانون يستهدف على الأرجح استبدال مديونية الدولة المستحقة عاجلا بسندات يصدرها الصندوق بضمان إيرادات قناة السويس، ولكن رئيس هيئة القناة نفى ذلك في مؤتمر صحفي وقال إن الهدف من الصندوق هو الاستثمار في مشروعات كبناء السفن والأحواض.

إلا أن الأمر المؤكد هنا بعد ما سبق، أن الهيئة تعتزم طرح حصص من شركات تابعة في البورصة المصرية، بحسب تصريحات سابقة لرئيسها، الفريق/ أسامة ربيع مع CNBC عربية.

ومن المؤكد أيضا بعد ما سبق، أنه وعلى مدى أكثر من قرن ونصف تتناقل قصص القناة على صفحة أمواج تتمايل بين البحرين الأبيض المتوسط والأحمر، وبين حقيقة الحاضر وتوقعات المستقبل، يبقى المؤكد ماضي وتاريخ هذه القناة التي تم حفرها على مدى 10 سنوات بين1859 و 1869، كما ويبقى عالقا في الأذهان قرار تأميم شركة قناة السويس في العام 1956.