بقلم نور العنبكي
منتجة تنفيذية في CNBC عربية

 

 

البحث عن جواز ثانٍ.. حلم يؤرق الكثير من الناس سواء القاطنون في الدول ذات الدخل المنخفض أو الدول النامية وحتى المتقدمة أيضاً .. لكنه يكون بشكل أكبر في البلدان التي لا تمتلك بنى تحتية اقتصادية وضمانات اجتماعية وإنسانية والتي بالكاد تؤمن الحد الأدنى من مستويات الأمان والاستقرار  بكل أشكالها .

يدفع البعض حياتهم ثمناً وهم يركبون قوارب الموت يطاردون أحلام الجنسية الثانية والجواز الأقوى والعيش الكريم التي تنتظر على الضفة الأخرى من البحر، فيما يدفع آخرون أموالاً طائلة لشراء هذا الدفتر الصغير السحري تحت عنوان "الاستثمار يضمن لك الحصول على الجنسية"، للفوز بحرية أكبر للتنقل أو ضمان استقرار الاستثمارات كخطة بديلة في حال حدوث حروب أو صراعات أو الحصول على إعفاءات ضريبية.

وبين هؤلاء وهؤلاء لكل أسبابه التي تتفاوت، لكن الوسيلة واحدة هي "جواز سفر ثان".  

 ترى مؤسسة Henley المعنية في قياس قوة جوازات السفر ، أن الجواز القوي ليس مجرد وثيقة سفر فقط إنما هو وثيقة توفر حريات مالية كبيرة عندما يتعلق الأمر بالاستثمارات الدولية وفرص الأعمال.

 لكن البحث عن حريات مالية وفرص للأعمال هو ليس فقط الدافع  الوحيد للبحث عن جواز جديد ..  فتحت مظلة "المال"  يقبع حلم بالحصول حياة أفضل، دراسة جيدة، فرص عمل مناسبة، وآمال مستقبلية لتحقيق ثروة، ناهيك عن السفر بحرية ودون تعقيدات الحصول على تأشيرة. حيث تتطلب الأخيرة بالنسبة لكثير من البلدان أعباء جمة، تبدأ بانتظار طويل للحصول على موعد لتقديم الطلب وتجهيز ملف من الأوراق الثبوتية والمصرفية، وكم من الأسئلة حول من أين ولماذا وكيف.  وفي النهاية يتوقف حصولك على الضوء الأخضر على مزاج موظف السفارة الذي يجري معك المقابلة! 

 

متى تتصدر الدول العربية قمم مؤشر قوة الجواز؟

 

في أحدث قائمة معّنية بقوة جواز السفر جاءت دول عربية عريقة في ذيل القائمة  رغم أنها  تمتلك خيرات وثروات طبيعية وبشرية تؤهلها لأن تكون في الصدارة.. لكن تأتي قائمة Henley بما لا تشتهي سفن تلك البلدان.

 العراق وسوريا بلدان عربيان تنافسا كأضعف الجوازات في العالم  وقبعا في أسفل القائمة، تتيح تلك الجوازات لمواطنيها الدخول فقط إلى 29 و30  دولة على التوالي.

في حين اعتلى قمة القائمة جواز دولة سنغافورة والذي يسمح لحامليه السفر إلى 193 دولة حول العالم دون تأشيرة مسبقة. 


 
لكن ألا يحق لنا التساؤل عن أسباب حلم الشباب بجواز قوي وجنسية ثانية؟

 

إذا ما سلطنا الضوء على بيانات الدولتين العربيتين اللتين نالتا المراكز الأخيرة في قائمة أقوى الجوازات عالمياً، نجد أن معدل الفقر في العراق بحسب وزارة التخطيط، بلغ في أبريل الماضي 22%  أي ما يعادل 10 ملايين شخص في بلد يبلغ تعداد سكانه قرابة 41 مليون شخص، ويمتلك ثروات تصل قيمتها إلى 25 تريليون دولار، وعائدات نفط سنوية تتخطى 100 مليار دولار .

الفساد وتردى الخدمات الصحية والتعليمة والبنى التحتية لمؤسسات الدولة، كان دافعاً وراء حلم العراقي للهجرة والحصول على جواز جديد يفتح له آفاقاً ربما تكون بلون وردي.


 أما في سوريا، فقد  قدر البنك الدولي الخسائر التراكمية للاقتصاد بـ 226 مليار دولار،  منذ عام 2011 وحتى عام 2016.  وتؤكد المؤسسة الدولية، أن الانخفاض المستمر في قيمة العملة المحلية، تسبب في  تفشي التضخم ، وتآكل الأجور الحقيقية ، ودفع المزيد من الناس إلى براثن الفقر. كما وتسبب انهيار الشبكات الاقتصادية في ضرب فرص كسب العيش والصحة والتعليم والمياه والصرف الصحي، بشكل كبير منذ بداية الحرب هناك قبل أكثر من عقد.  

 

مَن يحدد قوة جواز السفر؟ 

 

قوة جواز سفر أي دولة مرتبط بشكل مباشر بالدخل، دخل الفرد من الناتج المحلي الإجمالي،  وقد لا يكون السبب الوحيد لكنه عامل تفاضلي قوي في نمو قوة الجواز .

كلما ارتفع الدخل، ارتفع معه عدد الوجهات التي لا تحتاج إلى تأشيرة. فالدول تكون أكثر استعدادًا لفتح حدودها أمام مواطني الدول الأكثر ثراءً والتي للفرد فيها نصيب من هذا الثراء، لأن القيام بذلك من المرجح أن يؤدي إلى عوائد اقتصادية أكبر على شكل تجارة وسياحة واستثمار، كما أنه من غير المرجح أن يضع الأفراد من الدول الغنية عبئًا على النظام الاجتماعي والاقتصادي للبلد المضيف من خلال الهجرة واللجوء. 


 في أحدث تقارير البنك الدولي وفي مفارقة حزينة، بلغ دخل الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في سنغافورة نحو 91 ألف دولار سنوياً، في حين تبلغ حصة الفرد في العراق من الاقتصاد 6 آلاف دولار بينما لا توجد بيانات لسوريا.


عامل آخر مهم في مقياس قوة الجواز وهو مستوى العنف في داخل بلد ما وهو ما يعرف بـ "هشاشة الدولة" ، فالصراعات الداخلية بكل أنماطها والحروب أيضا والجريمة المنظمة تضع البلدان في فئة "ذات مخاطر عالية"  وتعيق حرية مواطنيها في السفر.


تلعب الجغرافية السياسية ومستوى الديمقراطية في بلد ما  أيضا دوراً  في نمو قوة الجواز وأن كان ليس حاسماً،  لكن من الواضح أن هذه العوامل تضع عدة دول في المنطقة أمام تحديات وشكوك حول التوقيت الذي سنشهد فيه أسماء دول عربية تتنافس على المراتب الأولى، من حيث الأقوى والأفضل في قوائم كمؤشر جواز السفر هذا، خصوصاً وأن المقايضة صعبة، ما بين البقاء في الوطن أو استبداله بآخر يوفر حياة مختلفة ربما ذات جودة أفضل بكل المقاييس.