بقلم/ هالة شيخ روحو
نائبة رئيس مؤسسة التمويل الدولية لشؤون الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وتركيا وأفغانستان وباكستان
تشرفت خلال مسيرتي المهنية مع مؤسسة التمويل الدولية بلقاء العديد من رائدات الأعمال الملهمات في منطقة جنوب غرب ووسط آسيا، وكنتُ شاهدةً على الصعوبات الجِسام التي يواجهنها كل يوم، وهي صعوبات تبدو للوهلة الأولى وكأنها لا تُقهر.
ولمستُ عن كثبٍ قوة الإرادة التي لا تلين للنساء الريفيات في مدينة تتا الباكستانية، اللاتي يكافحنَ ببسالة في مواجهة الفيضانات العاتية الناجمة عن تغير المناخ، وما يعانيه أطفالهن من التقزم بسبب شُح المياه النقية. وأشرق قلبي بسماع قصص ملهمة لرائدات أعمال كويتيات يقدن التغيير ويحطمّن القيود التي كانت تحول دون تبوءهّن المناصب القيادية.
انخفاض نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة بالشرق الأوسط
وقد أجريت مناقشات مفعمة بالحماس مع رائدات أعمال يواجهنّ تحديّات جسيمة لتوفير التمويل اللازم لأعمالهن وذلك في منطقة قلما توجد بها منشآت أعمال رسمية يمتلكها النساء في معظمها. فعلى سبيل المثال، لا تتجاوز منشآت الأعمال من هذا القبيل في كازاخستان 23.8٪، وفي الأردن 8.1٪ ، وفي لبنان 4.7٪.
ويعكس هذه الحقيقة المؤلمة تقرير المرأة وأنشطة الأعمال والقانون 2023 الصادر عن البنك الدولي الذي أماط اللثام عن الأداء المتدني للمنطقة، إذ حل ما يقرب من نصف دولها ضمن المراتب الأدنى في مؤشر المرأة وأنشطة الأعمال والقانون الخاص بالبنك الدولي، وهذا يسلط الضوء على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة وجدية لمعالجة الفجوة الاقتصادية بين الجنسين.
هذا وكفاحات المرأة، رغم عظمتها، تخفى إلى حد كبير عن أنظار العالم، غير أنه في خضم التحديات الاقتصادية المترسخة وتصاعد الهشاشة والصراع، لم يعد بإمكاننا تجاهل القضايا التي يواجهها نصف المجتمع.
تكشف الأرقام عن فجوة صارخة بين الجنسين، إذ بلغت نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وأفغانستان وباكستان وتركيا 26% من النساء في سن العمل خلال عام 2022، مقارنة بنسبة 75% للرجال. ولا يقتصر الأمر على مسألة المساواة فحسب، بل إن الإخفاق في سد الفجوة الاقتصادية بين الجنسين يلقي بظلاله القاتمة على الناتج المحلي الإجمالي السنوي للمنطقة، ما يمثل تحديًا كبيرًا يتطلب المعالجة.
سلطت أصوات النساء الباسلات اللواتي التقيت بهن الضوء على التحديات الرئيسية التي تحول دون ازدهار المرأة في سوق العمل، أو حتى دخولها، ومن أبرزها الافتقار إلى المرونة في ترتيبات العمل، وعدم اتخاذ تدابير فعالة لمكافحة التحرش، وانعدام وسائل المواصلات الآمنة، فضلًا عن ارتفاع تكلفة رعاية الأطفال، وصعوبة الحصول على تعليم جيد. كما أن عرض نماذج يحتذى بها من النساء سيسهم بلا شك في تحفيز الفتيات والشابات على الانخراط في سوق العمل ورسم مستقبل مهني مُشرق.
وعلى الرغم من الإمكانات الهائلة التي تتمتع بها رائدات الأعمال، إلا أن عدم تكافؤ الفرص في ميدان ريادة الأعمال يضع أمام رائدات الأعمال صعوبات كبيرة لتحقيق النمو والاستدامة، كما أن غياب التمويل الموجه نحو رائدات الأعمال يمثل عقبة رئيسية أخرى، إذ لا يتجاوز الاستثمار في الشركات الناشئة التي أسستها كوادر نسائية في الأسواق الناشئة نسبة 7٪ من إجمالي استثمارات شركات الأسهم الخاصة وشركات رأس المال المخاطر.
وتسهم العديد من العوامل في محدودية حصول النساء على رأس المال المخصص للشركات الناشئة، ومن أبرز هذه العوامل قلة عدد النساء المُستثمرات في مجال رأس المال المخاطر، إذ لا تتجاوز نسبتهن 15%. وهذا الغياب الفادح للمرأة في ميدان رأس المال المخاطر يمهد الطريق لتغلغل التحيزات اللاواعية. كذلك، يزيد من صعوبة حصول رائدات الأعمال على التمويل اللازم الافتقار إلى الضمانات ويُعزى ذلك إلى القيود المفروضة على ملكية النساء للأصول.
عدم تكافؤ الفرص يطغى على ميدان ريادة الأعمال
ولا تقتصر العقبات التي تعترض طريق رائدات الأعمال على الجانب المالي فحسب، بل تشكل الأعراف الاجتماعية والثقافية عوائق كبيرة أمام نجاح مسيرتهن. فعلى سبيل المثال، تلقي الأعراف الثقافية مسؤولية رعاية الأطفال على عاتق المرأة بشكل رئيسي، مما يعيق قدرتها على تحقيق التميز في مجال ريادة الأعمال.
ولكن على الجانب الآخر، تكمن وراء هذه التحديات فرص جمة، فتمويل المشاريع التي تقودها النساء يحمل مكاسب كبيرة للبنوك والمستثمرين على حد سواء، إذ تؤكد الأبحاث باستمرار تفوق المحافظ الاستثمارية التي تراعي التوازن بين الجنسين على نظيراتها.
علاوة على ذلك، يثبت الواقع أن القيادة المتنوعة، وبالأخص تلك التي تراعي التوازن بين الجنسين، تسهم في تحقيق عوائد مجزية بشكل أكبر، فقد حققت صناديق الأسهم الخاصة وصناديق رأس المال المخاطر التي تضم فرق استثمار رفيعة المستوى متوازنة جنسانيًا عائدات أعلى بنسبة تتراوح بين 10 و20%.
وبوسعنا سد الفجوة التمويلية التي تعاني منها رائدات الأعمال من خلال دعم إرساء بيئة عمل محفزة، وتعزيز قدرات كافة الأطراف الفاعلة في هذه المنظومة، وتشجيع الإرشاد وفرص التواصل، ورفع مستوى التعليم والتدريب، وتعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص.
استثمارنا في المرأة ليس مجرد قرار حكيم فحسب، بل هو غرس لبذور مستقبلٍ مشرق، حيث يتم استنهاض طاقات نصف سكان المنطقة وتمكينهن ليضطلعن بدورٍ محوري في قيادة مجتمعاتنا نحو التغيير الإيجابي.