رانيا برو - محررة في CNBC عربية 

يكافح الرئيس جو بايدن لإقناع الناخبين، الذين سئموا التضخم، بأن الاقتصاد الأميركي يتمتع بصحة جيدة، ويكرر مقولاته حول قوة الاقتصاد في وجه الساخطين والمتنمرين على مكانة اقتصاد الدولة العظمى وأولهم الرئيس الأميركي السابق والطامح للعودة إلى البيت الأبيض دونالد ترامب، فيما تقود الأرقام والبيانات دفة توصيف الوضع الاقتصادي في أميركا في اتجاه أكثر عقلانية.

في تصريحات لبرنامج Today Show على قناة NBC، الاثنين، قال بايدن: "إن أميركا لديها أفضل اقتصاد في العالم"، مستخدماً تفوق الاقتصاد كمحفز أساسي لإعادة انتخابه مرة جديدة في الانتخابات التي تجري في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

أصبحت مكانة أميركا الاقتصادية في العالم مادة أساسية في إثارة حمى الحملات الانتخابية للرئاسة الأميركية، وبخلاف وجهة نظر بايدن يصور الرئيس السابق دونالد ترامب الولايات المتحدة بشكل روتيني على أنها "أرض تجارية قاحلة".

اقرأ أيضاً: ماذا يعني ارتفاع "مؤشر ثقة المستهلكين" للسباق الانتخابي في الولايات المتحدة؟

في تجمع حاشد في ولاية جورجيا الشهر الماضي، صاح ترامب: "نحن أمة ينهار اقتصادها إلى بالوعة من الخراب، سلسلة توريدها معطلة، ومتاجرها غير مخزنة، وشحناتها لا تصل إلى وجهتها".

لكن الأرقام ترسم صورة مختلفة، وهي صورة تتماشى مع رواية بايدن عن الهيمنة الاقتصادية الأميركية وتتفوق على تحذيرات ترامب ولغة الترويع الاقتصادي كمادة للانقضاض على خصمه.

 

أرقام مبشرة

بالأرقام، بلغ الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة 2.5% في عام 2023، وهو ما يفوق بشكل كبير نظيره في الاقتصادات المتقدمة الأخرى، وفقاً لتقرير صدر في شهر يناير/ كانون الثاني من صندوق النقد الدولي. 

وتوقع صندوق النقد الدولي أن تحافظ الولايات المتحدة على هذه الريادة في عام 2024، على الرغم من أنه يتوقع أن ينخفض ​​الناتج المحلي الإجمالي إلى 2.1%.

"الاقتصاد الأميركي يقود طريق الاقتصاد العالمي" وفق تصريحات كبير الاقتصاديين في وكالة موديز، مارك زاندي، الذي قال لشبكة CNBC: "إنها تقود القطار الاقتصادي العالمي".

على الرغم من ارتفاع أسعار الفائدة، ظل سوق العمل قوياً. في شهر مارس/ آذار مثلاً، أضافت الشركات الخاصة الأميركية 184 ألف وظيفة، حسبما ذكرت شركة معالجة كشوف المرتبات ADP يوم الأربعاء، وهو ما يتجاوز بكثير تقديرات داو جونز البالغة 150 ألف وظيفة. وهذا هو أسرع نمو في التوظيف شهده الاقتصاد الأميركي منذ يوليو/ تموز 2023.

اقرأ أيضاً: "بايدن" يتباهي بـ "الملف الاقتصادي".. واستطلاعات الرأي تحمل أخباراً سيئة له

وحققت سوق الأوراق المالية مكاسباً قياسية على مدى الأشهر القليلة الماضية وارتفعت قيمة المنازل، على الرغم من أنها بدأت الآن في الانخفاض.

وإلى جانب الأسعار المرتفعة التي من المتوقع أن تهدأ في العام المقبل، قال زاندي إن أساسيات الاقتصاد الأميركي الحالي تكاد تكون مثالية: "الاقتصاد في صورة مثالية. لا جدال في ذلك".

 

سياسة جيدة أم حظ؟

ثمة عوامل أدّت إلى تفوق آداء الاقتصاد الأميركي في الآونة الأخيرة، تتفاوت بين السياسة الاقتصادية التي انتهجتها الحكومة وأيضاً إلى الحظ.

في هذا الشأن، أجاب الاقتصادي في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، وهو مركز أبحاث في واشنطن جوزيف غانيون، بقوله: "إنها السياسة والحظ في نفس الوقت".

خلال استجابة الحكومة الأميركية للزلزال الاقتصادي الناجم عن الوباء، ضخت ما يقرب من 4 تريليون دولار ضمن حزم التحفيز الاقتصادي لدعم الأسر والشركات الفردية.

وهذا ما وافق عليه الاقتصادي في معهد بروكينغز جوش جوتباوم، وهو مسؤول سابق في البيت الأبيض ووزارة الخزانة: "كان لدينا تحفيز مالي أكبر من أي دولة أخرى، وهذا جزء من السبب وراء تعافي الولايات المتحدة من كساد كوفيد بشكل أفضل من أي دولة أخرى". 

وكانت شبكة الأمان التحفيزية الأميركية مصحوبة بثمن باهظ، الأمر الذي جعل الولايات المتحدة تعاني من عجز في الميزانية أكثر من أي دولة أخرى بلدان أخرى. ولكن هذا الإجراء أنقذ الاقتصاد إلى حد ما، حيث وفّر الحماية للشركات جنّبها تنفيذ عمليات تسريح جماعي للعمال، الأمر الذي كان قد يؤدي إلى الركود.

اقرأ أيضاً: الاقتصاد بين بايدن وترامب.. هل يكون الملف الأبرز في حسم الانتخابات الأميركية؟

بهذا التدبير صمدت مرونة سوق العمل. وبقي معدل البطالة أقل من 4% على مدى العامين الماضيين، حتى مع قيام الفدرالي الأميركي برفع أسعار الفائدة بشكل حاد.

 

مواجهة الأزمات الجيوسياسية

ساهمت مرونة الاقتصاد الأميركي في مواجهة الأزمات الجيوسياسية العالمية في تعزيز مكانته عالمياً والإعداد الفريد للنظام المالي الأميركي له دوره في تعزيز هذه المكانة.

على سبيل المثال، أدى اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا إلى بلبلة في أسعار الطاقة والغذاء العالمية، فيما لم تتضرر الولايات المتحدة بقدر ما تضررت مناطق مثل أوروبا واليابان، التي تعتمد بشكل أكبر على واردات الطاقة والغذاء الروسية.

تعليقاً على ذلك، قال جوزيف غانيون: "هذا هو الجزء المتعلق بالحظ".

إن مرونة الاقتصاد الأميركي هي أيضاً نتيجة لهيكلة الديون. وعزلت هذه المرونة الأسر الأميركية عن موجة الارتفاعات في أسعار الفائدة العالمية منذ الأيام الأولى للوباء، بسبب الرهن العقاري بسعر فائدة ثابت لمدة 30 عاماً. وقد أدى معدل الرهن العقاري لمدة 30 عاماً، والذي يعد فريداً في الغالب بالنسبة للنظام المالي الأميركي، إلى حماية الأسر من ارتفاع أسعار الفائدة لاحقاً.

حول هذا الشأن، قال كبير الاقتصاديين في وكالة موديز، مارك زاندي: "يتحمل نظامنا المصرفي الكثير من مخاطر أسعار الفائدة، لكن في بقية أنحاء العالم، يفرضونها على الأسر وعلى الشركات". كان هذا أمراً مهماً”.

 

الحذر من التضخم

لكن بقاء الاقتصاد الأميركي متقدماً على بقية العالم، لا يمنع حدوث انتكاسات في التعافي إلى الأبد ولا يحميه من المخاطر.

ويعبّر زاندي عن ذلك قائلاً: "لا يجب الاستنتاج أننا هبطنا بسهولة، وأننا أحرار وأمان".

ثمة مؤشرات تبقي القيمين على الاقتصاد قلقين، ومنها التضخم الذي عاد إلى الارتفاع يف الأشهر القليلة الماضية، على الرغم من انخفاضه بشكل حاد من أعلى مستوياته في عام 2022.

اقرأ أيضاً: اقتصادي أميركي يرصد السيناريوهات المتوقعة لما بعد انتخابات نوفمبر  (خاص CNBC عربية)

في الوقت الحالي، لا يزال الفدرالي الأميركي يتبع سياسة التشديد النقدي بشأن أسعار الفائدة، على الرغم من المؤشرات السابقة على أن البنك المركزي سيصدر ثلاثة تخفيضات هذا العام.

ويوم الأربعاء، قال رئيس الفدرالي جيروم باول: "فيما يتعلق بالتضخم، من السابق لأوانه القول ما إذا كانت القراءات الأخيرة تمثل أكثر من مجرد ارتفاع".

من جانبه توقع رئيس الفدرالي في أتلانتا رافائيل بوستيك خفض سعر الفائدة مرة واحدة فقط هذا العام، ومن المحتمل أن يكون ذلك في الربع الرابع.

وقال بوستيك في مقابلة مع برنامج Squawk Box على قناة CNBC: "الطريق سيكون وعراً".

وبينما لا يزال مسار تعافي الاقتصاد الأميركي غير مؤكد، فإن الخبراء متفائلون.

قال غانيون، من معهد بيترسون: "نحن في الأساس على المسار الذي كنا عليه قبل تفشي الوباء أو أعلى منه، لذلك هذا جيد جداً".