بين عشية وضحاها، أصبح العالم يئن من وطأة أزمة مصرفية، ففي غضون ساعات قليلة، وبعد فشله في جمع ما يكفي من التمويل لسد فجوة الميزانية، تعرض بنك سيليكون فالي للانهيار والإغلاق بأمر السلطات التنظيمية.
ولم يمر الوقت طويلاً حتى استيقظت أسواق المال على انهيار وإغلاق آخر لبنك سيغنتشر المقرض لصناعة العملات المشفرة.
وفي ظل هذه الأجواء السلبية، أعيد إلى الأذهان العديد من الأزمات الاقتصادية والتي ارتبطت بشكل أو بآخر بمصطلح يعرف بـ"تأثير الدومينو".
ما المقصود بـ"تأثير الدومينو"؟
يشير هذا المصطلح إلى كيفية تأثير مشكلة ما على مؤسسة أو شركة ذات صلة في نفس القطاع، فعندما تضرب قطعة دومينو واحدة، فإنها لن تسقط بمفردها فقط، بل تؤثر على كل من يقف في طريقها.
في الاقتصاد، غالبًا ما تُستخدم نظرية الدومينو لشرح كيف يمكن أن تنتشر مشكلة اقتصادية في بلد ما مثل العدوى أو تأثير الدومينو إلى بلدان وشركات مماثلة.
ولنأخذ حالة سيليكون فالي بشكل خاص كمثال، فالبنك شأنه شأن بنوك أخرى استفادت من بيئة التمويل الرخيصة بالتزامن مع سياسات الفائدة الصفرية التي تبناها الفدرالي الأميركي وغيره من البنوك المركزية الأخرى لفترة طويلة.
ولكن في عام 2022، تبنى الفدرالي سياسة تشديد نقدي مكثفة للسيطرة على التضخم المتصاعد من خلال سحب السيولة من الأسواق والسيطرة على الطلب.
ولم تمر أشهر طويلة حتى بدأت البنوك تشعر بقسوة هذه السياسة، فعندما شرع الفدرالي في رفع الفائدة، زاد العائد على السندات التي يمتلكها سيليكون فالي وغيره، وبالتالي، انخفضت قيمة ما بحوزته من تلك السندات.
وهكذا، احتاج البنك إلى سيولة لتغطية الفجوة في ميزانيته، وذهب إلى أسواق التمويل بطرح سندات وأسهم يوم الأربعاء الثامن من مارس آذار 2023، لكنه فشل في جمع التمويل اللازم والمستهدف بقيمة 2.25 مليار دولار.
على إثر هذا الفشل، هبط سهم البنك بشكل حاد، وتم وقف التداول عليه، كما اتخذت السلطات المصرفية قراراً بإغلاق فروعه خشية اندفاع العملاء لسحب ودائعهم، وهذا ما حدث بالفعل.
قد يقول قائل، هذه أزمة سيليكون فالي وحده، فما المشكلة لدى الآخرين؟ بالتأكيد يعد سيليكون فالي مرتبطاً بأنشطة مصرفية أخرى في السوق، كما أنه يمتلك ودائع لشركات تكنولوجية ناشئة تريد الحصول على أموالها.
ولدى سيليكون فالي أيضاً بعض الفروع خارج الولايات المتحدة خشي المودعون فيها على أموالهم واتجهوا للحصول عليها.
كما تسببت أزمة سيليكون فالي في مخاوف لدى المودعين خاصة في البنوك الصغيرة حيث سحبوا أموالهم منها وذهبوا إلى بنوك أكبر وأكثر أماناً.
نتيجة لهذه الإجراءات المتزامنة والتي تبدو مخططة، فإن تأثير الدومينو وقع بالفعل، وشاهدنا إغلاق بنك سيغنتشر، وأزمة سيولة لدى مصرف كريدي سويس السويسري.
أمثلة من الماضي.
من أشهر الأمثلة على وقوع تأثير الدومينو في الاقتصاد أزمة الديون عامي 2012 و2013 والتي شهدت ارتفاع عوائد السندات الحكومية في اليونان ، مما أدى إلى ارتفاع عوائد السندات في اقتصادات منطقة اليورو الأخرى.
كذلك هناك أزمة الائتمان عامي 2007 و2008 والتي شهدت نقص التمويل في الولايات المتحدة لينتشر في جميع أنحاء العالم وفي جميع البنوك.
بالتركيز على أزمة الديون في منطقة اليورو، يمكننا العودة إلى الوراء قليلاً، ففي عام 2011، عندما أدرك المستثمرون أن اليونان عرضة لخطر الإفلاس وأن السندات معرضة لخطر التخلف عن السداد، تغيرت معنويات السوق.
أولاً، باع المستثمرون السندات اليونانية، مما تسبب في ارتفاع سريع في العوائد عليها، وهذا التغيير في معنويات السوق وفقدان الثقة تسبب في فقدان المستثمرين للثقة في أسواق الديون الأخرى في منطقة اليورو.
هنا كان التأثير الكبير هو الثقة. في السابق شعر المستثمرون أن سندات اليورو كانت آمنة للغاية. ومع ذلك، فإن إدراك أن البلدان في اليورو ليست محصنة يعني أن المستثمرين طالبوا بعائدات أعلى على السندات.