انضمت أجهزة الاستدعاء اللاسلكية "البيجرز" التي انفجرت في لبنان خلال الأيام الأخيرة إلى تاريخ طويل لأجهزة الاتصالات التي تم استخدامها من قبل في المراقبة والتجسس بين الأعداء، وأحياناً استخدامها أيضاً بشكل مباشرة في عمليات اغتيال.

انفجرت مئات الأجهزة اللاسلكية فجأة في جميع أنحاء لبنان خلال يومي الثلاثاء والأربعاء 17 و18 سبتمبر/ أيلول، خاصة في عدد من عناصر جماعة حزب الله التي تخوض حالياً مناوشات عسكرية محدودة على الحدود اللبنانية الإسرائيلية مع الجيش الإسرائيلي منذ بداية الحرب على غزة.

أسفرت الانفجارات عن مقتل 37 شخصاً وإصابة أكثر من 2900 شخص، بحسب تصريحات لوزير الصحة اللبناني فراس الأبيض، الخميس 19 سبتمبر/ أيلول.


اقرأ أيضاً: ???? انفجارات جديدة بأجهزةٍ لاسلكية في عدّة مناطق في لبنان


حوادث تاريخية في استخدام أجهزة الهواتف في عمليات اغتيال

اغتيال محمود همشري

في العام 1972، قام عملاء الموساد بتبديل القاعدة الرخامية للهاتف الذي استخدمه ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في باريس، محمود همشري، في شقته بفرنسا، بحسب صحيفة فايننشال تايمز البريطانية.

وفي الثامن من ديسمبر/ كانون الأول من ذلك العام، عندما رد على الهاتف، فجر فريق إسرائيلي قريب عن بعد المتفجرات المعبأة داخل القاعدة المقلدة. وفقد همشري ساقه وتوفي في وقت لاحق

اغتيال يحيى عياش

في العام 1996، تمكن جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، "الشاباك"، من اغتيال القيادي العسكري في حركة حماس، يحيى عياش، عبر الرد على مكالمة من والده على هاتف محمول من طراز "موتورولا ألفا" أحضره إلى غزة أحد المتعاونين الفلسطينيين مع إسرائيل، بحسب الصحيفة ذاتها.

تم إخفاء حوالي 50 جراماً من المتفجرات داخل الهاتف - وهو ما يكفي لقتل أي شخص يحمل الهاتف على أذنه.

تعتبر الحالتان نجاحات نموذجية في استخدام أجهزة الاتصالات بعمليات الاغتيال، حيث خدمت الهواتف عدة أغراض حاسمة: مراقبة الهدف قبل الاغتيال؛ وتحديد هوية الهدف وتأكيدها أثناء الاغتيال؛ وأخيراً تمكين استخدام شحنات متفجرة صغيرة لم تقتل سوى الشخص المستهدف في كل حالة.

التحول عن الهواتف الذكية لم يكن كافياً

كانت جماعة حزب الله لجأت إلى أجهزة النداء اللاسلكية لتجنب المراقبة الإسرائيلية بعد نداء علني من زعيم الجماعة حسن نصر الله لعملائها بالتخلي عن هواتفهم الذكية مع تكثيف إسرائيل لهجماتها ضد قادتها خلال ما يقرب من عام من الاشتباكات المكثفة.

في غياب قدرات نظام تحديد المواقع العالمي، وعدم وجود ميكروفونات أو كاميرات، وبث نصي محدود للغاية، فإن أجهزة الاتصال اللاسلكي - على الأقل من الناحية النظرية - بها فرص هجوم أقل من الهواتف الذكية، فاختراقها يعد أكثر صعوبة.

ويبدو أن حزب الله فضلها لنفس الغرض: فهي تجمع القليل جداً من البيانات التي يمكن أن تستنزفها الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية. لكن يبدو أنهم لم يتوقعوا احتمال أن الأجهزة الصغيرة، التي تعمل عادة ببطاريات AA أو AAA - وفي أحدث الموديلات، الليثيوم - يمكن أن تنفجر.

أخبر مسؤولان إسرائيليان سابقان، وكلاهما لهما خلفيات في اختراق الاتصالات وغيرها من العمليات، صحيفة فاينانشال تايمز، أن أجهزة الاستدعاء لا تحتوي عادةً على بطاريات كبيرة بما يكفي، عند إجبارها على الانفجار، للتسبب في الإصابات التي شوهدت في مقاطع الفيديو المنشورة من مستشفيات بيروت.

العديد من المصابين في مقاطع الفيديو فقدوا أصابعهم ولديهم إصابات في الوجه، بينما ينزف آخرون بغزارة من أفخاذهم العليا - بالقرب من "جيوب البنطلونات" - وفي بعض الحالات من بطونهم.



"احتمالان وأمر معقد"

قال المسؤولان السابقان إنه لم يكن هناك ما يكفي من الأدلة المتاحة لتأكيد كيفية تنفيذ التفجيرات وتنسيقها بالضبط.

وذكرا أن هناك احتمالين واضحين: أحدهما هجوم إلكتروني حيث أجبر برنامج خبيث بطارية الليثيوم في جهاز النداء على ارتفاع درجة حرارتها ثم انفجارها، والثاني تدخل معروف باسم "هجوم سلسلة التوريد"، حيث ربما تم اعتراض شحنة من أجهزة النداء متجهة إلى لبنان وإدخال كمية ضئيلة من المتفجرات خلسة.


اقرأ أيضاً: كيف تم اختراق أجهزة اتصال "بيجرز" في لبنان؟ (خاص CNBC عربية)


ونظراً لصغر حجم الانفجارات، قال المسؤولان السابقان إن الهجوم الإلكتروني كان ممكناً، وإن كان معقداً من الناحية الفنية.

وقال أحد المسؤولين السابقين: "ليس الأمر سهلاً، ولكن يمكنك القيام بذلك لجهاز واحد عن بعد، وحتى في هذه الحالة لا يمكنك التأكد مما إذا كان سيشتعل أو ينفجر بالفعل. أما القيام بذلك لمئات الأجهزة في نفس الوقت؟ فهذا يتطلب تطوراً لا يصدق".

أجهزة الاستدعاء واحتمال إدخال متفجرات بها

مع تحول جماعة حزب الله بعيداً عن الهواتف الذكية، فإن الحصول على تكنولوجيا أصبحت عتيقة إلى حد كبير كان يتطلب استيراد دفعات كبيرة من أجهزة الاستدعاء إلى لبنان.

لكن جعل هذه الأجهزة تعمل بشكل فعال على شبكات الهاتف المحمول الحالية يعد أمراً سهلاً نسبياً، كما قال أحد المسؤولين الإسرائيليين السابقين.

وحتى اليوم، توجد سوق صغيرة لأجهزة الاستدعاء في الصناعات حيث يحتاج الموظفون إلى تلقي رسائل نصية قصيرة، من المستشفيات إلى المطاعم ومستودعات فرز البريد.

في حين يمكن بسهولة اعتراض الرسائل النصية نفسها من الاستخبارات الإسرائيلية، فإن الغرض الحقيقي وراء هذه الرسائل يمكن إخفاؤه باستخدام رموز أو إشارات مرتبة مسبقاً، كما قال أحد المسؤولين السابقين.



وبما أن أعضاء جماعة حزب الله هم المجموعة الأكثر احتمالاً لاستخدام أجهزة الاستدعاء في لبنان، فقد يكون المهاجمون متأكدين نسبياً من أنهم يتعاملون بشكل أساسي مع أهداف مسلحة، بحسب ما قاله أحد المسؤولين الإسرائيليين السابقين.

وقال أحد المسؤولين السابقين: "حتى بالنسبة لحزب الله، يجب أن يكون هذا تحقيقاً سهلاً للغاية - هل كانت جميع الأجهزة المعنية من نفس الشركة المصنعة، وهل وصلت في نفس الشحنات أو شحنات مماثلة؟ أم كانت أنواع الأجهزة مختلفة، من جميع أنواع الشحنات وأعطيت لمجموعة متنوعة من [العملاء] - صغار وكبار وسياسيين؟".

إذا كانت جميعها من دفعة واحدة، أو مورد واحد، فإن هذا يثير احتمال اعتراض الشحنات وإدخال كميات صغيرة من المتفجرات الحديثة، بحسب الصحيفة.

هل تم وضع المتفجرات داخل البطاريات؟

قال المسؤول الثاني إن أحد الاحتمالات هو أن المتفجرات كانت مخبأة داخل البطاريات نفسها، وهي خدعة كانت وكالات الاستخبارات الإسرائيلية والغربية تخشى منذ فترة طويلة أن يتم تجربتها على متن طائرة ركاب تجارية.


اقرأ أيضاً: رواية مصادر أمنية .. كيف زُرعت المتفجرات في أجهزة البيجرز التابعة لحزب الله؟


ولهذا السبب تطلب العديد من عمليات فحص الأمن في المطارات من الركاب تشغيل أجهزة الكمبيوتر المحمولة الخاصة بهم لإظهار شاشاتهم وبطارياتهم العاملة، والتأكد من عدم استبدال حجرة البطارية بالمتفجرات.

وقال أحد المسؤولين السابقين، الذي عمل في عمليات التخريب السيبراني الإسرائيلية السابقة، إنه من السهل نسبياً إنشاء بطارية ليثيوم عاملة تحتوي على شحنة متفجرة صغيرة داخلها.

لكنه قال إن هناك مخاطر مرتبطة بالقيام بذلك على نطاق واسع: "بالطبع سوف يتحققون بعناية من أي جهاز قبل السماح له بالاقتراب من عضو كبير".