لا تزال القارة السمراء قادرة على إبهار العالم بكثيرٍ العجائب والغرائب، فعلاوة على كون عدوى الانقلابات العسكرية التصقت بها بشكل واضح ومُتكرر، لدرجة أنها منذ ما بعد استقلال دولها وعلى مدار 60 عاماً تقريباً شهدت قرابة الـ 200 انقلاب، فإن بعضاً من تلك الانقلابات -بما في ذلك المحاولات الناجحة والفاشلة- تشهد الكثير من المفارقات غير المسبوقة.
تشمل تلك المفارقات وقائع مرتبطة بأسباب الانقلابات ومُدتها ومدى الفوضى التي تُحدثها ووصولاً إلى هوية المنقلبين وأغراضهم وحتى الأدوات والخطط المستخدمة في تنفيذ العملية الانقلابية والمواقف الشعبية وغير ذلك من العوامل.
قبل عامين تحديداً، عرفت القارة واحدة من محاولات الانقلاب "الغريبة"، ارتبطت بهوية المنقبلين في الأساس. كان ذلك في غينيا بيساو، الواقعة في غرب أفريقيا إلى جوار السنغال في الشمال وغينيا في الجنوب الوشرق والمحيط الأطلسي من الغرب.
انقلاب تجار المخدرات
في تلك الدولة الأفريقية -الناطقة بالبرتغالية- وفي الأول من شهر فبراير/ شباط من العام 2022، هاجم مسلحون ببنادق آلية القصر الرئاسي، وواصلوا إطلاق النار لمدة خمس ساعات على المجمع، حيث كان الرئيس عمرو سيسوكو إمبالو، ورئيس الوزراء نونو جوميز نبيام، وأعضاء مجلس الوزراء يختبئون. وفي وقت لاحق من تلك الليلة، صرح الرئيس إمبالو أن الوضع تحت السيطر، لكنّه كشف عن واحدة من الغرائب.
الرئيس إمبالو قال إن "الانقلاب تم إعداده وتنظيمه بشكل جيد"، نافياً تورط أي من أفراد الجيش فيه في الهجوم. وأردف: "استطيع أن أؤكد لكم أنها (العملية الانقلابية) مرتبطة بالأشخاص الذين حاربناهم.. إنه هجوم على الديمقراطية.. له علاقة بكفاحنا ضد الاتجار بالمخدرات". في بلد يكافح الاتجار بالكوكايين والمخدرات عموماً.
اقرأ أيضاً: دول شمال أفريقيا.. طريق نمو تشوبه التحديات
وبينما أصحاب المصلحة من تُجار الكوكايين والمخدرات عموماً في غينيا بيساو قد قادوا محاولة الانقلاب -بحسب رواية إمبالو- فإن غرائب أفريقيا لم تنته، ففي العام الجاري وبينما لم ينته الشهر الأول منه بعد، سجّلت تشاد واقعة أخرى غريبة، لا ترتبط غرابتها تلك المرّة بهوية المنقلبين، وإنما بالأدوات التي استخدومها لتنفيذ عمليتهم الانقلابية.. فماذا حدث؟
محاولة انقلاب في تشاد
وكالة الأنباء الفرنسية نقلت عن مسؤول حكومي، وهو وزير المصالحة الوطنية والتماسك الاجتماعي، عبدالرحمن كلام الله، جانباً من وقع محاولة الانقلاب الغريبة التي وقعت قبل منتصف يناير/ كانون الثاني الجاري، والتي استخدم فيها الانقلابيون "السحر والشحوذة" لإنجاح مخططهم، طبقاً للرواية الرسمية التي قدّمتها مخابرات الجيش التشادي، عند إفصاحها عن تفاصيل العملية يوم الجمعة الماضي 19 يناير/ كانون الثاني.
أعلنت مخابرات الجيش التشادي، في هذا اليوم، عن أنها اعتقلت أكثر من 80 شخصاً قبل أسبوع وأحبطت "عمليات تمرد" في البلاد. تنطوي على تضحيات "غامضة"، بما في ذلك الإنسان والحيوان.
وورد في البيان الذي شاركه الوزير التشادي مع الوكالة: "المديرية العامة للاستخبارات العسكرية تريد إعلام الرأي العام الوطني والدولي بأن مجموعة من الأفراد المنظمين ضمن حركة M3M حاولت المساس بأمن الدولة".
أكثر من 80 عضواً من هذه المجموعة (غير معروفين لعامة الناس) تم وضعهم قيد الاعتقال في اليوم السابق لـ 13 يناير/ كانون الثاني، وهو اليوم الذي "كانوا يعتزمون فيه تنفيذ عمليات تمردية".
الغريب أن أصحاب محاولة الانقلاب "لم تكن لديهم القدرة على تحقيق أهدافهم بالأسلحة النارية" تبعاً للطريقة الأكثر شيوعاً في تنفيذ الانقلابات في أفريقيا باستخدام السلاح، فلجأوا إلى "الدجالين" بحسب الرواية الرسمية التي نقلها الوزير وتداولتها تقارير إعلامية مختلفة.
أضحية بشرية.. وكتاكيت وماعز!
تشير تلك الرواية الرسمية إلى أن المجموعة التي كانت تُخطط للانقلاب لجأوا إلى "معتقدات غامضة عبر ثلاثة من الدجالين الذين طلبوا منهم تقديم أضاحي لإنجاح عمليتهم الانقلابية".
لقد قاموا بذبح الدجاج و"الكتاكيت" والماعز و"خروف"، كما قدّموا أيضاً أحد الأشخاص كأضحية بشرية من أجل تنفيذ مخططهم، اتباعاً لتعليمات المشعوذين.
"لقد تم العثور على جثة رجل مقطوع الرأس في حقيبة بمنزل رئيس حركة M3M ، وهو ملازم (دون الإشارة لمزيد من التفاصيل)"، وفق البيان الحكومي.
وبموازاة ذلك أظهر مقطع فيديو قدمه الجيش لبعض وسائل الإعلام التشادية، عشرات المعتقلين ممن تم إلقاء القبض عليهم في هذه العملية الانقلابية.
وفي ظل غرابة الواقعة، فإن أطرافاً داخل تشاد ومراقبين للمشهد السياسي في البلد، شككوا في الرواية الرسمية، وحاولوا الإشارة إلى كونها ربما تعد محاولة من جانب السلطات الحاكمة للتغطية على الوضع السياسي الراهن، مستبعدين سيناريو اللجوء إلى الدجل والشعوذة.
ويقود تشاد الجنرال محمد إدريس ديبي (37 عاماً)، منذ أن أعلنه الجيش رئيسا انتقاليا في 20 أبريل/ نيسان من العام 2021 على رأس مجلس عسكري مكون من 15 جنرالاً، وذلك عقب وفاة والده، إدريس ديبي. ووعد المجلس العسكري على الفور بـ"إعادة السلطة إلى المدنيين" بالانتخابات بعد 18 شهرًا من الفترة الانتقالية، لكنه مددها لمدة عامين، ويعد الآن بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية قبل نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2024.
ويشار إلى أن تشاد شهدت عدداً من الانقلابات على مدار تاريخها، بدءًا من انقلاب العام 1999، ثم انقلاب مايو/ آيار 2004، وانقلاب مارس/ آذا 2006 وانقلاب مايو/ آيار 2013.
وشهدت القارة الأفريقية في آخر ثلاث سنوات حوالي ثمانية انقلابات، في كلٍ من (النيجر وبوركينا فاسو وغينيا ومالي). بينما شهد العام الجاري إعلان بوركينا فاسو عن إحباط محاولة انقلاب جديدة.
انقلاب زيمبابوي
وبينما تعد محاولة الانقلاب في غينيا بيساو (2022) من أغرب الحالات لجهة "هوية المنقلبين"، وفيما شكلت محاولة الانقلاب الأخيرة في تشاد في ضوء الرواية الرسمية من أغرب المحاولات فيما يتعلق بالأدوات التي استخدمها المنقلبون لتنفيذ مآربهم، يُمكن أيضاً الإشارة إلى انقلاب زيمبابوي، في جنوب قارة أفريقيا، باعتباره من أغرب الانقلابات لجهة أحداثه وتعاطي الشعب معه.
كان ذلك في العام 2017، فمنذ اللحظة التي بدأت فيها الأزمة ـ حيث كان المتحدث باسم الجيش يرتدي الزي العسكري يجلس إلى مكتب التلفاز ويصر على أنه لم يعلن عن انقلاب عسكري ـ لم تتطور الأزمة السياسية في زيمبابوي كأي انقلاب عادي. وفي الواقع، بذل قادتها قصارى جهدهم للإصرار على أن ما حدث لم يكن انقلابًا على الإطلاق.
لم يكن هناك حظر تجول في الشوارع، ولم تكن هناك حملات قمع عنيفة، ولم يتم تعيين مجلس عسكري للسيطرة على مقاليد السلطة.
وبدلاً من ذلك، ظهر الرجل الذي من المفترض أن الجيش قد انتزعه من السلطة وهو يتحدث بشكل عرضي مع آسريه، بينما التقط المتظاهرون صور سيلفي مع الجنود.. فيما تطورت الأحداث بالبلد بعد ذلك.