بقلم ياسين الجوهري
مراسل CNBC عربية في القاهرة
بلهجة عامية مصرية وبنبرة تمزج بين الدهشة والسخرية، حدثني سائق سيارة الأجرة ونحن نجوب شوارع القاهرة المزدحمة قبل ساعة واحدة من موعد الإفطار فقال لي: " إيه علاقة كعك العيد باللي بيحصل بين روسيا وأوكرانيا، واحنا أصلا مالنا ومالهم، يعني هم يتخانقوا هناك وإحنا ندفع الثمن هنا."
فاجأني الرجل بأسلوبه البسيط في الربط بين الحرب الدائرة في أوروبا منذ أكثر من عام وبين تداعيات هذه الحرب على مصر والتي تشهد حاليا معدلات تضخم قياسية طالت كل شيء حتى وصلت إلى كعك العيد، فقلت في نفسي "إنه التضخم يلتهم كعك العيد".
اعتاد المصريون خلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان على شراء الكعك كواحد من أهم مظاهر الاحتفال بعيد الفطر، ولكن أسعار الكعك هذا العام أصابها "الجنون" بحسب وصف سائق السيارة والذي أكد أنه وللمرة الأولى منذ سنوات طويلة سيقاطع كعك العيد.
قلت له فكرة جيدة، ولكن عليك أن تتأكد أن مقاطعة الكعك لن تدفع أسعاره للتراجع فالمشكلة ليست في كعك العيد وإنما في أسعار مكوناته من الخامات التي تسمى بالسلع الأساسية أو الاستراتيجية وعلى رأسها الدقيق والزيت والسكر، وهنا تكمن المشكلة.
لقد تسببت الحرب الروسية الأوكرانية في زيادات غير مسبوقة لأسعار السلع الأساسية والحبوب على مستوى العالم، فضلا عن تراجع المعروض من هذه السلع، والحقيقة أن مصر كانت في قلب هذه الازمة وعلى رأس قائمة المتضررين منها، ولم لا وهي بالفعل على رأس قائمة الدول المستوردة للقمح والحبوب على مستوى العالم.
بحسب بيانات حكومية، تستورد مصر 45% من إجمالي استهلاكها من القمح، حيث بلغت وارداتها العام الماضي نحو 5.5 مليون طن فضلا عن 4.2 مليون طن تم جمعها من المزارعين، فيما استحوذت روسيا وأوكرانيا قبل اندلاع الحرب على نحو 80% من واردات مصر من القمح.
ومع استمرار تداعيات الحرب واجهت مصر موجة تضخم هي الأسوأ منذ عقود حيث سجل التضخم 32.7% في مارس الماضي مقتربا من أعلى مستوياته على الإطلاق، فيما "كان كعك العيد" واحدا من ضحايا هذا التضخم.
حاولت الحكومة مرارا مواجهة التضخم المرتفع تارة عبر ضخ حزم للحماية الاجتماعية وزيادة الأجور والمعاشات وتارة أخرى عبر رفع رفع أسعار الفائدة وطرح البنوك الحكومية والخاصة لشهادات ادخار بعوائد هي الأعلى في تاريخ القطاع المصرفي المصري وصلت إلى 25% في محاولة لسحب السيولة من جهة وتعويض المدخرين عن تآكل مدخراتهم بسبب ارتفاع التضخم وانخفاض سعر صرف الجنيه المصري من جهة أخرى.
ولكن هذه المحاولات لم تنجح حتى الآن في كبح جماح التضخم الذي واصل الصعود مدفوعا بارتفاع أسعار الغذاء والمواد البترولية ووسط توقعات باستمرار هذا الصعود حتى منتصف العام الجاري.
ومع تعاقب الأزمات واحدة تلو الأخرى، بدأت الحكومة المصرية مؤخرا الاتجاه نحو الاهتمام بالزراعة والصناعة للحد من عمليات الاستيراد، وكأنها قد أيقنت أن الاعتماد على الاستيراد لن يكون دائما الحل الأسهل والأسرع لسد احتياج السوق المحلية، وأنه لا بديل عن التوسع في الزراعة والصناعة ليس فقط لتوفير سلع ومنتجات محلية بأسعار مناسبة وإنما أيضا لتصدير هذه السلع وزيادة حصيلة مصر الدولارية.
وإلى ذلك الحين، ستحل علينا مناسبات وأعياد عديدة تأتي كل منها مصحوبة بزيادة في أسعار ما يرتبط بها من السلع، فبالأمس كان ياميش رمضان واليوم كعك عيد الفطر وغدا خروف عيد الأضحى.