-أزمات متلاحقة تحاصر الاقتصاد الصيني وترفع سقف المخاطر
-عوامل رئيسية تهدد حصة بكين في الاقتصاد العالمي
-إجراءات صينية تحفيزية لضبط بوصلة الاقتصاد والوصول لمعدلات النمو المستهدفة
-تحليلات تُنذر بـ "انحدار الاقتصاد الصيني".. هل تحمل نوعاً من المبالغة؟
-جيفري ساكس لـ CNBC عربية: الصين ستصبح اقتصاداً أكبر من حيث الحجم المطلق من أميركا
-التقدم الاقتصادي الصيني "أمر جيد للعالم".. والتعاون مطلوب بدلاً من الانخراط في سياسات عدائية
-عالمة سياسة بريطانية لـ CNBC عربية: الصين فقدت بعض قوتها الناعمة مع تباطؤ اقتصادها
-أستاذ في Thunderbird School لـ CNBC عربية: التوقعات المتشائمة لاقتصاد الصين "تحمل بعض المبالغات"
-تحسن مبيعات التجزئة والقطاع الصناعي يعزز توقعات نمو الاقتصاد الصيني
محمد خالد- محرر في CNBC عربية
يواجه ثاني أكبر اقتصاد في العالم مجموعة من الضغوطات المتزامنة، والتي تُبطئ بدورها رحلة التعافي بعد وباء كورونا الذي قوّض القوى الاقتصادية للصين.
بعد إنهاء القيود والتخلي عن سياسة "صفر كوفيد" قبل نهاية العام الماضي، كانت الانطلاقة نحو التعافي أبطأ من التوقعات، وهو ما عكسته عديد من المؤشرات الاقتصادية والتقارير الرسمية الصادرة في بكين، وفي ظل مجموعة من التحديات الداخلية والخارجية التي أضفت مزيداً من الصعوبات.
كانت الأنظار معلقة على العام 2023 باعتباره محطة فارقة لـ "التنين الصيني" تشهد تصحيحاً واسعاً للمسار، غير أن أداءً مخيباً للآمال في النصف الأول من العام دفع الحكومة إلى تقديم حزم تحفيزية هادفة إلى دعم القطاعات الاقتصادية الرئيسية، وبشكل خاص قطاع العقارات المتعثر والذي يواجه أزمات متلاحقة يُعدها محللون علامة أساسية على حجم المخاطر التي تجابه بكين، بما يثير مزيداً من القلق.
في الربع الأول من العام سجل الاقتصاد الصيني نمواً (أعلى من المتوقع) عند 4.5%، بينما في الربع الثاني، وطبقاً للبيانات الصادرة عن المكتب الوطني للإحصاء، فقد نما الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بوتيرة ضعيفة بنسبة 0.8% فقط، وعلى أساس سنوي نما الاقتصاد الصيني في هذا الربع بنسبة 6.3%، مقابل توقعات 7.3%، وبما دفع الحكومة الصينية إلى التدخل بحزمها التحفيزية.
ساعدت تلك الحزم في دفع الاقتصاد في الربع الثالث، وبما كشف عن بارقة أمل جديدة لتحقيق هدف النمو السنوي 5%، إذ نما الاقتصاد بنسبة 4.9% بوتيرة أسرع من المتوقع في الأشهر الثلاثة من يوليو/ تموز حتى سبتمبر/ أيلول، لكنه أقل من معدلات الربع الثاني.
فيما دفعت أزمات متلاحقة، مثل الأزمة التي يشهدها القطاع العقاري في الصين (والذي يعد قاطرة رئيسية لاقتصاد البلاد) والمؤشرات الاقتصادية المخيبة للآمال في بعض الفترات خلال العام، خاصة تلك المرتبطة بمعدلات البطالة والاستهلاك والطلب المحلي وتراجع الاستثمارات الأجنبية، إلى تصدر عناوين وتكهنات "التراجع الاقتصادي الوشيك في الصين" الواجهة، مدفوعة بتحليلات مالية واقتصادية تتداخل في بعضها الحقائق مع المبالغات أحياناً في تصوير استفحال أزمة اقتصاد بكين.
اقرأ أيضاً: الاقتصاد الصيني.. تحت ضغط تراجع الصادرات وأزمة العقارات
تُبرز عديد من تلك التحليلات الآفاق المستقبلية للاقتصاد الصيني (على المدى الطويل) وتخلص إلى ترنح نسبي محتمل لمكانة ثاني أكبر اقتصاد في العالم، والذي قاب قوسين أو أدنى من تراجع معدلات مساهمته في الاقتصاد العالمي.
في مقال له بصحيفة Financial Times البريطانية، اعتمد رئيس مؤسسة Rockefeller الدولية، روتشير شارما، على القيمة الاسمية أو الفعلية للدولار، غير المعدلة بعوامل خارجية مثل التضخم، (التي قال إنه المقياس الذي يصور بدقة القوة الاقتصادية النسبية للدولة) لتحليل النمو الاقتصادي الصيني.
وقال إنه بعد الركود في عهد مؤسس جمهورية الصين الشعبية ماو تسي تونج، انفتحت الصين على العالم في الثمانينيات، ثم انطلقت في العقود اللاحقة. وارتفعت حصتها في الاقتصاد العالمي بنحو عشرة أضعاف من أقل من 2% في العام 1990 إلى 18.4% في العام 2021. فيما لم يسبق لأية دولة أن ارتفعت حتى الآن بهذه السرعة.
اقرأ أيضاً: بالأرقام.. هل تتراجع مكانة الصين بالاقتصاد العالمي؟
ثم بدأ التحوّل (الانقلاب)؛ ففي العام 2022، تقلصت حصة الصين في الاقتصاد العالمي قليلاً. وسوف تتقلص هذه النسبة بشكل ملحوظ هذا العام لتصل إلى 17% . وهذا الانخفاض بنسبة 1.4% لمدة عامين هو الأكبر منذ الستينيات.
تهدف الصين إلى استعادة المكانة الإمبراطورية التي كانت تتمتع بها في الفترة من القرن الـ 16 إلى أوائل القرن الـ 19، عندما بلغت حصتها في الناتج الاقتصادي العالمي ذروتها عند الثلث، لكن هذا الهدف -في تصور رئيس مؤسسة Rockefeller الدولية- ربما أصبح بعيد المنال. ويعتقد بأن "انحدار الصين قد يعيد ترتيب العالم".
هل "انحدار الصين" وشيك؟!
لكنّ "انحدار الصين" على ذلك النحو، يحمل بعضاً من "المُبالغات"، طبقاً لما يؤكده الاقتصادي الأميركي البارز، البروفيسور بجامعة كولومبيا، جيفري ساكس، في تصريحات خاصة لـ CNBC عربية، والذي يرى أن "استمرار صعود الصين أمر محتمل للغاية".
ويقول: لاحظ أن حصة الصين في الاقتصاد العالمي مقاسة بـ "الأسعار الدولية" من قبل صندوق النقد الدولي، مستمرة في الارتفاع.. فبحسب بيانات صندوق النقد الدولي، فإن حصة بكين من الاقتصاد العالمي تصل إلى 18.131% في العام 2020، و18.505 % في 2021، و18.444% في 2022، و18.821 بالمئة في العام الجاري 2023، بينما في العام 2024 من المتوقع أن تسجل حصتها في الاقتصاد العالمي 19.05%، وأعتقد بأن هذا هو السيناريو الأكثر احتمالا.
اقرأ أيضاً: ما الذي يعنيه تباطؤ الاقتصاد الصيني بالنسبة للاقتصاد العالمي؟
وعليه، فإن التوقعات التي يشير أصحابها إلى انحدار اقتصادي صيني هي تقديرات مبالغ فيها "وهي على الأرجح جزء من الدعاية الأميركية"، في تقدير الاقتصادي الأميركي، والذي يشدد على أنه "لا شك أن هناك صعوبات (تواجه اقتصاد بكين)؛ مثل الديون الثقيلة في القطاع العقاري.. ومع ذلك، هناك أيضاً نجاحات هائلة؛ كما هو الحال في التقنيات الرقمية والسيارات الكهربائية".
في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، شهدت مبيعات السيارات الصينية بشكل عام ارتفاعاً بنسبة 10.2%، طبقاً لما تُظهره بيانات رابطة مصنعي السيارات، الأربعاء الماضي، والتي كشفت عن ارتفاع بنسبة 37.5% لمبيعات السيارات الكهربائية والهجينة مقارنة بالعام الماضي، وذلك من خلال 767 ألف سيارة من أصل 2.03 مليون سيارة تم بيعها خلال الشهر المذكور.
الاقتصادي الأميركي البارز، البروفيسور بجامعة كولومبيا، يؤكد كذلك أن الصين سوف تصبح اقتصاداً أكبر من حيث الحجم المطلق من الولايات المتحدة، لكنه يشير إلى أنه "عندما يقاس اقتصاد الولايات المتحدة والصين بمجموعة مشتركة من الأسعار العالمية، فإن الصين تصبح بالفعل الاقتصاد الأضخم.. وعندما يتم قياس الاقتصادات بأسعار السوق وأسعار الصرف، تأتي الصين في المرتبة الثانية".
ومع ذلك، ستبقى الصين خلف الولايات المتحدة في نصيب الفرد من الدخل لفترة طويلة؛ لذا فإن اقتصاد الصين "أكبر من حيث القيمة المطلقة، وأصغر من حيث نصيب الفرد".
ما مدى تأثير مجموعة "بريكس"؟
وحول تأثير التجمعات التي تشارك فيها الصين (مثل بريكس) وعلاقاتها مع الأطراف المختلفة (مثل روسيا) على مكانتها الاقتصادية، يشدد ساكس في معرض حديثه مع CNBC عربية، على أن مجموعة بريكس تشكل مجموعة تجارية متنامية ستتحرك خطوة بخطوة لاستبدال الدولار الأميركي بعملات دول بريكس المختلفة في ترتيباتها التجارية والمدفوعات.
علاوة على ذلك، سترفض مجموعة بريكس العقوبات الأميركية أحادية الجانب، وبالتالي تُضعف استخدام العقوبات كأداة للسياسة الخارجية الأميركية. ويردف ساكس: "وأنا شخصياً أعارض العقوبات أحادية الجانب؛ لأنني أعتقد بأنها تنتهك القانون الدولي، كما أعتقد بأن العقوبات الاقتصادية يجب أن تستخدم فقط عندما توافق عليها الأمم المتحدة".
كذلك يجيب ساكس عن سؤال "ما الذي يمكننا أن نتصوره بشأن مكانة الصين على الخريطة الاقتصادية العالمية خلال العقد المقبل؟"، بقوله : سوف تستمر (بكين) في أن تصبح أكثر أهمية. ومع ذلك فإن الاقتصاد ليس لعبة محصلتها صفر. إن التقدم الاقتصادي المستمر الذي تحققه الصين أمر جيد للعالم، وليس سيئاً له. ويجب أن نتعاون مع الصين بدلاً من الانخراط في سياسات عدائية، على حد قوله.
يتناقض ذلك نسبياً مع ما ذهب إليه الاقتصادي محمد العريان، والذي قال في مقال سابق له بصحيفة Financial Times، إن وجهات النظر التي تشير إلى أن اقتصاد الصين ربما يصبح الأكبر في العالم "تحتاج إلى إعادة النظر".
اقرأ أيضاً: محمد العريان: الصين ربما لن تصبح أبداً أكبر اقتصاد في العالم
وعلى الرغم من أن النمو الكبير الذي حققه الاقتصاد الصيني على مدار العقود الماضية ساعد بكين على أن تصبح الدولة صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم، فإن اتجاه التراجع الحالي أضعف وجهات النظر بأن الاقتصاد الصيني بإمكانه تجاوز نظيره الأميركي.
وذكر كبير الاقتصاديين لدى Allianz أنه حان الوقت للأسواق بأن تدرك أن الصين لن تعود لاقتصادها القديم، مشيراً إلى أن عودة بكين كمحرك قوي للاقتصاد العالمي غير محتملة في المستقبل القريب.
ويشار في السياق إلى تسجيل الصين عجز ربع سنوي في الاستثمار الأجنبي المباشر بقيمة 11.8 مليار دولار بين يوليو/ تموز وسبتمبر/ أيلول، وبما يعكس جانباً من الضغوطات التي يواجهها الاقتصاد، وفي ظل بيئة عمل يشكو فيها المستثمرون من تضييقات على الشركات الغربية.
أي موقع للاقتصاد الهندي على خارطة المنافسة؟
على الجانب الآخر، وفي وجهة نظر مخالف لساكس، تشير عالمة السياسة البريطانية، الأستاذة في جامعة أوكسفورد، روزماري فوت، في تصريحات خاصة لـ CNBC عربية، إلى أن "حجم الاقتصاد الصيني من المرجح أن يتفوق عليه حجم الاقتصاد الهندي في غضون سنوات قليلة، لكن البلدين سيظلان متخلفين عن الولايات المتحدة من حيث الناتج المحلي الإجمالي لبعض الوقت".
يتسق ذلك مع ما ذهب إليه مؤسسة Rockefeller الدولية في مقاله المذكور، والذي أشار إلى أنه فيما من المتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بمقدار 8 تريليونات دولار في عامي 2022 و2023 ليصل إلى 105 تريليونات دولار. ولن تحصل الصين على أي من هذه المكاسب، وسوف تمثل الولايات المتحدة 45%، والدول الناشئة الأخرى 50 %. وسوف يأتي نصف المكاسب التي ستحققها الدول الناشئة من خمسة فقط من هذه البلدان، وهي (الهند وإندونيسيا والمكسيك والبرازيل وبولندا). وهذه علامة صارخة على تحولات محتملة في المستقبل.
وتشير فوت، إلى أن الصدمات الاقتصادية التي تعاني منها الصين "حقيقية"؛ خاصة المشاكل التي تواجهها سوق الإسكان (قطاع العقارات) هناك، علاوة على مديونية الحكومات المحلية، مردفة: "أعتقد بأن الصين فقدت بعض قوتها الناعمة؛ بسبب تباطؤ اقتصادها، والطريقة التي تعاملت بها مع جائحة كوفيد، وعدم قدرتها على تنفيذ الإصلاحات الجذرية التي قد تكون ضرورية لإنعاش اقتصادها".
وسوف يستمر اقتصاد الصين في النمو، لكن قدرته على الخروج من فخ "الدخل المتوسط" ستكون صعبة، بحسب عالمة السياسة البريطانية، الأستاذة في جامعة أوكسفورد، روزماري فوت، في تصريحاتها لـ CNBC عربية.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، رفع صندوق النقد الدولي، توقعاته لنمو الاقتصاد الصيني في 2023 إلى 5.4%، بدعم من انتعاش الاستهلاك، فضلاً عن إجراءات الدعم الحكومي الأخيرة، التي أنعشت الاقتصاد، وذلك مقارنة بتوقعات سابقة بنمو 5%. كما رفع الصندوق توقعاته للنمو في 2024 إلى 4.6% من 4.2% في تقديراته السابقة.
وبدعم من تحسن مبيعات التجزئة والقطاع الصناعي، رفعت Citigroup توقعاتها لنمو الاقتصاد الصيني من 4.7% إلى 5% خلال العام الجاري. كما تشير توقعات البنك الدولي إلى نمو الاقتصاد الصيني بنسبة 5.1% في 2023.
تحديات حقيقية.. أم مبالغة مقصودة؟
"إن التحديات التي تواجهها الصين حقيقية، ولكن أعتقد بأن مسارها كقوة اقتصادية لا يزال إيجابياً".. هذا ما يؤكده لدى حديثه مع CNBC عربية، الأستاذ في Thunderbird School للإدارة العالمية، جوناس غامسو، المتخصص في دراسات التجارة الدولية، والمساعدات الخارجية، والاستثمار الأجنبي.
ويضيف غامسو: "ظلت الصين أكبر مصدر في العالم، وثاني أكبر مستورد، وثاني أكبر دولة من حيث الناتج المحلي الإجمالي في العام 2022.. أما الدول الكبرى التالية بعد الصين في كل فئة فهي متخلفة كثيرًا عنها".
ومع ذلك، فقد تباطأ المسار الاقتصادي التصاعدي في الصين بعض الشيء، حتى أن تدويل عملتها قد توقف كما يبدو، وتشير التوقعات الأخيرة إلى أن الأمر سوف يستغرق وقتاً أطول مما كان متوقعاً في السابق حتى تتمكن الصين من تجاوز الولايات المتحدة في إجمالي الناتج المحلي الإجمالي.
ويعتقد الأستاذ في Thunderbird School للإدارة العالمية، بأنه "من المؤكد أن جائحة كوفيد-19 وعمليات الإغلاق اللاحقة، فضلا عن أزمة إيفرغراند، أثرت على اقتصاد الصين بالسلب.. وسيتطلب تصحيح المسار سياسات حكومية مدروسة للمضي قدماً"، مردفاً: "ولكنني أرى أن هذه التحديات يمكن التغلب عليها من خلال المجموعة الصحيحة من استراتيجيات السياسات الاقتصادية.
وتعاني سوق العقارات في بكين من ضغوطات هائلة تتردد أصداءها منذ أكثر من عامين، في ضوء ارتفاع المديونية وخفض التصنيف.
"إنها إذن تحديات حقيقية، لكن التوقعات المتشائمة التي أطلقها بعض المحللين هي في رأيي مبالغات.. وقد يكون الاستثناء هو الشيخوخة السكانية في الصين، ويشكل هذا تحدياً بنيوياً كبيراً، وله عواقب اقتصادية كبيرة، ولا يبدو أن حله السياسي سهلاً، وهذا لا يعني بالضرورة أن هذا سوف يؤدي إلى تراجع الصين، ولكنه يشكل تحدياً أصعب من التحديات الأخرى".
وفي تحليل الأستاذ في Thunderbird School ، فإنه من المحتمل أن تتفوق الصين على الولايات المتحدة في إجمالي الناتج المحلي الإجمالي في غضون العقد المقبل أو نحو ذلك، ولكنها أبعد كثيراً من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، متفقاً في ذلك مع تحليل ساكس.
لذا، فرغم أن السوق الصينية قد تصبح قريباً الأقوى اقتصادياً من حيث صافي القيمة، فإنها من المحتمل أن تتخلف عن الولايات المتحدة لفترة طويلة قادمة من حيث نصيب الفرد من الاستهلاك.
وهناك أيضاً عوامل أخرى تشكل أهمية كبيرة عندما ننظر إلى القوة الاقتصادية النسبية التي تتمتع بها الولايات المتحدة والصين؛ على سبيل المثال، أدت مبادرة الحزام والطريق الصينية إلى توسيع البصمة الاقتصادية للصين إلى حد كبير، بحيث تنفذ البنوك الصينية المملوكة للدولة قدراً كبيراً من الإقراض المباشر أكثر مما تفعله حكومة الولايات المتحدة، حتى مع تقدم الولايات المتحدة بفارق كبير من حيث الإقراض من خلال المؤسسات المالية الدولية التي يوجد مقرها في واشنطن، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، حيث تعد الولايات المتحدة أقوى دولة فيها.
لذا، فرغم أن الصين ستتفوق على الولايات المتحدة في بعض المؤشرات، إلا أن الطريق أمامها طويل قبل أن نتمكن من القول إنها تفوقت على الولايات المتحدة لتصبح القوة الاقتصادية الأولى في العالم.
ومن المهم أيضاً أن نفهم أن هناك مؤشرات أخرى مهمة للزعامة العالمية ليست اقتصادية بحتة، مثل القوة العسكرية، والإبداع التكنولوجي، والقوة الناعمة. وهذه هي المجالات التي تتمتع فيها الولايات المتحدة بتقدم مريح إلى حد ما، على الأقل في الوقت الحالي.
ويتابع غامسو: "تعمل الصين على تشكيل علاقات مع قوى السوق الناشئة غير الغربية، من أجل تأمين الوصول إلى هذه الأسواق وتعزيز مكانتها كلاعب جيوسياسي رئيسي.. وتوفر هذه العلاقات للصين القدرة على الوصول إلى الموارد الرئيسية، فضلاً عن الوصول إلى أسواق منتجاتها ومستثمريها، وهو ما من شأنه أن يجعل الاقتصاد الصيني أكثر مرونة في مواجهة الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لفصل اقتصاد البلدين".
ومع ذلك، فإن هذه الاستراتيجية تحمل بعض المخاطر، حيث قد تتعارض الصين مع دول بريكس الأخرى، التي قد تشعر بالتهديد الشديد من قوة الصين، أو قد تواجه تلك الدول ببساطة انكماشًا اقتصاديًا، مما يضعف قيمتها بالنسبة للصين كشركاء.
وتبعاً لتلك المعطيات فإنه "سوف تستمر الصين في كونها القوة الصاعدة الأكثر أهمية والأقرب إلى الولايات المتحدة من حيث الثقل الاقتصادي الخالص.. وبينما تواصل الصين جهودها للتحول إلى اقتصاد أكثر توجهاً نحو الاستهلاك وارتفاع الدخل، فمن المرجح أن تركز بشكل أكبر على التكنولوجيا، والطاقة الخضراء، وزيادة الاستهلاك المحلي".
ويضيف الأستاذ في Thunderbird School للإدارة العالمية في ختام حديثه مع CNBC عربية: "أعتقد بأن الصين ستبذل بعض الجهود لتعزيز مكانتها كزعيم عالمي في مجالات مثل تغير المناخ ومن حيث العمل كوسيط لحل النزاعات الجيوسياسية للدول الأخرى (كما رأينا مع السعودية وإيران). ومن المهم أن نلاحظ أن جهود الصين في هذا الصدد قد تتعرض للتحدي إذا تدهورت علاقتها مع الولايات المتحدة أو غيرها من القوى الكبرى ــ وهو الأمر الذي لا يقع بالكامل تحت سيطرة بكين".