بقلم أحمد عزام
محلل أول لأسواق المال في مجموعة إكويتي

 

 

كانت الأشهر الستة الأولى من عام 2023 مليئة بالأحداث بالنسبة للأسواق المالية، من ارتفاع أسهم التكنولوجيا في قطاع الذكاء الاصطناعي، وتراجع أسواق السلع، وعودة العملات الرقمية إلى التريليون دولار كقيمة سوقية، إلى أسوأ انهيار مصرفي منذ انهيار بنك ليمان براذرز. كما كانت أسعار الفائدة المرتفعة ومواجهة سقف الدين ومحاولة كبح جماح التضخم العناوين العريضة. 

وارتفعت قيمة الأسهم العالمية بنسبة 12% أو 6 تريليون دولار، بفضل أدوات الذكاء الإصطناعي والتي شهدت طفرة دفعت عمالقة التكنولوجيا الكبيرة بارتفاع بنسبة 70%.

وحققت آبل ومايكروسوفت وألفابيت وأمازون ونتفلكس مكاسب بنسبة 35%-50%، بينما تضاعفت كل من ميتا وتسلا، أما نفيديا ارتفعت بنسبة 180% لتدخل نادي التريليون دولار من ناحية القيمة السوقية. مما دفع مؤشر ناسداك 100 الأميركي ليقدم أفضل أداءً عالميًا في النصف الأول من عام 2023، حيث ارتفع بنسبة 36%، وهو أفضل أداء له منذ النصف الثاني من عام 1999 قبل انفجار فقاعة دوت كوم.
وكان مؤشر نيكاي الياباني أحد نجوم الأداء في النصف الأول بارتفاع بمقدار 16% مقابل الدولار الأمريكي و26% مقابل الين الياباني. 


أسعار الفائدة


جهود البنوك المركزية كانت منصبة لمحاولة كبح جماح التضخم، حيث اتجهت لرفع الفائدة في دورة تشديد السياسة النقدية الأكثر عدوانية من الاقتصادات الكبرى.
كان هناك ما يقرب من 90 زيادة في أسعار الفائدة هذا العام من قبل البنوك المركزية على مستوى العالم مقابل 17 تخفيضًا فقط. إذا تمت إضافة إجراءات معدل العام الماضي أيضًا، فسيصل ذلك إلى ما يزيد قليلاً عن 470 رفع فائدة، مقارنة بـ 1202 تخفيضًا منذ الانهيار المالي العالمي في عام 2008.

هذا ورفع مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي أسعار الفائدة بمقدار 500 نقطة أساس من ما يقرب من الصفر العام الماضي، ورفع البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة بمقدار 400 نقطة أساس، وقام العديد من اقتصادات العالم النامي بما هو أكثر من ذلك بكثير.

وارتفعت عوائد سندات الخزانة لمدة عامين، والتي تعتبر شديدة الحساسية لتحركات بنك الاحتياطي الفدرالي، من 4% إلى 5% في فبراير، فقط لتهبط مرة أخرى إلى 3.5% عندما انهار بنك سيليكون فالي. وطالب بنك سويسرا انقاذ طارىء للبنك العملاق كريدي سويس البالغ من العمر 167 عاماً من قبل بنك يو بي اس.


السلع الرقمية وسلع الطاقة


وفي أسواق العملات الرقمية، انتعشت عملة البتكوين مرة أخرى بقوة، حيث ارتفعت بأكثر من 80٪ من قاع انهيار منصة FTX.

كما أن الاهتمام من عمالقة وول ستريت، بما في ذلك بلاك روك وسيتادل وتشارلز شواب وفيداليتي، غذى مكاسب مجتمع العملات الرقمية، على الرغم من أن المنظمين الأميركيين بقيادة هيئة الأوراق المالية والبورصات اتجهوا لمقاضاة البورصات العملاقة مثل بينانس وكوين بيس.

وبينما أدى انخفاض أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا بنسبة 51%، وأسعار النفط بنسبة 13%، والانخفاضات الحادة في القمح والذرة إلى تغذية الآمال بانخفاض التضخم العالمي، سجل التضخم الذي انخفاضات من الذروة من جميع الاقتصادات العالمية إلا أن التضخم الأساسي "الذي يستثني الغذاء والطاقة" لا يزال ضمن المتوسطات المرتفعة.


ما نحتاج معرفته عن النصف الثاني في عام 2023


لقد أثبت الاقتصاد الأميركي مرونته في مواجهة تشديد السياسة النقدية الصارمة للاحتياطي الفدرالي، حيث يتجنب الاقتصاد حالياً دخول مرحلة الركود في عام 2023. ويبدو أن الركود هو سيناريو أقل ترجيحاً هذا العام بناء على أرقام الناتج المحلي الإجمالي، إلا أن المخاوف الاقتصادية لم تختف بعد خاصة مع استمرار الفجوة بين عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل عامين و 10 أعوام والذي سجل أكبر مستوى منذ عام 1981.

إن احتمال حدوث هبوط ناعم قد تحول من سيناريو غير محتمل في وقت مبكر من العام إلى احتمال كبير الآن، حيث أن التضخم قد سجل تباطؤ من الذروة 9.1% إلى 4.0%، هذا السيناريو الإيجابي قد يتبخر في أي وقت إذا جاءت بيانات التضخم والوظائف مخيبة للآمال، إلا أن التضخم الأساسي لا يزال ضمن متوسطات عالية، وتجعل الأراء تتمحور على أنه تضخم راسخ.

وأظهر إصدار الجمعة الماضي لبيانات نفقات الاستهلاك الشخصي لشهر مايو، وهو مقياس التضخم المفضل لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي، ارتفاع الأسعار بنسبة 3.8% على أساس سنوي. وقد انخفض من 4.4% في أبريل وكان أدنى معدل له منذ أبريل 2021.

هذا وتُسعّر السوق حاليًا ما يقرب من 88% باحتمال رفع الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في شهر يونيو، تستمد الأسواق ذلك التوقع من نبرة رئيس الفدرالي جيروم باول والذي أشار إلى امكانية رفع الفائدة مرتين لإنهاء دورة تشديد السياسة النقدية. 

إذا كان التاريخ دليلاً، ومن مبدأ التاريخ يعيد نفسه، فقد تمنح البداية القوية للأسهم رياحًا خلفية في النصف الثاني. فمنذ عام 1945، استمر مؤشر S&P 500 في الصعود بمعدل 8% في النصف الثاني من العام عندما ارتفع بنسبة 10%  على الأقل في الأشهر الستة الأولى. إلا أن التاريخ قد لا يحمل الديمومة، حفنة من شركات التكنولوجيا العملاقة كانوا قائدون للمؤشر، لذلك قد يثير المخاوف إلى أن المكاسب لن تكون مستدامة إلا في حال انضمام الأسهم ذات القيمة السوقية المنخفضة إلى طريق الثيران.

لذلك فيما لو استمر الفدرالي بدورة تشديد السياسة النقدية إلى المستويات المتوقعة حول 5.6%، ذلك قد يعطي بعض التداولات السلبية للذهب وأسهم التكنولوجيا في منتصف العام الثاني، بالإضافة إلى قوة الدولار الأميركي. وقد يكون تحرك بنك اليابان سواء كان بتدخل مباشر من بنك اليابان أو بتعديل السياسة النقدية التسهيلية، مما قد يعطي بعض الارتياح الإيجابي لتداولات الين الياباني.