بقلم ندى عبد السلام

مراقبة أسواق/ مراسلة في CNBC عربية

 

 

هي نار قد يختارها البعض بإرادتهم حتى تحرقهم ببطء وترسم لهم نهاية سوداء.. فـسواء كان متاجرا بها أم متعاطيا لها، ستطالُه نارها -بلا أدنى شك-.

ولسنا هنا ببعيدين عن عملية أو بالأدق غارة جوية -نُسِبَت إلى الأردن من دون أي تأكيد رسمي- على جنوب سوريا وتحديدا قرية الشعاب في ريف السويداء مطلع شهر مايو  أيار الجاري، وطالت تاجر ومهرب مخدرات يُدعى مرعي الرمثان وعائلته.

لكن هل تكون تلك العملية وغيرها بمثابة ردع للآخرين؟ وهل تتراجع عمليات تهريب المخدرات -سيما الكبتاغون- والتي اتسعت دائرتها في كثير من دول منطقة الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، خاصة تلك التي تشهد توترات سياسية أو أمنية أو حتى اقتصادية؟ وكيف؟ ومتى؟


سوريا.. كلمة السر


غرقت سوريا في نزاع سياسي وأمني منذ 2011، وتغيرت خارطة البلد وتجزأت أراضيه بين أطراف وقوى عدة، وهنا أصبحت سوريا جراء اقتصاد الحرب والعقوبات المفروضة عليها مركزا رئيسيا لشبكة عنكبوتية تمتد خيوطها لدول الجوار والمنطقة ومنها لبنان والعراق وتركيا والأردن وصولا إلى دول خليجية وحتى إفريقية وأوروبية.

هذه الشبكة تتداخل فيها علاقات تجارية وعشائرية ومصالح مشتركة بين تجار المواد المخدرة تتخطى حدود الدول.

ومن هنا، أصبحت محافظات سورية، كالسويداء ودرعا في الجنوب طرقا أساسية لحبوب الكبتاغون -بصفة خاصة- نحو الأردن وغيره، وفق تصريحات سابقة لخبراء أمنيين.


الكبتاغون.. تجارة غير قانونية تتجاوز قيمتها مليارات الدولارات!!


وفق بعض التقديرات غير الرسمية، فإن قيمة تجارة الكبتاغون في سوريا تفوق الــ 10 مليارات دولار، وهو ما يمثل نحو ضعف ميزانية البلد للعام 2023 التي تتجاوز الـ 5  مليارات دولار وفق سعر الصرف الرسمي المعلن حينها.

لكن وبحسب تقرير صدر في شهر إبريل نيسان من العام الماضي عن New Lines Institute، فإن تجارة حبوب الكبتاغون المخدرة في الشرق الأوسط انتشرت بشكل كبير سيما في العام 2021، واستنادا إلى احتساب قيمة مضبوطات فقط، فإن القيمة المحتملة لتجارة التجزئة في ذاك العام قدرت بأكثر من 5.7 مليار دولار مقارنة بقرابة 3.5 مليار دولار عام 2020، علماً أن الحسابات تعكس قيمة سعر التجزئة للحبوب المخدرة التي جرت مصادرتها فقط، والتي حددها التقرير بأكثر من 420 مليون حبة.


الأردن.. ترانزيت


حدود الأردن مع سوريا تمتد إلى نحو375  كيلومترا، تلك المسافة  كانت كفيلة أن تحوله إلى طريق "ترانزيت" لتهريب الكبتاغون وغيره من أنواع أخرى للمخدرات المُصنعة في سوريا ومن ثم تُصدر بشكل غير شرعي إلى دول عدة منها الدول الخليجية.

ومنذ العام 2014، تنشط الجهود الأردنية للحد من التهريب عبر الحدود. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فخلال45  يوما فقط من العام 2022 تم إحباط محاولات لإدخال أكثر من 16 مليون حبة كبتاغون، وهو ما يعادل الكمية التي تم ضبطها طوال 2021.

ومن جهة أخرى، وبحسب تقديرات رسمية أردنية سابقة، فإن 85 % من المخدرات التي تضبط معدة للتهريب خصوصا جنوبا إلى السعودية ودول الخليج.


لبنان على الخط


الحدود اللبنانية السورية أيضا لطالما شكلت مسارا لتهريب البضائع والسلع بشتى أنواعها، هذا المسار دائما ما يواجه بعمليات ملاحقة سيما على حدود لبنان الشرقية. إلا أن لبنان الذي يعاني مشاكل اقتصادية أيضا ربما تعرقل جهوده  الرسمية في هذا الشق أو تحد منها.


دول الخليج.. وجهة أساسية


البوصلة تشير هنا بشكل رئيس إلى المملكة العربية السعودية، والتي منذ سنوات وبانتظام، تعلن عن ضبط كميات من الكبتاغون تأتي وسط شحنات وبضائع، لا سيما الفواكه والخضار.

وكان أحدث هذه المحاولات في إبريل نيسان الماضي، حينما أعلنت السعودية إحباط تهريب نحو 13 مليون حبة من مادة Amphetamine، التي تستخدم في تصنيع الكبتاغون، مخبأة في شحنة فاكهة رُمان عبر ميناء جدّة، والقبض على أربعة أشخاص متورطين.


حتى العراق يعاني ويقاوم


الأمر لا يقتصر فقط على الدول الخليجية، لكن كما أوردنا يمتد إلى دول عربية وإفريقية عدة.

هنا نستعرض بعض الأرقام، تكشف بشكل أدق عن الواقع على الأرض، وما يشكل في السنوات الأخيرة تحديا للجهات الرسمية باعتبار أن العراق أصبح بيئة مستهلكة ومحطة عبور في آن واحد، وكذلك نظرا لأن تأثير التهريب للمخدر ليس من سوريا فقط وإنما بإضافة خانة إيران للمعالة أيضا وما يعرف بمادة الكريستال المخدرة.


بيانات رسمية عراقية


-ضبط مخزن من الحبوب المخدرة بداخله 12 مليون حبة مخدرة في بغداد وتوقيف 6 أشخاص.

-ضبط أكثر من 3 ملايين حبة من الكبتاغون على الحدود مع سوريا مخبأة داخل صناديق تفاح.

-ضبط طائرة شراعية محملة بنحو مليون حبة كبتاغون قرب الحدود مع الكويت.


جهود أمنية.. ولكن!


بداية، نوضح أن البيانات الرسمية هنا لا تعبر بدقة حتى عن حقيقة الأرقام على أرض الواقع، لأنه وببساطة ما يتم ضبطه ليس سوى رقم بسيط من الإجمالي، وفق ما يرى بعض الخبراء.

في العام 2021، صادرت دول عدة أكثر من 400 مليون حبة كبتاغون، كما ذكرنا سالفا.

وبحسب إحصاء لوكالة AFP، وصل عدد الحبوب المصادرة في المنطقة ككل منذ بداية عام 2022 وحتى سبتمبر أيلول من العام نفسه إلى أكثر من 250 مليون حبة.


عنصر "الإبداع " في عمليات التهريب


كثيرا ما تستخدم الخضروات والفواكه لإخفاء حبوب الكبتاغون وتهريبها، وحتى داخل بعض المواد المصنعة من البلاستيك. فأحيانا تُخبئ في معجون الطماطم، في ثمار الرُمان، وحتى في حبوب الزيتون.

وأحيانا أخرى، ضمن مواد بناء، أو ألواح حديدية أو خشبية.

وفي سبتمبر أيلول من العام الماضي، أعلنت السلطات السورية أنها صادرت 24 كيلوغراما من حبوب الكبتاغون صُنّعَت على شكل أطباق فخارية مغلفة.


هل تجتث سوريا جذور الكبتاغون؟


في عَمّان وتحديدا مطلع شهر مايو أيار الحالي، وضمن خطوات إعادة العلاقات العربية مع سوريا، جرى اجتماع ضم وزراء خارجية الأردن وسوريا والعراق ومصر والسعودية. ونص بيانه الختامي -وفق الخارجية الأردنية- على "تعزيز التعاون بين سوريا ودول الجوار والدول المتأثرة بعمليات الاتجار بالمخدرات وتهريبها عبر الحدود السورية".

وجاء في البيان نصا: أن سوريا "ستتعاون مع الأردن والعراق في تشكيل فريقي عمل سياسي/ أمني لتحديد مصادر إنتاج المخدرات في سوريا وتهريبها، والجهات التي تنظم وتدير وتنفذ عمليات تهريب عبر الحدود مع الأردن والعراق، واتخاذ الخطوات اللازمة لإنهاء عمليات التهريب".

لكن الطريق وعلى ما يبدو ليس سهلا! فقبل وقت قصير فقط وتحديداً في شهر إبريل نيسان الماضي فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على اثنين من أبناء عمومة الرئيس السوري بتهمة تهريب الكبتاغون.

فمتى من المتوقع اجتياز خط التماس وقطع أوصال هذه الشبكة العنكبوتية؟!