بقلم: نهى علي
ما هو حجم المسؤولية الواقعة على كاهل التربة من حيث التسبب بزيادة مستويات الدمار أثناء حدوث زلزال؟
هذا التساؤل يجرنا لإجراء مقارنات حول النقاط المشتركة بين زلزال تركيا في السادس من فبراير/ شباط 2023، مع الذي حدث في النيبال في أبريل/ نيسان من العام 2015، باعتبار أن شدة الزلزالين متشابهة.
حتى على مستوى العمق، كانت الأرقام متقاربة بحدود 15 إلى 17 كم ، لكن الملفت العدد الكبير لضحايا زلزال تركيا وحجم الدمار الهائل بالمقارنة مع الذي حدث في النيبال قبل ثماني سنوات.
أرجع الخبراء الأسباب، إلى أن الاهتزازات عالية التردد كانت بمستويات أقل في النيبال، ولأن المباني أقصر، تعرضت لدمار أقل من زلزال تركيا، باعتبار أن الموجات الزلزالية تنتقل بشكل مختلف حيث تتحرك ببطء أكبر في الرواسب الرخوة، وبسبب محافظتها على طاقتها تزداد السعة التي تطالها حيث أنه كلما اختلفت تضاريس المنطقة جيولوجياً ، تتشتت قوة الزلزال ، بينما مع القشرة الصخرية الصلبة الواسعة الامتداد، فسوف يتردد صدى الموجات، ويمكن أن تسافر لمئات الأميال.
وكلما كان الزلزال أقل عمقاً زاد احتمال حدوث الضرر لأنه أقرب للسطح.
لكن تجارب التاريخ قد تمنحنا صورة أوضح، وعليه لنعد لعدة عقود إلى الوراء، وتحديداً إلى زلزال "هانشين" في اليابان في يناير/ كانون الثاني من العام 1995، الذي وصلت شدته إلى 7.3 على مقياس ريختر إذ تجاوز ضحايا ذلك الزلزال 6400 إنسان.
وطال التدمير كذلك الطرق والأبنية المكتبية بيد أن المفاجأة أن برج المعبد "توجي" الذي يتألف من 5 طوابق، بقي دون أذى، بالرغم من أن الزلزال أدى لانهيار عدة أبنية عدد طوابقها أقل من ذلك المعبد، وفي ذات المنطقة.
الملفت بالأمر أن الأبنية الحديثة المبنية على أسس مقاومة الزلازل، لم تصمد ونجا بناء المعبد الخشبي القديم جداً.
تبين بعد القيام بعدة دراسات، أن الدعامة المركزية هي التي أبقت البناء سالماً، أصل تلك الدعامة من شجرة هينوكي، التي تعود للعام 600 ميلادي، التي ساعدت هيكل المعبد على التماوج بحركة مشابهة لحركة الثعبان مما منع انهياره.
أي أن اعتماد المرونة أمنت السلامة للبناء وليس الكتلة الإسمنتية الثقيلة.
وعليه نرى أن الأبنية اليابانية التقليدية، ركزت على فكرة المرونة ، مع تضافر عدة عوامل أخرى في مقاومة هذه الأبراج للزلازل، منها كون البناء مصنوعاً من الخشب وشبيهاً بالمكعب، إضافة للدور المهم لأطراف السطح الواسعة.
يشير خبير الإنشاءات في جامعة طوكيو "جن ساتو" أن المبنى لا ينهار إذا كان بإمكانه امتصاص أكبر قدر ممكن من الطاقة الزلزالية، من خلال ما يسمى بالعزل الزلزالي.
أي أن تثبت المباني والهياكل الإنشائية، على حوامل تتحمل الصدمات أو تمتصها، بأسطح بسيطة التكوين لدرجة أنها مجرد كتل من المطاط بسماكة بين 30 و50 سنتيمتراً.
وبسبب التاريخ المديد من الزلازل المدمرة في اليابان، يوجد في ذلك البلد بعض من أكثر المباني مرونة بالعالم بقدر يجعلها تصمد في وجه الزلازل والسر هو في قدرتها على التمايل عندما تهتز الأرض من تحتها.
في مبنى "سكاي تري" في طوكيو، الذي يعد من ضمن الأبراج الأعلى بالعالم، استخدمت التصميمات المعتمدة على المعابد التقليدية المعروفة باسم باغودا، أي أن يكون هناك عمود مركزي مرتبط بصمامات زلزالية يمكنها مجتمعة امتصاص الطاقة التي يولدها الزلزال .
وفي إطار متصل يشير الخبراء إلى أن المطلوب بالحالة المثالية، أن يكون المبنى متناسق ومنتظم بقدر الإمكان، بمعنى أن يكون لكل الطوابق الارتفاع نفسه، وأن تتوزع الأعمدة على شكل شبكة تفصلها مسافات متساوية.
وبالعودة إلى زلزال السادس من فبراير / شباط المدمر في جنوب تركيا، لا بد من التركيز على التعلم من الأبنية التي بقيت صامدة في الوقت الذي انهارت بجوارها مبانٍ بكتل مختلفة أي أن الأبنية الناجية قد تحمل بعضاً من الإجابات، لتلافي خسائر البشر والحجر جراء كوارث الطبيعة.