مازن سلهب
المؤسس والمدير التنفيذي - ماس للاستشارات
ليست المشكلة أن منظمة أوبك وشريكها الروسي خفضوا إنتاج النفط بأكثر من 1.5 مليون برميل يومياً حيث سيبدأ تنفيذ القرار الشهر القادم، لكن المشكلة هي في أسباب هكذا قرار، الذي أقل مايمكن القول عنه أنه فاجئ الكثيرين.
قد يكون قرار أوبك وتدخلها لامفر منه كما أوضحنا سابقاً لأن تراجع النفط القوي والسريع منذ منتصف العام الفائت عندما وصل سعر خام غرب تكساس الخفيف إلى 119$ للبرميل ليغلق نهاية العام الفائت عند 74$ تقريباً بخسارة 40% تقريباً، هكذا وضع كان سيترك أوبك حائرةً في خياراتها وخاسرةً للكثير من إيراداتها، بمعنى أن التخفيض قد يكون إيجابياً للأسعار لفترة قصيرة "معروض أقل فيرتفع السعر ".
لكن مربط الفرس كما يقال هو في الاستهلاك العالمي وآفاق نمو الاقتصاد في 2023/2024 وهو أساساً مادفع الأسعار للتراجع، في الوقت الذي كان فيه الرهان على نمو الصين غير كاف للأسواق بل قرأته الأسواق بأسرع من الواقع "سعّرت الارتفاع قبل أن يصبح واقعاً".
لنحاول فهم الاتجاه العام للنفط في معادلة العرض والطلب العالمي، من خلال أكبر الدول المستهلكة للنفط ومن فعلاً قاد نمو الاقتصاد العالمي في 2022 لأن هكذا أرقام ستعطينا فكرة عمن يمكن أن يؤثر في مستوى الأسعار وهل حقاً أكبر الدول المستهلكة في العالم هي من يقود النمو العالمي.
أكبر المستهلكين في العالم، أميركا 20 مليون برميل يومياً، الصين 13 مليون برميل يومياً، الهند 4.4 مليون برميل، اليابان 4 مليون برميل، روسيا 3.6 مليون برميل، السعودية 3.3 مليون برميل، البرازيل 2.9 مليون برميل وكوريا الجنوبية 2.6 مليون برميل وفقاً لعدة مصادر.
ووفقاً لـ غلوبال فايننس، فإن الهند حققت النمو الأفضل بين الكبار بنسبة 8.2% في 2022 وتليها السعودية مع نمو قوي بنسبة 7.6%، بينما انكمش الاقتصاد الروسي بنسبة -8.5% , ونمت الصين 4.5% وأميركا 3.7%.
يستهلك العالم 100 مليون برميل نفط يومياً تقريباً يأتي ثلثها من دول منظمة أوبك.
لابد من توضيح عدة نقاط هامة :
أولاً:
لا تأخذ أوبك بعين الاعتبار مستويات التضخم العالمي بل تركز على براغماتية إيراداتها واستقرار سعر النفط، الارتفاع السريع ليس هدفاً لأوبك بل الاستقرار عند مستويات مقبولة بمعايير تكلفة الإنتاج لدولها.
ثانياً:
ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي تنزعج فيها أميركا من هكذا قرارات لأن صدام المصالح بين الإدارة الأميركية وبين مصالح أوبك مستمر.
بين أميركا التي تريد أسعاراً أقل لتخفيض التضخم وكسب ود المستهلك الأميركي الذي هو الناخب لاحقاً، وبين دول منظمة أوبك التي لاتزال تعتمد بشكل كبير على إيرادات النفط في دعم ميزانيتها والانفاق على مشاريعها.
ثالثاً:
التحول إلى الطاقات البديلة يحصل حالياً، ولكن الحسابات بين الواقع والتكلفة قد تكون لصالح البقاء على الطاقات التقليدية نسبياً وبالتالي التحول سيستمر ولكن ببطئ وتكلفة عالية للغاية ولا نعرف إذا تغيرت الإدارة الأميركية بعد عامين من الآن كيف سيكون مصير هكذا مبادرات لأن الجمهوريين غير متشجعين على مبادرات الطاقة المتجددة ولا يدعموها سياسياً ومالياً كما يريد الديمقراطيين.
الأسئلة المهمة الآن:
أولاً: ماهو السعر العادل للنفط الذي يريح الجميع بين المنتجين والمستهلكين؟
ثانياً: هل حقاً ارتفاع النفط في الأيام الأخيرة سيرفع التضخم العالمي الذي هو أصلاً مرتفع الى أعلى مستوى في 40 عاماً؟
في معادلة السعر العادل يجب أن نأخذ بعين الاعتبار نقطتين، الأولى هي تكلفة إنتاج البرميل النهائية والثانية هي السعر العادل لميزانيات هذه الدول، إذاً لايكفي أن يرتفع سعر برميل النفط لأنه قد لا يغطي على عجز الميزانيات في بعض الدول وبالتالي لا نصل إلى معادلة مالية بالكامل.
عموماً دون الدخول في التفاصيل تبقى دول منظمة أوبك الأدنى في تكاليف الإنتاج والتي يمكن أن تتراواح بين 10$ / 20$ للبرميل في السعودية وصولاً إلى 90$ للبرميل في استخراج النفط من البحار ومحطات الأوفشور وفقاً لعدة مصادر.
وبالعودة الى الدول المستهلكة، لايمكن لمنظمة أوبك الرهان على ارتفاع صاروخي للأسعار لأن النمو قد يتراجع في النصف الثاني من 2023 وبالتالي نعتقد أن الأسعار قد تستقر قريبة من 75$ / 85$ لللبرميل اذا لم يطرأ أي حدث جديد في الأشهر القادمة، وبالتالي كان قرار أوبك ضربة استباقية قد تتغير لاحقاً.
وفي جوابنا على السؤال الثاني، لايتكون مؤشر التضخم من أسعار الطاقة لوحدها، وبالتالي إلقاء اللوم على قرار أوبك هو كلام سياسي أكثر من كونه واقعي لأن الوقود الذي يباع في المحطات يتكون من تكاليف التوزيع والضريبة والنقل وهذا يمكن أن يتم النقاش حوله.
تبقى تكاليف الإسكان هي الأعلى في مؤشر التضخم ومن ثم تأتي تكاليف الغذاء والنقل الذي بدوره يتأثر بارتفاع أسعار الطاقة.
سيعتمد ارتفاع التضخم أساساً على مدة بقاء أسعار النفط مرتفعة بعد قرار أوبك "خام غرب تكساس الخفيف اليوم عند 80$ للبرميل، خام برنت 84.7$" اذاً ليست أسعار الطاقة هي العامل الوحيد المؤثر في التضخم عموماً ولاننسى أسعار الفائدة المتدنية التي ضخت تريليونات الدولارات إلى الأسواق في السنوات الأخيرة وهذا كله سيكون له ثمن.
وفقاً لأرقام اللجنة الأميركية لتداول السلع والعقود الآجلة كان الرهان على ارتفاع النفط في أدنى مستوياته في عقد كامل قبل قرار أوبك، كما أن المضاربون رفعوا من رهان البيع الى أعلى مستوى في 4 سنوات وهذا يفسر أن قرار أوبك أزعج الكثير ممن راهن على تراجع النفط سواءً كانوا شركات أو مستثمرين، وبالطبع سيكون هناك فائزون غير أوبك من القرار وهي أسهم شركات الطاقة التي ستستفيد من هكذا قرار.