بقلم فاروق يوسف

مراسل CNBC عربية في القاهرة

 

أكثر من 14 مليون مصري يعيشون خارج حدود مصر بعد أن سافروا إلى شتى بقاع العالم بحثاً عن لقمة العيش وعن مستقبل أفضل لهم ولأبنائهم.  

اعتاد المصريون العاملون في الخارج على تحويل جزء من رواتبهم ومدخراتهم الى مصر لمساعدة ذويهم على سد حاجات المعيشة في وقت تفاقمت فيه الضغوط الاقتصادية في مصر وشهدت مستويات تضخم غير مسبوقة وتراجعت العملة المحلية إلى أدنى مستوياتها على الاطلاق. 

وبينما تعاني مصر نقصاً شديداً في العملة الأجنبية أصبحت مدخرات المصريين في الخارج هدفاً لمبادرات كثيرة طرحتها الحكومة المصرية مؤخراً لحشد هذه المدخرات وجذب المزيد من السيولة الدولارية. 

الأزمة التي بدأت منذ مارس آذار 2022، دفعت تحويلات المصريين بالخارج إلى الانخفاض التدريجي حيث تراجعت خلال أول 9 أشهر من العام المالي الماضي بنسبة 26.1% إلى 17.5 مليار دولار.   

 

برر البنك المركزي المصري انخفاض التحويلات في أحد تقاريره بأنها قد ترجع إلى: "حالة الترقب لدى المصريين بالخارج لتحركات سعر الصرف لتحقيق أكبر مكاسب". 

أحجم الكثير من المصريين بالخارج عن تحويل أموالهم عبر القنوات الرسمية بسبب ازدواجية سعر الصرف، ووجود أسعار أعلى في السوق الموازية.   

خسر الجنيه منذ اندلاع الأزمة نحو 50% من قيمته إذ وصل سعر الصرف حالياً إلى 30.9 جنيه، بعد أن كان 15.6 جنيه لكل دولار في السوق الرسمية، بينما يتراوح سعره في السوق الموازية ما بين 38 و40 جنيه للدولار. 

وأمام هذه المعطيات لجأت الحكومة المصرية لفكرة طرح مبادرات تحفز المصريين في الخارج على إعادة أموالهم ومدخراتهم إلى الداخل مرة أخرى. 

أحدث هذه المبادرات كانت وثيقة "معاش بكرة" الدولارية لتوفير خطط تقاعد للعاملين في الخارج.   

تباع الوثيقة للأشخاص الذي يبدأ أعمارهم من سن 18عامًا وحتى 59 عامًا، بسعر 500 دولار كحد أدنى، و10 ألاف دولار كحد أقصى لكل وثيقة خلال العام، ويمكن إضافة أقساط بحد أدنى 50 دولار لكل قسط بغرض زيادة المعاش المستحق.   

هذه المبادرة جاءت بعد أيام قليلة من مبادرة أخرى طرحتها الحكومة المصرية لأبناء العاملين بالخارج، وهي تسوية المواقف التجنيدية مقابل دفع 5 آلاف دولار أو يورو.   

ودعت الحكومة ممثلة في وزارة الخارجية العاملين بالخارج للاستفادة من المبادرة لمدة شهر اعتبارا من 14 أغسطس آب الماضي والتي تمكن المقيمين في الخارج ممن حل عليهم الدور في سن التجنيد اعتبارا من سن 19-30 عاماً باستيفاء حالتهم وموقفهم التجنيدي. 

وزارة الخارجية المصرية قالت في بيانها الخاص بالمبادرة: "لا يسمح بتجديد جوازات السفر للمصريين المقيمين في الخارج إلا بعد تسوية المواقف التجنيدية لهم".   

قبل ذلك، أصدر أكبر بنكين حكوميين في مصر وهما البنك الأهلي وبنك مصر شهادات ادخارية بالدولار منها ما هو بعائد سنوي يبلغ 7% وأخرى بعائد 9% ويصرف مقدماً لمدة 3 سنوات، وذلك ضمن المساعي نحو جذب حصيلة دولارية من مدخرات المصريين.   

وفي شهر أبريل نيسان الماضي، استعانت مصر بالمقيمين في الخارج أيضاً لضبط سوق الذهب بعد أن شهد ارتفاعات قياسية تاريخية نتيجة لزيادة الطلب على السبائك والجنيهات الذهبية، حتى وصل الأمر ببعض التجار إلى إيقاف حركة البيع والشراء. 

حتى خرج مجلس الوزراء المصري بقرار يعفي واردات الذهب بصحبة الركاب القادمين من خارج البلاد من الضريبة الجمركية والرسوم الأخرى فيما عدا الضريبة على القيمة المضافة وذلك لمدة 6 أشهر.    

وفي نوفمبر 2022، طرحت وزارة الإسكان المصرية أراض جديدة للعاملين بالخارج على أن يكون السداد بالدولار مع إعفائهم من 10% من قيمة الأرض في حالة سداد قيمتها دفعة واحدة عبر تحويل الأموال من الخارج. 

لم يقف الأمر عند حد هذه المبادرات فحسب بل طرحت الحكومة في أكتوبر تشرين الأول الماضي مبادرة تهدف لتيسير استيراد السيارات للمصريين بالخارج، تضمنت إعفاء السيارات التي يستوردها المصريون المقيمون بالخارج من 70% من الرسوم الجمركية مقابل وديعة بالعملة الأجنبية تسترد بعد خمس سنوات بالجنيه المصري.   

لكن المبادرة لم تجمع برأي الكثيرين الحصيلة المستهدفة منها، حيث كشفت وزيرة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج أن المبادرة جمعت نحو مليار دولار فقط لم يصل منها إلى البلاد سوى 500 مليون دولار حتى الآن. 

‏امتدت المبادرات إلى تأسيس شركة لاستثمارات المصريين في الخارج برأسمال يبلغ مليار دولار بهدف الاستفادة من مدخرات العاملين بالخارج في وقت يحجم فيه الكثير من المستثمرين الأجانب عن ضخ أموال جديدة في السوق المصرية. 

وفيما يبدو أن طريق المبادرات الحكومية لم ينته بعد يبقى الجميع بانتظار ما ستسفر عنه هذه المبادرات وما إذا كانت ستنجح بالفعل في حشد مدخرات العاملين بالخارج وسد جزء من الفجوة الدولارية التي تواجه مصر.