يعد الخبز المدعم أحد الملفات التي أدارتها الحكومة المصرية بنوع من الحساسية على مدار العقود الأخيرة، حيث يرتبط ارتباطاً وثيقاً بدعم الفقراء، كما أنه أهم بنود دعم السلع التموينية، أحد البنود الرئيسية لملف الدعم في مصر.

وبعد نحو 36 عاماً من آخر زيادة، رفعت الحكومة المصرية، الأربعاء 29 مايو/ أيار، سعر الرغيف المدعم بنسبة 300% من 5 قروش إلى 20 قرشاً اعتباراً من أول يونيو/ حزيران.

جاءت الزيادة بعد أعوام من العمل على تخفيف عبء بنود الدعم الأخرى على الموازنة العامة للدولة، أو حتى تخفيف العبء بملف الخبز ولكن بطرق أخرى سواء عبر قصر المستحقين للدعم على أصحاب البطاقات التموينية أو تقليل وزن الرغيف.

رحلة سعر رغيف الخبر

كان الخبز من بين السلع التموينية التي قرر الرئيس الراحل أنور السادات رفع أسعارها في عام 1977، وهو ما أدى وقتها إلى انتفاضة الخبز والتي شهدت عدداً من المظاهرات دفعت الحكومة للتراجع عن قراراتها.

لكن بحسب تقارير صحفية، لم يستمر الصمت بشأن هذا الملف كثيراً حيث تم رفع سعر الرغيف من نصف قرش إلى قرش في عام 1980، قبل أن يرتفع مرة أخرى في عام 1984 إلى قرشين، ثم إلى 5 قروش في عام 1988 ليظل منذ ذلك الوقت عند نفس مستوى السعر.

خطوات أخرى في ملف دعم الخبز

في عام 2014 طبقت الحكومة المصرية منظومة بطاقات التموين الذكية، والتي خصصت خمسة أرغفة لكل مواطن مقيد على بطاقة التموين، وهو ما حدد حصة معينة للأسرة بما يمنع من شراء ما قد يفيض عن الحاجة، إلى جانب منع غير مستحقي الدعم التمويني من شراء الخبز بسعر مدعم.

اقرأ أيضاً: مصر ترفع سعر رغيف الخبز المدعوم 300% لأول مرة منذ 30 عاماً.. من هي الفئات المستثناة من الدعم؟

كما شهدت السنوات الأخيرة خفض وزن رغيف الخبز والذي كان 130 جراماً وحتى وصل إلى 90 جراماً منذ عام 2020، تزامناً مع ارتفاع تكلفة الخبز خاصة في ظل الإصلاحات الاقتصادية وانخفاض سعر الجنيه مقابل الدولار منذ تحرير سعر الصرف في أواخر عام 2016.

لماذا قررت الحكومة الزيادة؟

يعد ملف الدعم بشكل عام من الملفات التي تعمل الحكومة على إصلاحها خلال السنوات الأخيرة حتى من قبل بدء التعاون مع صندوق النقد الدولي، لكن ملف سعر الصرف أو ارتفاع أسعار السلع العالمية مثل النفط والقمح كان ينعكس بشكل سلبي على هذه الإصلاحات ويعود بها من جديد إلى زيادة تكلفة الدعم في الوقت الذي كان يتخلله فترات من عدم اتخاذ إجراء جديدة بخفضه بسبب انعكاس الأوضاع الاقتصادية على معيشة المواطنين.

ورغم اتخاذ الحكومة العديد من الخطوات في ملف ضبط دعم السلع التموينية (إلى جانب السلع البترولية) وخروج عدد من الشرائح غير المستحقة، والتحول إلى حصة من الدعم النقدي إلى جانب دعم أسعار بعض السلع المصروفة على بطاقة التموين أحياناً، فإن قيمة دعم السلع التموينية ارتفع بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة.

وبحسب بيانات البيان المالي لمشروع الموازنة العامة للدولة للعام المقبل 2024-2025، والصادر عن وزارة المالية، تقدر الحكومة المصرية دعم السلع التموينية في الموازنة الجديدة بنحو 134.2 مليار جنيه مقابل 127.7 مليار جنيه في موازنة العام الجاري، ومقابل نحو 83 مليار جنيه تم صرفها فعلياً على دعم هذه السلع في عام 2020-2021.

وتتوقع الحكومة من بين مبلغ دعم السلع التموينية للعام المالي المقبل دعماً للخبز بقيمة نحو 90.8 مليار جنيه مقابل نحو 83.6 مليار جنيه في موازنة العام الجاري بنسبة زيادة 8.5%.

شاهد أيضاً: رغيف الخبز في مصر تحت ضغط ارتفاع تكاليف الإنتاج!

وقال رئيس مجلس الوزراء، مصطفى مدبولي، خلال مؤتمر صحفي الأربعاء 29 مايو/ أيار، لشرح قرار رفع سعر الرغيف إلى 20 قرشاً، إن تكلفة رغيف الخبز على الدولة تبلغ نحو 125 قرشاً، ويتم بيعه بـ 5 قروش، وبالتالي فالدولة تتحمل 120 قرشاً على كل رغيف، وهو ما يعني أن الدولة تتحمل سنوياً 120 مليار جنيه على اعتبار أنه يتم إنتاج 100 مليار رغيف في المتوسط سنوياً.

وأضاف: "لذا كان من الضروري اتخاذ قرار بتحريك سعر الخبز قليلاً لتقليص الدعم نسبياً"، مشيراً إلى أن الدولة لا تزال تدعم كل رغيف خبز بـ 105 قروش، وهو ما يعني أن الدولة ستتحمل 105 مليارات جنيه سنوياً.

وأوضح أن كل ما تقوم به الحكومة في هذا الشأن هو الترشيد قليلاً من حجم الدعم المُلقى على عاتق الخزانة العامة للدولة؛ من أجل ضمان استدامة تقديم الخدمة والدعم، بحسب ما قاله.

وانخفض سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية منذ مارس/ آذار الماضي، وهو ما قد يكون له انعكاسه على تكلفة بنود الدعم عند حساب القمح أو النفط المستورد بالجنيه، وذلك رغم انخفاض تقديرات الحكومة لمتوسط سعر طن القمح الأميركي إلى 280 دولاراً خلال العام المالي الجاري مقارنة بما عليه في توقعات بداية السنة عند 424 دولاراً، ومقارنة بمتوسط السعر في عام 2022-2023، عند 345 دولاراً، وفق بيانات البيان المالي لموازنة العام المالي المقبل.

كان سعر العقود الآجلة للقمح لامس لفترة وجيزة أعلى مستوياته في 10 أشهر، خلال تعاملات الثلاثاء 28 مايو/ أيار، حيث أدى الطقس البارد والجاف في كبار المنتجين والحرب المستمرة في أوكرانيا إلى تفاقم المخاوف بشأن الإمدادات.

كما قررت الحكومة رفع سعر توريد أردب القمح المحلي إلى 2000 جنيه خلال موسم 2024 مقابل 1500 جنيه للأردب في موسم 2023، بنسبة زيادة نحو 33%، من أجل تأمين احتياجات البلاد والحد من تأثير تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على الأسعار العالمية وضمان استلام وتخزين أكبر كمية ممكنة من القمح، وهو ما يزيد من تكلفة إنتاج الخبز محلياً.

أرقام عن دعم الخبز والسلع التموينية من مشروع الموازنة

يتضمن مشروع الموازنة للعام المالي المقبل عدداً من الافتراضات المتعلقة بتقدير دعم الخبز والسلع التموينية، والتي تتضمن استهداف توفير 8.250 مليون طن قمح منها 7.671 مليون طن لتوفير نحو 96.5 مليون رغيف، بالإضافة إلى نحو 579 ألف طن لتوفير دقيق المستودعات، (تهدف الحكومة إلى الحصول على نحو 3.5 مليون طن من الفلاحين خلال موسم الحصاد الحالي، والباقي سيتم استيراده).

وتصل نسبة سحب رغيف الخبز من الحصص المخصص للمواطنين المستحقين للدعم إلى نحو 79.5%، بحسب التقديرات للعام الجديد، على أن يتم استبدال النسبة المتبقية بنظام نقاط الخبز بواقع 10 قروش لكل رغيف يتم صرف سلع تموينة أخرى في مقابلها.

يصل عدد المستفيدين من دعم السلع التموينية إلى 62.2 مليون فرد (50 جنيهاً شهرياً للمواطن لعدد أربعة أفراد مقيدين على البطاقة، وما زاد عن ذلك 25 جنيهاً للفرد شهرياً)، بينما تغطي منظومة دعم الخبز نحو 70 مليون مواطن.

يتوزع إجمالي المبلغ المخصص لدعم السلع التموينية البالغ نحو 134.2 مليار جنيه إلى بين نحو 90.8 مليار جنيه لدعم رغيف الخبز، ونحو 5.2 مليار جنيه لدعم دقيق المستودعات، ونحو ملياري جنيه لدعم نقاط الخبز، ونحو 36.1 مليار جنيه لدعم سلع البطاقة التموينية.

يدرج مشروع الموازنة الجديدة بقسم الاحتياطيات العامة مبلغ 10 مليارات جنيه احتياطي مخصص إضافي لدعم السلع التموينية لمواجهة الزيادة في تكلفة شراء القمح المحلي والمستورد.