بقلم ندى عبد السلام

مراسلة في CNBC عربية

لم يكن في مخيلة السوريين بالداخل أنهم سيستيقظون في أحد أيام الشهر الثاني من 2023، على وقع سقوط مبان بأكملها فوق رؤوس قاطنيها، وربما ساكن هذه المباني هو قريب، صديق، ابن، أو أم.

لكن وفي واقع الأمر، لم تخلق فقط الصورة في المخيلة، بل هي الآن واقع أشد ضراوة، نعاصره ...

ماذا حدث في 6  فبراير 2023؟

زلزال مصدره تركيا قوته قُدرت بـ 7.8 درجة.. يضرب سوريا.. 

طال الزلزال وارتداداته محافظات حلب واللاذقية وحماة وطرطوس، وخلف مئات الضحايا والمصابين، ممن تتزايد أعدادهم مع تقدم عمليات البحث ووسط صعوبات والحاجة لمعدات ثقيلة للإنقاذ.

حجم الأضرار الملموسة -وفق التقديرات وليس الحصر-، هي انهيار 46 مبنى على الأقل في محافظة حلب، وانهيار أكثر من 160 مبنى بشكل كامل و330 بشكل جزئي، عدا عن تصدع آلاف المباني في شمال غرب البلد. 

كما وتظهر أضرار جسيمة في المناطق الأقرب إلى الحدود التركية مثل مدن أعزاز وجرابلس وجنديرس وسرمدا.

مواقع أثرية تتضرر جراء الزلزال

وأيضا، تشير التقديرات إلى أن الزلزال وارتداداته تسببوا في سقوط أجزاء من الطاحونة العثمانية داخل قلعة حلب وحدوث تشقق وتصدع وسقوط لأجزاء من الأسوار الشمالية الشرقية، كما وسقطت أجزاء من قبة منارة الجامع الأيوبي، الواقع داخل القلعة.

وفي محافظة حماة، كشف مسح أولي عن تضرر بعض المباني داخل قلعة المرقب الأثرية في مدينة بانياس، وسقوط أجزاء من حجارة الجدران وكتلة من برج دائري. كذلك، سقط جرف صخري في محيط قلعة قدموس في محافظة طرطوس، ولا تزال الإحصاءات أولية ...

مساعدات لتجاوز الأزمة

وفيما قدرت الأمم المتحدة بأن الزلزال أسفر عن انهيار 224  مبنى بالكامل في17  منطقة شمال غربي سوريا.

فمن جهتها، أعلنت دولاً ومنظمات إرسال مساعدات، كالجزائر التي أرسلت فريقاً من الحماية المدنية للمشاركة في عمليات الإغاثة، والجيش اللبناني الذي أرسل عناصر من فوج الهندسة للمساهمة في إنقاذ المنكوبين، والعراق الذي أرسل طائرتين محملتين بمساعدات للمتضررين، والإمارات التي رصدت مساعدات عاجلة للمتضررين بقيمة 50 مليون درهم وقطر التي وفرت مبانٍ سكنية متنقلة للإيواء، وأخيراً وليس آخرا روسيا التي قررت إرسال فرق إغاثة.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه.. هل تلبي هذه المساعدات وغيرها احتياجات بلد يعاني بالأساس من أزمات متتالية؟

الجوع إلى أعلى مستوياته

في 27 يناير كانون الثاني الماضي، صدر عن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أن الجوع في سوريا بلغ مستويات قياسية. وجاء نصاً: "لا يعرف 12 مليون شخص من أين ستأتي وجبتهم التالية".

ووفق المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، ديفيد بيزلي، يعمل البرنامج على ري ما يقرب من 28 ألف هكتار من الأراضي في جميع أنحاء سوريا، بما يكفي لإطعام 620 ألف شخص.

وفي بلد يتم فيه تخصيص حوالي 85% من إنفاق برنامج الأغذية العالمي على المساعدات الإنسانية الغذائية، يرى بيزلي أن استثماراً تبلغ قيمته 14 مليون دولار سيؤدي إلى توفير 50 مليون دولار سنوياً من المساعدات الإنسانية، وسيخلق ما يقرب من 90 ألف فرصة عمل. 

وهنا تجدر الإشارة إلى أن أسعار المواد الغذائية زادت بما يقرب من 12 ضعفًا خلال الثلاث سنوات الماضية، مما أدى إلى بلوغ سوريا المركز السادس من حيث عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي على مستوى العالم. ويعاني 5.2 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الشديد.

انتشار الكوليرا

ليس فقط الأمن الغذائي تفتقده سوريا، ولكن صحياً تواجه منذ أشهر تحديداً شهر سبتمبر 2022 انتشاراً لوباء الكوليرا، وذلك للمرة الأولى منذ العام 2009، إذ جرى تسجيل أكثر من77  ألف حالة يُشتبه بأنها كوليرا.

وفق الأمم المتحدة، ساهم في تفشي الوباء تضرر قرابة ثلثي عدد محطات معالجة المياه ونصف محطات الضخ وثلث خزانات المياه، وذلك على مدار العقد الماضي.

وفي هذا السياق، تعمل حالياً اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية على إطلاق حملة تلقيح ربما في مارس المقبل، وسبق الإعلان عن الحملة إرسال حديثاً شحنة تتضمن1.7  مليون جرعة.

ومن المقرر أن تستهدف الحملة بداية المناطق عالية الخطورة مثل معرة مصرين وسرمدا والدانا وأطمة في محافظة إدلب، فضلا عن منطقة أعزاز في شمال حلب.

ضعف البنية التحتية وحوادث انهيار المباني

في السنوات الأخيرة تتكرر حالات انهيار الأبنية السكنية، أحدثها كان في22  من يناير كانون الثاني الماضي حينما انهار مبنى في حي الشيخ مقصود بمدينة حلب، ثاني كبرى المدن السورية، بلغ عدد الضحايا 16 شخصاً بينهم أطفال.

أسباب حالات الانهيار، يرجعها البعض جراء البناء المخالف من دون أسس بنائية تطابق المواصفات، ويرى آخرون أن هناك تصدعات يعاني منها كثير من المباني جراء التوترات التي يشهدها البلد لأكثر من عقد، كما تفتقر للخدمات الأساسية وأعمال الصيانة.

استمرار الأزمة الاقتصادية

وتزداد معاناة السوريين في ظل اقتصاد منهك وأزمة اقتصادية طاحنة وزيادة معدلات التضخم، وتراجعات حادة للعملة المحلية إلى مستويات قياسية، وتفشي البطالة، وعقوبات اقتصادية، وانقطاع شبه دائم للتيار الكهربائي، ناهيك عن شح في المحروقات ورفع لأكثر من مرة للأسعار إضافة إلى اعتماد سياسة تقشف في توزيع مادتي المازوت والبنزين.

ففي الأشهر الأخيرة، خرج عدد من مراكز الاتصالات من الخدمة مؤقتاً وتوقف نصف الأفران الخاصة في العاصمة عن العمل، كما وتم تعطيل المؤسسات العامة ليوم إضافي في الأسبوع وأغلقت جامعات أبوابها يومين إضافيين لعدم توافر المحروقات 

شتاء قارس

دائماً ما يأتي فصل الشتاء ليزيد معاناة آلاف العائلات السورية ممن يسعون بشتى الطرق لتوفير وسائل للتدفئة، وبحسب مجموعات إغاثة- وقبل التداعيات التي سيخلفها الزلزال- فإن عدد السوريين الذين هم بحاجة ماسة للمساعدة هذا الشتاء قد زاد بنسبة 28٪ مقارنة بالعام الماضي.

وهنا تجدر الإشارة أنه في نوفمبر تشرين الثاني الماضي، طالبت الأمم المتحدة بتمويل إضافي يمكنها من تقديم مساعدات "منقذة للحياة" – على حد قولها- خلال فصل الشتاء لحوالي 6 ملايين سوري، يعيشون ظروفاً صعبة.

وهنا أيضا نشير إلى أن مطالبات الأمم المتحدة سبقها نقص حاد في خطة الاستجابة الإنسانية للبلد لعام 2022 وذلك مع تلقي 42 % فقط من التمويل المطلوب، وفق بيان سابق.

فهل جاء الزلزال ليزيد من معاناة السوريين في الشتاء وفي خضم أزمة اقتصادية، سيما على هؤلاء ممن نجوا من الموت لكن لم يجدوا بيتاً؟ وهل سوريا ينقصها هذا الزلزال.. لتزداد فيها فرص الحياة صعوبة.. ويئن البشر والحجر على حد سواء.