لمياء نبيل محررة في CNBC عربية

تغيرت حروب العملة، مثلها في ذلك كالصراعات العسكرية.. ومع افتراض أن تخفيض قيمة العملة يؤثر على التجارة وأرباح الشركات والأسعار وتدفقات رأس المال (بشكل اقتصادي نظري)؛ لكن العلاقات الاقتصادية الدولية أصبحت أكثر دقة وتعقيداً مما قد يتوقعه البعض.

يشير مصطلح "حرب العملات" تقليدياً إلى تدخل دولة لتغيير سعر عملتها مقابل الدول الأخرى، وذلك إما بخفض سعر العملة المحلية؛ لكونها دولة مصدرة وتريد أن تكون سلعها أرخص سعراً عند تقويمها بالدولار من أجل زيادة التنافسية، أو في حالات أقل بزيادة سعر العملة في حال كانت دولة محتكرة لسلع استراتيجية.. وفي الحالتين تهدف الدولة صاحبة التدخل بشكل رئيسي إلى زيادة دخلها القومي أو قوتها الاستراتيجية.

ورغم أن العالم يمر بفترة فتور حروب العملات، إلا أنه من غير المرجح أن يكون هناك سلاماً دائماً؛ خاصة وأن العوامل التي خلقت المعارك في سوق العملات لم تختلف كثيرا عما سبق.

وحملت زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ طابعاً استثنائياً خلال رحلته إلى أميركا، انطلاقا من اللقاء المطول مع الرئيس الأميركي جو بايدن، مروراً بالعلاقات الدبلوماسية والاتفاقات حول استمرار الحوار حول التجارة، غير أن العبرة تبقى في ترجمة ذلك إلى أفعال حقيقية، وفقا للخبراء.

وبشكل عملي، اختلف تأثير انخفاض سعر الصرف على القدرة التنافسية للصادرات؛ خاصة مع "إعادة العمليات اللوجستية" واستخدام مواقع للإنتاج أقرب للأسواق النهائية، وظهر هذا النهج بعد جائحة كورونا وتصاعد حدة التوترات الجيوسياسية عالمياً.

في الوقت ذاته، فيما يتعلق بتدفقات رأس المال، فمن المفترض أن يؤدي ضعف العملة إلى جعل البلد وجهة استثمارية أقل جاذبية بسبب الخسائر المحتملة.

الصين واليابان في دائرة الاتهام 

ورغم اتهام كثير من الدول خلال فترات سابقة بممارسة حروب العملة، ومن بينها أميركا وأوروبا، إلا أن الصين واليابان تظلان الأكثر اتهاما بالإضعاف المتعمد لعملتيهما من أجل زيادة التنافسية لبلدين من بين الأقوى عالمياً في التجارة والصادرات.

وخلال الأسابيع الأخيرة، سجل اليوان الصيني والين الياباني أدنى مستوياتهما مقابل الدولار منذ عامي 2008 و1990 على التوالي، فيما اتجه الدولار صوب أكبر تراجع أسبوعي في عدة شهور في الأسبوع المنتهي يوم الجمعة 17 نوفمبر (تشرين الثاني)، مقابل اليورو والين والفرنك السويسري؛ مع إقبال المستثمرين على البيع ترقباً لخفض جديد للفائدة الأميركية بنحو 100 نقطة أساس خلال العام المقبل. 

ومع ختام تداولات الأسبوع، سجلت العملة الأميركية 1.0854 دولار مقابل اليورو، ونزلت 1.6% خلال الأسبوع، وهو أكبر تراجع لها منذ منتصف يوليو (تموز). كما انخفضت 1.6% خلال الأسبوع إلى 0.8882 فرنك سويسري للدولار، وتراجعت 0.6 % مقابل الين الياباني إلى 150.53 ين.

وعلى الرغم من الاعتراضات القوية على التدابير الحمائية التي تتخذها أميركا في الحرب التجارية بينها وبين الصين، فإن تقرير العملة الذي تصدره وزارة الخزانة الأميركية مرتين سنوياً لم يهتم بقيمة اليوان.

أوضح التقرير أن تعافي الاقتصاد الأميركي بشكل ملحوظ من تبعات وباء كورونا واستعادة الدولار لقوته "النسبية"، ربما يجعل مهمة الاحتياطي الفدرالي أسهل في خفض أسعار الفائدة على المدى الطويل.

وترتكز خطة الرئيس بايدن الصناعية في الاعتماد على الصناعات التدخلية مثل السيارات الكهربائية، بدلا من الصادرات والتعريفات الجمركية المفروضة على الواردات من الصين، وهو شكل حمائي ضد انخفاض قيمة اليوان. 

ضغوط كبرى 

يتزامن ذلك مع ضغوط كبرى يتعرض لها الاقتصادين الصيني والياباني، خاصة في ظل تراجع وتباطؤ ميزان التجارة في كليهما نتيجة التباطؤ العالمي. ومع تراجع الصادرات، فإن الميزة التنافسية لانخفاض سعر العملات المحلية تتلاشى، بل إنها قد تصبح ذات آثر عكسي على الاقتصادين نتيجة انخفاض العوائد بالنسبة للاستثمارات الأجنبية، سواء كانت استثمارات حقيقية في الصناعة، أو في أسواق الأسهم، أو حتى في السندات، ما يؤدي إلى زيادة التدفقات الخارجة وزيادة الضغوط على الاقتصاد.

ويظهر الأمر بصورة أكبر في اليابان، حيث يقع بنك اليابان المركزي في ورطة مع الفائدة السلبية، إذ لا يمكنه التدخل بشكل كبير لرفعها نظراً لكم الديون المحلية الهائلة في اليابان، والتي سيسفر أي رفع للفائدة عن تضخم مستحقاتها بصورة كبيرة قد تسفر عن عجز ضخم بالميزانية.

لكن رغم هذه العوامل السلبية، فإن الأفق لا يُظهر أن حروب العملات ستختفي قريبا، بل قد تشهد تعديلاً في السياسات بما يحافظ على التوازن في القوى السياسية والاقتصادية، خاصة إذا ما شهد العالم خروجا قويا من مرحلة الركود الحالية.

اقرأ أيضا: Mastercard: تبني العملات الرقمية للبنوك المركزية على نطاق واسع سيكون صعباً الآن