بقلم فاروق يوسف
مراسل CNBC عربية في القاهرة
الجنيه مهدد بخفض جديد أمام الدولار يصل إلى 3.5% على أقل تقدير
يُخلف الطلب المتزايد على الدولار وبطء التدفقات الأجنبية ضغوط على الجنيه المصري قد تدفعه لانخفاض جديد بنحو 3.5% على أقل تقدير خلال الآونة القليلة المقبلة، وفق محللين ومصرفيين تحدثوا لـ CNBC عربية.
تشهد مصر أزمة في شح النقد الأجنبي منذ أكثر من عام بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي على إثرها خرجت أغلب الأموال الساخنة من البلاد وقدرت بنحو 23 مليار دولار، ما دفعها للاقتراض من صندوق النقد الدولي 3 مليارات دولار شريطة التحلي بسعر صرف مرن وتنفيذ مجموعة من السياسات تضمن سد جزء من الفجوة التمويلية البالغة 17 مليار دولار .
بالفعل، شهدت العملة المحلية أكبر سلسلة انخفاضات في تاريخها جاءت عبر ثلاث مرات في غضون 12 شهراً حتى ساوى الجنيه 3.2 سنت، الأمر الذي فاقم من تكاليف المعيشة، وزاد حدة ارتفاعات التضخم التي لامست أعلى مستوياتها على الإطلاق.
وبالتزامن مع التحلي بمرونة سعر الصرف، تعهدت مصر أيضاً ببيع بعض الأصول عبر برنامج طرح حكومي هو الأكبر في تاريخ البلاد شمل أكثر من 32 شركة، بعوائد متوقعة تصل إلى 2.5 مليار دولار خلال عام 2023، لكنه لم يشهد صفقة بيع واحدة لعدة أسباب على رأسها مخاوف المستثمرين من تقلبات سعر الصرف.
عوامل مساعدة
وتشير عوامل عدة إلى قرب تخفيض الجنيه مجدداً خاصة مع اتساع الفارق بين سعر السوق الرسمية والموازية إلى 6 جنيهات قبل أن يهدأ إلى 4 جنيهات نهاية الأسبوع الماضي، بسبب إجازات أعياد الميلاد والفطر، ليتداول الجنيه عند 35 جنيه لكل دولار.
إضافة إلى ذلك يشير فارق تداول شهادات الإيداع الدولية الخاصة بالبنك التجاري الدولي في بورصة لندن عند 1.22 دولار، وسعر السهم في البورصة المصرية عند 58.5 جنيه إلى إمكانية خفض العملة المصرية، مع وصول الدولار في العقود الآجلة عند 44.4 جنيه، في حين يتداول في السوق الرسمية عند 30.9 جنيه.
الطلب على العملة
في الوقت نفسه، تواجه بعض البنوك صعوبة في توفير الدولار لتغطية احتياجات المستوردين، وتولي أهمية للسلع الغذائية ومدخلات الإنتاج دون غيرها من القطاعات.
توفر البنوك الدولار للمنتجات الغذائية والسلع الوسيطة، بعد إضافة 9% هامش توفير عملة، و5% أخرى تحوطاً لانخفاض الجنيه، وفق رئيس شعبة المستوردين سابقاً، أحمد شيحة.
ساهم نقص العملة الأجنبية في زيادة المضاربة على الدولار وانعكست في ارتفاعات أسعار الذهب والسيارات، ومع استمرار الأزمة بالتبعية ستلاحق الزيادات باقي أسعار السلع ما ينذر بمحاصرة الضغوط التضخمية لجيوب المواطنين، بحسب ما أضاف شيحة.
ارتفعت أسعار الفائدة في مصر بواقع 1000 نقطة أساس منذ عام 2022 لدعم الجنيه الذي انخفض 3 مرات إبان هذه المدة، وكذلك في محاولة لترويض معدلات التضخم المرتفعة التي سجلت 32.7% بنهاية مارس الماضي.
ذورة التضخم
يقول رئيس قسم البحوث بشركة برايم للأوراق المالية، عمرو الألفي: "ربما تصل معدلات التضخم في مصر لمنطقة الذروة في بيانات الربع الثاني من العام وتحديداً شهر إبريل، بسبب تراجع الجنيه المحتمل، وارتفاع تكاليف الطاقة عالمياً بعد قرار أوبك بخفض الإنتاج، ما يعزز من بقاء مستويات التضخم فوق مستوى 30% خلال أبريل، على أن تبدأ في التراجع في النصف الثاني من العام لتتراوح ما بين 29% و30%".
يصف صندوق النقد الدولي خطوة إرساء نظام سعر صرف مرن، بالأمر الذي من شأنه تجنب تراكم اختلالات مزمنة في عرض العملات الأجنبية والطلب عليها في مصر ويحافظ على احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي.
"لم تسهم الانخفاضات المتتالية للجنيه في حل الأزمة وزيادة المعروض الأجنبي، المشكلة تكمن في توفير الدولار، وذلك لابد من الإسراع في برنامج الطروحات بأي شكل لتوفير سيولة دولار تضمن تغطية الطلب للأجل القريب على الأقل"، كما قال مسئول بارز في أحد أكبر البنوك العاملة في مصر، طلب عدم ذكر اسمه.
وأضاف، أن مسألة تخفيض الجنيه للمرة الرابعة باتت حتمية، لكنها ستكون تدريجية تكمن في فقدان الجنيه لقروش طفيفة يوماً تلو الآخر إلى أن يصل لمرحلة من الاستقرار.
لا بد من انتهاج سياسة تعزز ثقاقة تحريك العملة المحلية لدى الجمهور والمواطنين، وتبني حلول تدعم الاستقرار النسبي لسعر الصرف عبر رفع الفائدة عن الحد المشهود بالسوق حالياً، وفتح مزيد من الأبواب لتسهيل إيداع العملة الدولارية في البنوك، وفق المحاضر في الجامعة الأمريكية هاني جنيه.
قد ينخفض الجنيه إلى مستوى 31.5 لكل دولار وقد يلامس مستويات الـ 32 جنيها خلال الفترة القريبة، لكن الوصول إلى هذه المستويات لن يكون مرة واحدة، وإنما بطريقة تدريجية، بحسب محلل أدوات الدخل الثابت.
التأخير في بيع الشركات الحكومية أو حتى فيما يخص حركة الجنيه سيضغط بالتأكيد على حركة المعروض الأجنبي، وبالتالي لابد التعجيل في تفعيل برنامج الطروحات والعمل على تأهيل الشركات للبيع سريعاً.
ضغوط مستثمري السندات
وفي اتجاه موازي، شهد سوق السندات المصرية مؤخراً مطالبة المستثمرين عوائد مرتفعة على العطاءات المصرية، ما دفع الحكومة لإلغائها نظراً للفائدة المرتفعة المطلوبة.
طرحت الحكومة مطلع الشهر الجاري سندات خزانة أجل 3 سنوات ذات العائد الثابت بالجنيه المصري وذلك بقيمة 3 مليار جنيه، لكن رغم تغطية العطاء بمعدل 1.9 مرة إلا أن معدل قبول العروض لم يتخطى 0.04% من إجمالي ما هو مطلوب.
يحاول المستثمرون تقليل مخاطر الفائدة السلبية الناتجة عن ارتفاعات التضخم وتقلبات العملة المحلية، لذلك العروض الموجودة في أغلب العطاءات ذات فائدة أعلى بكثير عن الحدود الموضوعة، كما قال النجار.
من المتوقع أن يبدأ الجنيه في الانخفاض بشكل تدريجي خلال الفترة المقبلة، على أن يصل إلى مستوى 32.5 جنيهاً لكل دولار في منتصف العام إلى أن يعاود إلى مستويات 31.5 جنيها في الربع الأخير من العام، وفق بحوث برايم.
وتشير التكهنات أيضاً بأن خفض الجنيه سيعقبه سلسلة من الإجراءات على رأسها بيع أحد الأصول الحكومية لمستثمرين استراتيجين كمحاولة لتوفير سيولة دولارية على الأجل القريب.