رانيا برو - محررة في CNBC عربية

بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون الكثير من التقاطعات والمصلحة المشتركة للرد على العقوبات والعزلة التي فرضها العالم على الدولتين الغارقتين في عدد من الملفات الشائكة وعداوة المجتمع الدولي.

زيارة ساكن الكرملين الفارقة إلى كوريا الشمالية، رصدها العالم بعين الريبة والقلق، فالبلدين يعانيان من سوء العلاقة مع المجتمع الدولي، طبعاً مع اختلاف وزن الرجلين السياسي والاقتصادي.

وفي حين احتفلت بيونغ يانغ بالزيارة الرسمية لمسؤول كبير على الساحة الدولية لتبرز حضورها وتستمد ما تفتقر إليه البلاد بسبب العقوبات، تتطلع موسكو إلى تغذية مخزونها الحربي فيما تستمر حربها على أوكرانيا.

 وتحت هذه النوايا تعتبر العلاقة بين البلدين "زواج مصلحة"، أنتجت اتفاقية شراكة استراتيجية، لم يتبيّن مضمونها الدقيق بعد.

ويخضع البلدان لعقوبات فرضتها الأمم المتحدة، بيونغ يانغ منذ العام 2006 بسبب برامجها النووية والصواريخ الباليستية المحظورة، وموسكو بسبب غزوها أوكرانيا.

كوريا الشمالية المعزولة عن المسرح الجيوسياسي العالمي والتي تخضع لعقوبات شديدة بسبب برنامجها للأسلحة النووية واختباراتها الصاروخية، وينظر إليها الغرب على نطاق واسع على أنها دولة "منبوذة" و"مارقة" تحتاج إلى هذا الدفع من زعيم يشغل العالم الغربي.

تاريخياً، تحالف موسكو وبيونغ يانغ بدأ منذ تأسيس كوريا الشمالية بعد الحرب العالمية الثانية، وتوثّقت علاقتهما بشكل أكبر منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في العام 2022 وتحرك الغرب لعزل بوتين على الساحة الدولية.

وواصلت موسكو وبيونغ يانغ التقارب منذ ذلك الحين، وألغت روسيا معظم ديون حليفتها في العام 2012.

وفي 2019، سافر كيم جونغ أون بالقطار إلى روسيا، للقاء فلاديمير بوتين في فلاديفوستوك.

وبحسب الغرب، استخدمت بيونغ يانغ مخزونها الضخم من الذخائر لتزويد روسيا كميات كبيرة منها، واتهم البنتاغون موسكو الأسبوع الماضي باستخدام صواريخ باليستية كورية شمالية في أوكرانيا.

ما الذي يمكن أن تحصل عليه كوريا الشمالية من بوتين؟

في ظاهر الأمر، تبدو كوريا الشمالية هي المتوسل في علاقتها مع روسيا، لكن بيونغ يانغ تحمل ورقة رابحة عندما يتعلق الأمر بموسكو، في الوقت الحالي على الأقل: يمكنها تزويد موسكو بملايين قذائف المدفعية والصواريخ الباليستية قصيرة المدى لاستخدامها ضد أوكرانيا.

ويتهم مسؤولون غربيون كوريا الشمالية بالتحايل على العقوبات الدولية لنقل ذخائر وصواريخ إلى روسيا، رغم أن بيونغ يانغ نفت  مراراً حدوث أي عملية تسليم للأسلحة. وفي المقابل، من المرجح أن تزود روسيا كوريا الشمالية بالغذاء والوقود والتكنولوجيا العسكرية لأقمارها الصناعية وغواصاتها، كما يقول المحللون.

في هذا السياق، قال المدير التنفيذي لمركز ستراتفور للجغرافيا السياسية التطبيقية، رودجر بيكر، لشبكة CNBC يوم الأربعاء: "من المؤكد أن كوريا الشمالية رأت فرصة رائعة لنفسها في عزلة روسيا عن العالم".

"لطالما كانت كوريا الشمالية تعتمد بشكل كبير على الصين، وحتى لو تمكنت روسيا من الحصول على ما بين 5 إلى 10% من التجارة مع كوريا الشمالية، فهذا يمثل فائدة كبيرة للكوريين الشماليين. 

ويتحدث الروس أيضاً عن طرق يمكن لكلا البلدين تجاوز العقوبات الغربية والقيود المالية بحيث يحتمل أن يمنح كوريا الشمالية تدفقات جديدة من النشاط الاقتصادي، ليس فقط مع روسيا ولكن ربما على المستوى الدولي.

بالنسبة لكيم، ستكون الأولوية المقايضة هي طلبات نقل التكنولوجيا العسكرية المتقدمة الجديدة، وفقاً لنائب رئيس شركة Teneo الاستشارية جيمس برادي وكبير المستشارين فيكتور تشا.

لا يمكن معرفة مدى استعداد بوتين لمساعدة نظيره الكوري الشمالي، لكن قائمة أمنيات كيم تتضمن تقنيات تتعلق بتكنولوجيا القياس عن بعد المتقدمة، والغواصات التي تعمل بالطاقة النووية، والأقمار الصناعية العسكرية، والصواريخ الباليستية العابرة للقارات. 

ووفق مذكرة صدرت، يوم أمس الثلاثاء، فإن التكنولوجيا الروسية ساهمت على الأرجح في إطلاق بيونغ يانغ أول قمر صناعي للتجسس العسكري بنجاح في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، بعد شهرين فقط من قمة بوتين وكيم الأخيرة.

وربما يحاول كيم أخذ توقيع جديد في ميثاق العلاقات سعياً إلى اتفاقية شراكة أمنية ثنائية جديدة مماثلة لمعاهدة الدفاع المتبادل التي وقعتها كوريا الشمالية والاتحاد السوفييتي في عام 1961، والتي ظلت سارية حتى عام 1990 تقريباً.

اقتصادياً، تعاني كوريا من العجز والضعف المالي، ففي حين كانت شوارع بيونغ يانغ تتلألأ احتفالاً بوصول بوتين، فإن الواقع المرير في كوريا الشمالية هو أن الفقر المدقع ونقص الغذاء والوقود أمور شائعة بالنسبة لأغلبية السكان الذين يعيشون تحت الحكم الشمولي لسلالة كيم.

وقال برادي وتشا: "بالإضافة إلى النتائج العملية، فإن الزيارة تعطي أيضاً دفعة لصورة كيم، الذي سيلعب دور رجل الدولة أمام الجمهور المحلي والدولي".

ماذا ستجني روسيا؟

رغم حرارة اللقاء بين الرئيسين، وإشادة كوريا الشمالية وروسيا بعمق وقوة العلاقة بينهما في الوقت الحالي، فإن حقيقة أن بوتين لم يقم بزيارة البلاد خلال السنوات الأربع والعشرين الماضية تحمل الكثير.

لكن منذ غزو أوكرانيا في عام 2022، تغير وضع روسيا وأولوياتها. لقد أصبحت عزلتها عن الغرب كبيرة في حين سارعت بمحورها نحو الشرق، حيث تبحث عن حلفاء وعملاء لنفطها وسلعها الأساسية.

وفي الوقت نفسه، في الداخل، تم وضع المجمع الصناعي العسكري الروسي على قدم وساق للحرب، على الرغم من أن المحللين يقولون إنه لا يزال يواجه نقصاً في ما يمكنه إنتاجه شهرياً وفي ما ينفقه في ساحة المعركة في أوكرانيا.

وأشار مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، الاثنين الفائت، إلى أن بوتين يحتاج إلى أسلحة كيم لتعويض النقص الشهري في الذخائر البالغ 50 ألف طلقة، حتى لو كانت روسيا تنتج الذخيرة بكامل طاقتها سعيا لتحقيق النصر في أوكرانيا.

لهذه المصلحة، تصبح كوريا الشمالية مصنعاً لروسيا ومصدراً آخر للمعدات العسكرية. وعلى الرغم من أن الجانبين ينفيان عمليات نقل الأسلحة، فقد زعم المسؤولون الأميركيون أن بيونغ يانغ زودت روسيا بعشرات الصواريخ الباليستية وأكثر من 11 ألف حاوية من الذخائر لحربها في أوكرانيا.

حول هذه النقطة، قال برادي وتشا من تينيو طبيعة الزيارة تجعل من غير المرجح أن يتم تفصيل جميع النتائج علناً، لكن أهداف الجانبين واضحة. وأضاف أنه بالنسبة لبوتين، فإن الهدف الرئيسي هو تأمين إمدادات مستمرة من الأسلحة والذخائر لمساعدة روسيا في حربها في أوكرانيا.

ووفق التحليلات، قد يكون هناك اتفاق إنتاج مشترك لعدة أنواع من الذخيرة بالإضافة إلى طلب لمزيد من الصواريخ الباليستية. وقد أدت هذه الحاجة الملحة للإمدادات العسكرية إلى تحويل ديناميكية العلاقات الثنائية في العامين الماضيين، مما جعل بيونغ يانغ شريكاً أكثر قيمة لموسكو.