في تقرير السعادة العالمي لهذا العام، والذي يصنف 143 دولة عبر مقاييس الرضا الحياتي، جاءت الولايات المتحدة في المرتبة 23. وهذه هي المرة الأولى في تاريخ التقرير الذي يمتد لعشرين عاماً، التي لم تحتل فيها أميركا مرتبة بين المراكز العشرين الأولى.

وبينما احتل الأميركيون الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاماً المرتبة العاشرة من حيث السعادة، احتل أولئك الذين تقل أعمارهم عن 30 عاماً المرتبة 62.

وتكشف مجموعة متنامية من الأبحاث أن الصحة العقلية للشباب تتدهور. في عام 2021، شعر 42% من طلاب المدارس الثانوية في الولايات المتحدة بالحزن أو اليأس بشكل مستمر، وفقاً لبيانات من مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في البلاد. وفكر 22% بجدية في الانتحار، بحسب شبكة CNBC.

السر وراء هذا التدهور

يقول الخبراء إن مجموعة واسعة من العوامل قد تؤثر على شباب اليوم بما في ذلك استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وتغير المناخ.

لكن المعالجة النفسية الشهيرة إستر بيريل، ترى سبباً مختلفاً في هذا التدهور، والذي يتمثل في العلاقات، أو عدم وجودها.

اقرأ أيضاً: خبير ينصح بتطبيق "معيشة البندول" بدلاً من محاولة تحقيق التوازن بين "العمل والحياة"

تقول بيريل: "أعتقد أن الناس يشعرون بالوحدة أكثر لأنهم أقل مهارة في إقامة العلاقات لأن ذلك ينطوي على الصراع والاحتكاك والاختلافات. وهناك عدد هائل من الناس يقطعون علاقاتهم بالأصدقاء وأفراد الأسرة بشكل لم يسبق له مثيل".

وتعتقد بيريل أن تركيز الشباب الأميركيين على أن يكونوا على طبيعتهم الحقيقية يأتي على حساب تكوين العلاقات. في الواقع، تتعلم الكثير عن نفسك من خلال الصداقات والشراكات والتواصل بشكل عام مع الآخرين.

العلاقات تتطلب الالتزام

تتعلق العديد من المصطلحات النفسية التي روجت لها وسائل التواصل الاجتماعي بحماية نفسك من الأشخاص أو التجارب التي قد تكون ضارة بصحتك العقلية.

وتقول بيريل: "يتحدث نوع معين من العلاج عن كلمة" الذات "أمام كل شيء - الوعي الذاتي، وإدراك الذات، وتحقيق الذات، والعناية الذاتية، والصورة الذاتية".

وقد أدى هذا التصحيح المفرط إلى تضحية الشباب بالمجتمع لأنهم لا يريدون التنازل عن راحتهم.

"اليوم، أصبح الصدق مع النفس أكثر أهمية من الحفاظ على علاقاتي"، بحسب ما تقوله بيريل.

كما تجعل التطبيقات الخدمية الاعتماد على المجتمع أقل ضرورة. كان المرض وعدم القدرة على الحصول على وصفة طبية يتطلب بعض المساعدة من صديق. أما الآن، فيمكنك ببساطة طلب توصيل دوائك للمكان الذي أنت فيه. وإذا لم يعد شريكك قادراً على قيادتك إلى المطار، فلا تطلب المساعدة في اللحظة الأخيرة من أحد الجيران. يمكنك تحديد موعد لسيارة على تطبيق توصيل.

بالنسبة للأجيال الأكبر سناً، ساهم تبادل الخدمات بمرور الوقت في تكوين شبكة اجتماعية مزدهرة وشخصية. أما الشباب اليوم فلا يقومون بهذه الاستثمارات الصغيرة.

اقرأ أيضاً: مع وصولها إلى أعلى مستوياتها.. هل تمثل حفلات الطلاق بداية لحياة جديدة؟

وفقاً لبيانات عام 2023 من مركز بيو للأبحاث، يقول 32% فقط من الأميركيين الذين تبلغ أعمارهم 30 عاماً أو أقل إن لديهم خمسة أصدقاء مقربين أو أكثر. وبالنسبة لأولئك الذين تبلغ أعمارهم 65 عاماً أو أكبر، يقفز هذا الرقم إلى 49%.

تقول بيريل: "العلاقات تتطلب الالتزام. والمجتمعات تطلب الالتزام. فالمجتمعات ليست موجودة فقط لخدمة احتياجاتنا. إن مجتمعك يمنحك الانتماء في مقابل التزامك برفاهية الآخرين".

فتوقُع أن تكون شخصاً إيجابياً 100% من الوقت لا يجب أن يكون شرطاً أساسياً للمشاركة مع الآخرين. في الواقع، يمكن أن يمنعك هذا التوقع من الآخرين من تكوين علاقات قيمة.