
أفاد المكتب الوطني للإحصاء في الصين الأربعاء، بنمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.4% في الربع الأول على أساس سنوي، متجاوزاً التقديرات التي كانت عند 5.2%، لكن قدرة الصين على الحفاظ على هذا النمو تظل محاطة بعدم اليقين.
ونما الاستثمار في قطاع التصنيع بنسبة 9.1% في الربع الأول مقارنة بالعام السابق، في وقت واصلت فيه الشركات ضخ الأموال في المصانع. وارتفع الاستثمار في البنية التحتية بنسبة 5.8%، في حين واصل الاستثمار العقاري هبوطه الحاد بانخفاض بلغ 9.9%.
واعتبرت صحيفة "نيويورك تايمز"، أن الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب على الصين، كانت "مفيدة"، لنمو الاقتصاد الصيني، على الأقل خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام، إذ سارعت المصانع الصينية إلى شحن الصادرات قبل دخول القيود التجارية حيّز التنفيذ.
ومع ذلك، تشير الصحيفة، إلى أن الصين تواجه أكبر تحد اقتصادي لها منذ سنوات، إثر الضغوط الناتجة عن التعريفات الجمركية التي تهدد بتجميد التجارة مع أكبر أسواقها.
وزادت معدلات النمو في الأشهر الأولى من هذا العام بفضل الارتفاع السريع في الصادرات، والاستثمار في التصنيع والإنتاج اللازمين لدعم هذه الصادرات. كما شهدت مبيعات السيارات الكهربائية أداءً قوياً، بفضل الإعانات الحكومية المقدمة للمشترين.
وأعلن ترمب في 2 أبريل، تصعيد التعريفات الجمركية على الصين، لتصل إلى نسبة غير مسبوقة بلغت 145% لأكثر من نصف صادرات الصين إلى الولايات المتحدة.
وأثرت جولتا ترمب الأوليان من التعريفات على السلع الصينية بنسبة 10% في فبراير ومرة أخرى في مارس، بشكل طفيف فقط على الصادرات في البداية.
ففي مارس، ارتفعت صادرات الصين الإجمالية بالدولار بنسبة 12.4%، مقارنة بالعام السابق، ويبدو أن بعض المصدرين سارعوا في شحن بضائعهم إلى الموانئ قبل أن ترتفع التعريفات أكثر.
لكن من المرجّح أن تؤثر الزيادات في التعريفات الجمركية بشكل كبير على صادرات الصين في الفترة المقبلة.
وفرض ترمب ضرائب استيراد مرتفعة على فيتنام وكمبوديا ودول أخرى تقوم بتجميع مكونات صينية لإعادة تصديرها إلى الولايات المتحدة، قبل أن يجمّد تنفيذها بعد أسبوع. ومع ذلك، لا تزال تلك الدول تواجه تعريفة أساسية بنسبة 10% تُطبّق على معظم الشركاء التجاريين للولايات المتحدة.
وعلّقت بعض المصانع في جنوب الصين عملياتها منذ بداية أبريل، بعد أن وصلت التعريفات الأميركية إلى مستويات مرتفعة. وأثار ذلك مخاوف من احتمال ارتفاع معدلات البطالة.
زيادة الاستهلاك المحلي
ويتفق المسؤولون الصينيون والاقتصاديون على أن أفضل وسيلة لتعزيز الاقتصاد تتمثل في زيادة الإنفاق الاستهلاكي المحلي، بما من شأنه تقليل اعتماد الصين على الأسواق الخارجية.
وبدأت العديد من الدول، وليس الولايات المتحدة وحدها، تشعر بالقلق من "تسونامي" الصادرات الصينية القادمة من المصانع الحديثة، وتردّ بفرض تعريفات جمركية مضادة.
وتعهد قادة الصين باتخاذ خطوات كبيرة لدعم المستهلكين، وتبنّوا بالفعل بعض الإجراءات، خصوصاً من خلال تقديم إعانات للأسر لشراء منتجات المصانع، تتراوح بين أجهزة طهي الأرز والسيارات الكهربائية، وفق "نيويورك تايمز".
"رياح معاكسة"
وقال شو نينج، نائب عميد معهد شنغهاي المتقدم للتمويل: "التعريفات الجمركية ستشكّل رياحاً معاكسة لنمو الاقتصاد، لكن صنّاع السياسات سيجدون طريقة لتعويض هذا التراجع في الصادرات".
وسمح البنك المركزي الصيني بانخفاض بطيء للغاية في قيمة العملة الوطنية، مقابل الدولار. إذ تراجعت العملة بنسبة تقارب 1% منذ منتصف مارس، لكنها لا تزال قريبة من مستواها الذي كانت عليه قبل أسبوع من تولي ترمب منصبه في يناير.
ويمكن أن تؤدي العملة الأضعف إلى جعل الصادرات الصينية أكثر تنافسية في الأسواق الخارجية من خلال تقليل تكلفتها النسبية. لكن الانخفاض التدريجي في قيمتها من غير المرجّح أن يكون كافياً للتعويض عن التعريفات الجمركية التي رفعت تكلفة التجارة بأكثر من 100%. أما التخفيض الحاد والمفاجئ لقيمة العملة، فقد يتسبب في عدم استقرار مالي، إذ قد تسارع الأسر الصينية إلى سحب أموالها من البنوك ومحاولة تحويلها إلى الخارج، وفق "نيويورك تايمز".
تردد الأسر الصينية في الإنفاق
وقالت الصحيفة، إن المستهلكين الصينيين باتوا يظهرون حذراً شديداً، كما أصبحوا مترددين في زيادة إنفاقهم، إذ فقدت شرائح كبيرة من الطبقة المتوسطة والميسورة جزءاً كبيراً من ثرواتها جراء انهيار سوق العقارات.
وانخفضت أسعار الشقق بنسبة وصلت إلى 40% منذ عام 2021، وهو تراجع في الثروة يفوق ما شهدته أزمة سوق الإسكان الأميركية قبل نحو عقدين. وتضع العائلات الصينية عادةً ما يصل إلى 80% من مدخراتها في العقارات، نظراً لغياب قنوات بديلة فعّالة لبناء الثروة، حيث إن سوق الأسهم في الصين صغيرة ومضاربة، بينما يقتصر سوق السندات على المستثمرين المؤسسيين.
وبات التوفير سمة أساسية في قرارات الإنفاق لدى معظم الأسر الصينية، حتى في شراء المواد الغذائية.
وقال شيه تشينج رونج، وهو جزار في جنوب وسط الصين: "الناس مترددون في الإنفاق، لذا قلّ عدد من يشترون اللحم". وأضاف أن بعض الزبائن الذين اعتادوا شراء كيلوجرامات كاملة، باتوا الآن يكتفون بشراء ما لا يزيد عن ربع كيلوجرام.
وكان قطاع البناء والأنشطة العقارية يمثل نحو ربع الناتج الاقتصادي للصين قبل أزمة الإسكان، لكنه توقف تقريباً مع تراجع الطلب على الشقق الجديدة.