تضغط إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لإبرام اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، قبل عيد الشكر المقرر الخميس، بينما دعا منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الثلاثاء، إلى الضغط على حكومة تل أبيب، للموافقة على الاتفاق خلال اجتماعها المقرر في وقت لاحق من الثلاثاء. 

الاتفاق الوشيك، الذي يستعد الرئيس الأميركي، ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون لإصدار بيان مشترك بشأنه، حسبما نقلت مصادر لصحيفة "الشرق الأوسط"، يتضمن إعلان وقف النار لمدة 60 يوماً، وإنشاء "آلية مراقبة"، لكنه يواجه نقطة خلاف رئيسية، فد تعيق إبرامه تتمثل في إصرار نتنياهو على تأمين بعض الضمانات بأن إسرائيل يمكنها استئناف القتال، إذا انتهك "حزب الله" اللبناني الهدنة.

وقال متحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي، إن مجلس الوزراء الأمني ​​الإسرائيلي، سيعقد اجتماعاً، الثلاثاء، لمناقشة تفاصيل اتفاق وقف إطلاق النار الذي تدعمه الولايات المتحدة، لوقف الحرب على لبنان.

وأدت المفاوضات المكثفة على مدى الأسبوع الماضي إلى تقريب وجهات النظر، لكن الاتفاق لم يتم الانتهاء منه بعد، وفق مسؤولين إسرائيليين ولبنانيين وغربيين.

وقال مسؤولان إسرائيليان لصحيفة "نيويورك تايمز"، إن الوسطاء أحرزوا تقدماً كبيراً نحو وقف إطلاق النار على مدار الأسبوع الماضي، لكن نقطة الخلاف الرئيسية كانت إصرار نتنياهو على تأمين بعض الضمانات بأن إسرائيل يمكنها استئناف القتال، إذا قرر "حزب الله" مهاجمة إسرائيل وخرق الهدنة.

وبموجب الاتفاق، ستنسحب القوات الإسرائيلية من لبنان في غضون 60 يوماً، في حين يتراجع "حزب الله" شمالاً، بعيداً عن الحدود الإسرائيلية.

وقال المسؤولون، إن الجيش اللبناني سينتشر في جنوب لبنان لضمان بقاء "حزب الله" شمال نهر الليطاني، وهو ما يعني عملياً إنشاء منطقة عازلة على طول الحدود الإسرائيلية. 

وذكر دبلوماسيون ومسؤولون، إن محادثات وقف إطلاق النار تواجه عدة نقاط خلافية، على الرغم من أن الظروف تبدو مواتية للتوصل إلى اتفاق.

المفوّض الأعلى لشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، شدد في تصريحات صحافية، الثلاثاء، على أنه لا توجد أعذار لعدم تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان.

وأضاف: "الاتفاق المقترح يتضمن كل الضمانات الأمنية اللازمة لإسرائيل"، داعياً إلى الضغط على إسرائيل من أجل الموافقة على الاتفاق.

وقال اثنان من المسؤولين لصحيفة "نيويورك تايمز"، إن إسرائيل تشعر بالقلق من أن المرة الأخيرة التي وافقت فيها على مثل هذا الهدنة، والتي أنهت حرب عام 2006، فشلت في إبعاد "حزب الله" عن حدودها الجنوبية مع إسرائيل، مشيرين إلى أن اقتراح وقف إطلاق النار الحالي مبني على اتفاق عام 2006، لذا فإن إسرائيل تريد هذه المرة، موافقة واضحة على دعم الاتفاق نفسه بالقوة.

ونقلت "نيويورك تايمز"، أن إسرائيل تريد الحق في اتخاذ إجراءات عسكرية ضد مقاتلي "حزب الله"، إذا ظلوا بالقرب من الحدود أو عادوا إلى هناك. وقال المسؤولان إن المسؤولين اللبنانيين كانوا مترددين في الموافقة على مثل هذه اللغة في الاتفاق.

وتسعى إسرائيل، إلى الحصول على موافقة رسمية من الولايات المتحدة، إما كجزء من الاتفاق أو في وثيقة مصاحبة، على أن تتمكن إسرائيل من إعادة نشر قواتها حال حدوث هذا السيناريو.

نتنياهو منفتح على هدنة مع "حزب الله"

ويبدو أن نتنياهو أكثر انفتاحاً على التوصل إلى اتفاق مع "حزب الله" في لبنان منه مع "حماس" في غزة، ويرجع هذا إلى حد كبير إلى أنه أكثر عزماً على تدمير "حماس" بالكامل من "حزب الله"، وفق "نيويورك تايمز".

أما بالنسبة لـ"حزب الله"، فقد بدا أن الجماعة اللبنانية مستعدة لقبول الاتفاق. وقال عضوان إيرانيان في الحرس الثوري، تحدثا للصحيفة الأميركية، شرط عدم كشف هويتهما، إن إيران أُخطرت، الاثنين بأن وقف إطلاق النار وشيك.

وقادت الولايات المتحدة وفرنسا الدفع من أجل وقف إطلاق النار. وفي الأسبوع الماضي، أرسلت إدارة بايدن مبعوثاً رفيع المستوى، آموس هوكستين، إلى إسرائيل ولبنان. وقال جون كيربي، منسق الاتصالات الاستراتجية في البيت الأبيض، للصحافيين، الاثنين، إن المسؤولين الأميركيين "يعتقدون أن مسار هذا يسير في اتجاه إيجابي للغاية"، وأضاف: "لكن لا شيء يتم فعله حتى يتم إنجاز كل شيء".

وقالت الحكومة الفرنسية في بيان، الاثنين، إن المحادثات "حققت تقدماً كبيراً"، وأنها تأمل "أن تغتنم الأطراف المعنية هذه الفرصة في أقرب وقت ممكن".

في غضون ذلك، قال جون كيربي لشبكة CNN، إن مفاوضات وقف إطلاق النار في لبنان تستند إلى "الكثير من الذهاب والإياب، والكثير من المناقشات، والكثير من العمل" في الأشهر الأخيرة.

وأضاف كيربي: "نعتقد أننا وصلنا إلى هذه النقطة حيث، كما تعلمون، نحن قريبون". "لكن مرة أخرى، أريد أن أكون حذراً هنا في كيفية وصف الأمر، لأنه حتى يتم إنجاز كل شيء، فلن يكون لديك اتفاق".

تفاصيل الاتفاق الوشيك

ويتضمن مقترح الاتفاق الجاري مناقشته، هدنة مبدئية لمدة شهرين، يتم خلالها سحب القوات الإسرائيلية من لبنان، في حين يوقف "حزب الله" وجوده المسلح على الحدود الجنوبية جنوب نهر الليطاني. 

وسيرافق عمليات الانسحاب، توجه الآلاف من جنود الجيش اللبناني، الذي تم تهميشه بشكل كبير خلال الحرب، إلى المنطقة الحدودية لمراقبتها بالتعاون مع قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة الموجودة بالفعل.

علاوة على ذلك، سيتم تشكيل لجنة دولية لمراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، الذي صدر في عام 2006 لإنهاء حرب استمرت شهراً بين إسرائيل و"حزب الله"، لكنه لم يُنفذ بشكل كامل. 

ولم ينه "حزب الله" وجوده في جنوب لبنان، في حين قال لبنان إن إسرائيل كانت تنتهك مجاله الجوي باستمرار وتحتل مناطق صغيرة من أراضيه. ولم يتضح بعد ما إذا كان الاتفاق الجديد سيحقق نجاحاً أكبر من ذلك الذي أُبرم في عام 2006.

وقال السفير الإسرائيلي في واشنطن، مايكل هيرتسوج، لإذاعة الجيش الإسرائيلي، الاثنين، إن الاتفاق يهدف إلى تحسين الرقابة وتنفيذ القرار السابق. وأضاف أن الاتفاق بات قريباً ويمكن التوصل إليه "في غضون أيام"، رغم وجود بعض النقاط التي لا تزال بحاجة إلى التحديد. 

هامش أكبر لضرب "حزب الله"

وذكر دبلوماسيان غربيان، تحدثا إلى وكالة "أسوشيتد برس"، بشرط عدم كشف هويتهما، لأنهما غير مخولين بمناقشة المفاوضات الجارية، عدة نقاط خلافية. وقالا إن إسرائيل طالبت بضمانات إضافية للتأكد من إزالة أسلحة "حزب الله" من المنطقة الحدودية.

وفي ظل مخاوفهم من احتمال شن "حزب الله" هجوماً مماثلاً لذلك الذي نفذته حركة "حماس" الفلسطينية على جنوب إسرائيل، في 7 أكتوبر 2023، قال مسؤولون إسرائيليون إنهم لن يوافقوا على أي اتفاق لوقف إطلاق النار لا يتضمن صراحةً منحهم حرية شن هجمات على لبنان إذا اعتقدوا أن حزب الله ينتهك الاتفاق، حسبما ذكرت الوكالة. 

ونقلت "أسوشيتد برس" عن مسؤول إسرائيلي، طلب عدم كشف هويته، قوله، إن هذه المسألة لا تزال نقطة خلاف، لكنه أشار إلى أن المفاوضات تسير في "اتجاه إيجابي". 

وفي المقابل، قال مسؤولون لبنانيون، إن الموافقة على اتفاق كهذا ستشكل انتهاكاً لسيادة لبنان. وأكد الأمين العام لـ"حزب الله"، نعيم قاسم، أن الحزب لن يوافق على أي اتفاق لا يتضمن "وقف العدوان بشكل كامل وشامل" ولا يحمي سيادة لبنان. 

واختلف لبنان مع إسرائيل أيضاً، بشأن الدول التي ستشارك في اللجنة الدولية المكلفة بالإشراف على تنفيذ الاتفاق وقرار مجلس الأمن رقم 1701.

وتراجعت إسرائيل على ما يبدو عن معارضتها لطلب لبنان بضم فرنسا إلى الاتفاق، بعد أن كانت ترفض ذلك على خلفية موقف باريس، من مذكرة المحكمة الجنائية الدولية، الداعية لاعتقال بنيامين نتنياهو. 

ونقلت "أسوشيتد برس"، الاثنين، عن مسؤول مطلع على المحادثات، قوله إن فرنسا ستشارك في لجنة المراقبة. وقال نائب رئيس مجلس النواب اللبناني، إلياس أبو صعب، إن إسرائيل قبلت تواجد فرنسا في اللجنة.

لكن لبنان رفض وجود بريطانيا، الحليف المقرب لإسرائيل، في اللجنة. ولم يتضح، الاثنين، ما إذا كان المسؤولون اللبنانيون قد تراجعوا عن معارضتهم بعد تنازل إسرائيل.

إنهاء الحرب 

وتوقعت "أسوشيتد برس" أن يؤدي التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار إلى تهدئة التوترات الإقليمية بشكل كبير، والتي أثارت مخاوف من اندلاع حرب مباشرة بين إسرائيل وإيران.

وكان "حزب الله" قد أصر لفترة طويلة على أنه لن يوافق على وقف إطلاق النار حتى تنتهي الحرب على غزة، لكنه تراجع الآن عن هذا الشرط، وفقاً للوكالة. 
 
وأشار أحد الدبلوماسيين إلى وجود مخاوف إلى اتساع الحرب إلى سوريا والعراق في حال عدم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، في ظل محاولات إسرائيل قطع إمدادات الأسلحة من إيران إلى "حزب الله".

وفي الوقت الحالي، يعتقد كثيرون أنه لن يتم التوصل إلى أي اتفاق قبل أن يتولى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، منصبه في يناير المقبل.