في الوقت الذي يحث فيه الملياردير الأميركي إيلون ماسك إلى جانب باحثين عدة من أجل السيطرة على الذكاء الاصطناعي، إلا أن الوزراء في لندن أشادوا بفوائده، حسبما جاء في تقرير لصحيفة بوليتيكو، حيث كشفت وزيرة العلوم والابتكار والتكنولوجيا في حكومة ريشي سوناك، ميشيل دونيلان عن خطط طال انتظارها لتنظيم الذكاء الاصطناعي، لكنها لن تكون متشددة.

ووفق الصحفية الأميركية، تتجه خطط المملكة المتحدة نحو منح المنظمين الحاليين عاما لإصدار "إرشادات عملية" للاستخدام الآمن للتعلم الآلي والذكاء الاصطناعي في قطاعاتهم استنادا إلى مبادئ عامة مثل السلامة والشفافية والإنصاف والمساءلة، لكن لم يتم التخطيط لتشريعات أو هيئات تنظيمية جديدة للتكنولوجيا.

ويتناقض توجه لندن مع الاستراتيجية التي يتم اتباعها في دول الاتحاد الأوروبي، حيث يدفع المشرعون هذا القطاع من خلال قواعد أكثر تفصيلا وتشددا وبدعم من نظام جديد للمسؤولية.

وتصر وزيرة العلوم والابتكار والتكنولوجيا في بريطانيا على أن "نهجها المنطقي في وجود مبادئ فقط دون قواعد" سيسمح للمملكة المتحدة بأن تكون "أفضل مكان في العالم لبناء واختبار واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي".

تحذيرات متلاحقة

يخشى بعض الخبراء من أن صانعي السياسة في المملكة المتحدة، مثل نظرائهم في جميع أنحاء العالم، ربما لم يدركوا حجم التحدي، ويعتقدون أن هناك حاجة إلى مزيد من الإلحاح في فهم ومراقبة كيفية استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي سريعة التطور، حسبما قال مايكل بيرتويستل، المدير المساعد لقانون وسياسة البيانات والذكاء الاصطناعي في معهد "آدا لوفلايس"، محذرا من وجود "ثغرات كبيرة" يمكن أن تترك الأضرار "دون معالجة".

بدوره، حذر الباحث في مؤسسة "آدم سميث" البحثية كونور أكسيوتس، من أنه "يجب ألا نجازف باختراع يمثل انفجارا نوويا قبل أن نتعلم كيفية إبقائه تحت السيطرة".

وقبل ساعات تم إطلاق رسالة مفتوحة تدعو الشركات إلى إيقاف العمل مؤقتا على تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي لمدة 6 أشهر على الأقل، لدراسة إمكانات ومخاطر هذه الأنظمة والتخفيف من حدتها، حيث وقع عليها خبراء في الذكاء الاصطناعي والمديرين التنفيذيين في الصناعة، بما في ذلك رئيس شركة صناعة السيارات الكهربائية تيسلا إيلون ماسك.

ودعت الرسالة مطوري الذكاء الاصطناعي إلى العمل مع صانعي السياسات من أجل "الإسراع بشكل كبير في تطوير أنظمة حوكمة قوية للذكاء الاصطناعي"، والتي يجب أن "تشمل على الأقل سلطات تنظيمية جديدة وقادرة مخصصة للذكاء الاصطناعي".

وحذرت الرسالة من أن مختبرات الذكاء الاصطناعي عالقة في "سباق خارج نطاق السيطرة لتطوير ونشر عقول رقمية أكثر قوة لا يمكن لأحد، ولا حتى منشئوها، فهمها أو التنبؤ بها أو التحكم فيها بشكل موثوق".

التزامات قانونية

رئيسة مركز تحليل وسائل التواصل الاجتماعي في مركز الأبحاث Demos إلين جودسون، حذرت من أن نهج المملكة المتحدة المتمثل في تحديد المبادئ وحدها "لا يكفي"، قائلة: "بدون سن الالتزامات القانونية، فإن هذا نهج سيؤدي إلى استخدامات محفوفة بالمخاطر وغير أخلاقية للذكاء الاصطناعي".

في المقابل قال وزير التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي بول سكالي في تصريحات لهيئة الإذاعة البريطانية، إنه "غير متأكد" من إيقاف المزيد من تطورات الذكاء الاصطناعي مؤقتا. مضيفا أن مقترحات الحكومة يجب أن "تبدد أي من مخاوف الباحثين".

وتابع بالقول: "ما نحاول القيام به هو أن يكون لدينا وضع يمكننا فيه التفكير كحكومة وكقطاع من خلال المخاطر وذلك إلى جانب فوائد الذكاء الاصطناعي والتأكد من أنه يمكن أن يكون لدينا إطار عمل حول هذا لحمايتنا من الأضرار".

ويواجه بعض أولئك الذين عملوا عن كثب مع الحكومة البريطانية بشأن سياسة الذكاء الاصطناعي مخاوف بشأن قدرة المملكة المتحدة على صنع سياسة واضحة.

"كان نهجها في صنع السياسات استشاريا للغاية"، وفقا لمديرة في هيئة الصناعة "TechUK"، التي تتابع عن كثب تطورات الذكاء الاصطناعي لعدد من السنوات سو دالي.

وفي عام 2018، أنشأت الحكومة البريطانية مركز أخلاقيات البيانات والابتكار ومكتب الذكاء الاصطناعي، حيث يعمل عبر الإدارات الرقمية والتجارية الحكومية حتى انتقل إلى قسم العلوم والابتكار والتكنولوجيا الذي تم إنشاؤه حديثا في وقت سابق من هذا العام.

عضو لجنة العلوم والتكنولوجيا بالبرلمان والمنتمي لحزب المحافظين جريج كلارك، يقول إنه يعتقد أن الحكومة كانت على حق في "التفكير بعناية"، مشددا على أن هذا هو رأيه وليس رأي اللجنة.

وأضاف: "هناك خطر في التسرع في تبني لوائح واسعة النطاق على وجه السرعة ولم يتم التفكير فيها بشكل صحيح واختبار الضغط، ويمكن أن يكون ذلك عبئا لنا ويمكن أن يعيق التطبيقات الإيجابية للذكاء الاصطناعي". لكنه عاد ليقول إنه يتعين على الحكومة "المضي قدما بسرعة" من المبادئ العامة إلى إطار تنظيمي خلال الأشهر المقبلة.

الرأي العام

تشير الدراسات الاستقصائية إلى أن الآثار المحتملة للتكنولوجيا لم تتحقق بالكامل بعد، إذ وجدت شركة "Public First"، وهي شركة استشارية أجرت مجموعة من الاستطلاعات حول المواقف العامة تجاه الذكاء الاصطناعي في وقت سابق من هذا الشهر، إلى أنه بخلاف المخاوف بشأن البطالة، كان الناس إيجابيين جدا بشأن الذكاء الاصطناعي.

ويقول الشريك المؤسس لـ "Public First" جيمس فراين: "من المؤكد أن الأمر يتضاءل إلى درجة عدم الأهمية مقارنة بالأشياء الأخرى التي يقلقون بشأنها مثل احتمال نشوب نزاع مسلح، أو حتى تأثير تغير المناخ". مضيفا: "مخاوف الذكاء الاصطناعي تقع في أسفل قائمة الأولويات".

لكنه عاد فراين ليحذر من تغير وجهات النظر هذه، مضيفا: "يفترض المرء أنه في مرحلة ما سيكون هناك حدث يصدمهم ويهزهم ويجعلهم يفكرون بشكل مختلف تماما حول الذكاء الاصطناعي".

وتابع بالقول: "في هذه المرحلة ستكون هناك مطالب كبيرة على الحكومة للتأكد من أنهم قد انتهوا من كل هذا فيما يتعلق بالتنظيم"، متوقعا ألا تتحرك الحكومة بسرعة كبيرة فحسب، بل أن تكون قد أحرزت تقدما كبيرا بالفعل في هذا الشأن. 

(ترجمات)