إذا كان هناك ناخب نموذجي للمرشحة في الانتخابات الرئاسية عن الحزب الديمقراطي كامالا هاريس، فسيكون تشارلز جونسون، وهو طالب جامعي من أصول إفريقية يبلغ من العمر 23 عاماً، لكونه مطلع ومنخرط سياسياً.

ذهب جونسون لسماع خطاب الرئيس السابق باراك أوباما، الجمعة الماضي، في تجمع انتخابي ديمقراطي في حرم جامعة أريزونا، ولكنه في الواقع ليس منبهراً بأوباما، أول رئيس من أصول إفريقية للبلاد، ولا بكامالا هاريس، التي من الممكن أن تكون الثانية، حسبما ذكرت NBC NEWS الأميركية.

ويقول جونسون للشبكة إنه يميل إلى "التصويت لصالح دونالد ترمب، مضيفاً "وسائل الإعلام تقول إن ترمب فظيع وعنصري، وسيعيدنا إلى ما كنا عليه، لكنه يحظى بدعم الناخبين من أصول إفريقية. إنه يحظى بدعم الرجال منهم فقط".

وأصابت استطلاعات الرأي الأخيرة التي أظهرت تراجع شعبية هاريس بين الناخبين من أصول إفريقية، وخاصة الشباب منهم، الديمقراطيين بالقلق.

مهمة أوباما

وفي دعمه لحملة هاريس الانتخابية، فإن إحدى مهام أوباما هي إقناع الرجال من أصول إفريقية مثل جونسون بأن "التصويت لصالح ترمب سيكون خطأ فادحاً". 

وفي الأيام المتبقية من عمر السباق الرئاسي، سيجري أوباما مقابلات مع مقدمي البرامج الصوتية، وشخصيات الإنترنت المختلفة التي تحظى بمتابعة الأميركيين من أصول إفريقية، بحسب ما أفاد "أحد مساعديه".

ويظل أوباما شخصية فريدة في السياسة الأميركية، ويحظى بشعبية واسعة، فهو الرئيس الوحيد منذ رونالد ريجان الذي فاز بالرئاسة مرتين بأكثر من 50% من الأصوات، وفقاً للشبكة.

وأظهر استطلاع للرأي أجرته كلية إيمرسون هذا الشهر، أن أغلبية الناخبين في كل من الولايات السبع المتأرجحة الرئيسية التي ستقرر الانتخابات لديهم رأي إيجابي تجاهه.

"مجلس استشاري"

وقال مستشاروه إن أوباما وهاريس يتحدثان مع بعضهما بانتظام، حيث يعمل أوباما بمثابة "مجلس استشاري"، بشأن قضايا مثل اختيارها للمرشح لمنصب نائب الرئيس.

وأضافوا أن أوباما "عرض عليها أي مساعدة قد تحتاجها في استراتيجية الحملة، وجمع التبرعات والموظفين". 

وبعد أن حلت هاريس محل جو بايدن كمرشحة ديمقراطية، انضم مدير حملة أوباما السابق ديفيد بلوف كواحد من كبار مستشاريها.

وبعمله خلف الكواليس إلى حد كبير، نجح أوباما بالفعل في جمع ما يقرب من 80 مليون دولار لصالح الحزب الديمقراطي، حسبما ذكرت NBC NEWS.

وفي إحدى المرات، سجل أوباما 21 مقطع فيديو، لحملة هاريس في جلسة واحدة، حسبما قال أحد مساعديه، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته.

ويقول جويل بيننسون، أحد خبراء استطلاعات الرأي السابقين في حملة أوباما: "إن الناخبين من أصول إفريقية يكنون قدراً هائلاً من الاحترام والإعجاب للرئيس أوباما، وسوف ينتبهون إلى رسالته. 

وأضاف أن ما تنطوي عليه رسالته ضمناً هو: "عليكم أن تحتشدوا حولها كما احتشدتم حولي. هذه هي الرسالة التي سوف يتلقونها، وسوف تكون مفيدة".

ولكن ليس من المؤكد أن الجمهور المستهدف لأوباما يستمع.

خلفية أوباما 

أوباما، وهو ابن لأب من أصول إفريقية وأم بيضاء، محفور إلى الأبد في تاريخ أميركا المضطرب فيما يتعلق بالقضايا العرقية، فقد ألقى أحد أكثر الخطب إقناعاً في تاريخ البلاد، بهذا الشأن عندما كان مرشحاً رئاسياً شاباً في عام 2008. 

وقال أحد مساعدي هاريس إن الحملة "أرادت من أوباما أن يضبط توقيت تجمعاته بحيث تتزامن مع بدء التصويت المبكر في الولايات الرئيسية المتأرجحة".

وقالت لورين هيت، المتحدثة باسم الحملة: "لقد كان مفيداً للغاية في هذا التوقيت".

وربما لم يرَ الجيل الأصغر سناً من الأميركيين من أصول إفريقية أوباما كثيراً، ولا يتذكرون سوى القليل عن فترة رئاسته التي انتهت قبل 8 سنوات.

وفي تجمعين انتخابيين في توسان، ولاس فيجاس في الأيام الأخيرة، اجتذب أوباما آلاف المؤيدين المهللين، رغم أن الإقبال بين الشباب من أصول إفريقية بدا ضئيلاً.

وعندما يتعلق الأمر بهذه الشريحة المتميزة من الناخبين، قد لا يكون أوباما الشخص المقنع الذي كان عليه ذات يوم، كما قال بعض الحاضرين، للشبكة.

حيرة التصويت لهاريس

قال مايلز كوفينجتون، 35 عاماً، وهو طالب من أصول إفريقية في جامعة أريزونا، إنه لم يقرر بعد لمن سيصوت. 

لكنه جاء لسماع خطاب أوباما، وبينما كان يقف في الطابور لحضور الحدث في الحرم الجامعي، قال إنه "لا يرى أوباما كشخصية يمكن أن تكون مؤثرة بشكل خاص بين الشباب من أصول إفريقية".

وقال كوفينجتون: "إن صدى أوباما يتردد في ثقافة مختلفة. سيحتاجون إلى شاب من أصول إفريقية ليأتي ويقف، إنه ليس ذلك الشاب".

وأثارت دعوة أوباما للرجال من أصول إفريقية للتصويت لهاريس، في وقت سابق من هذا الشهر ردود فعل عنيفة. ففي حديثه إلى مجموعة من المتطوعين في الحملة في بيتسبرج، تبنى نبرة اعتبرها البعض "توبيخاً".

ولا يشعر الرجال من أصول إفريقية، ممن يميلون إلى الجلوس خارج السباق وعدم التصويت، بإيجابية حيال فكرة وجود امرأة كرئيسة.

ملاحقة لأصوات تاريخية

وقال شخص مقرب من أوباما "إنه لم يتراجع". وقال الشخص إن وجهة نظره هي أن "الناخبين الرجال من أصول إفريقية مهمون لفوز هاريس، وهو يركز على حشد ما كان تاريخياً جزءاً مخلصاً من التحالف الديمقراطي".

وفي انتخابات لا تزال غير محسومة، تريد هاريس تجنب أي تآكل في تصويت الشريحة من أصول إفريقية، إذ حصل أوباما على 95٪ من أصواتهم في خلال فترته الرئاسية الأولى في عام 2008، و93٪ عندما فاز بإعادة انتخابه بعد أربع سنوات.

وكشف استطلاع رأي أجرته صحيفة "نيويورك تايمز / كلية سيينا" في وقت سابق من هذا الشهر أن 78٪ من الناخبين من أصول إفريقية في جميع أنحاء البلاد يفضلون هاريس، أقل بـ 12 نقطة من المستوى الذي حصل عليه بايدن، في عام 2020 عندما هزم ترمب بفارق ضئيل.

وحتى لو لم تتمكن هاريس من تحسين مكانتها بين هؤلاء الناخبين، لا يزال بإمكانها تعويض هذا النقص من خلال التفوق على المرشحين الديمقراطيين السابقين للرئاسة في أجزاء أخرى من الناخبين.

وقال جيه بي بريتزكر، حاكم إلينوي الديمقراطي،"سنكون أفضل مما تشير إليه استطلاعات الرأي مع الرجال من ذوي الأصول الإفريقية".

وأضاف بريتزكر، الذي كان في لاس فيجاس، السبت، لحضور تجمع لحقوق الإجهاض: "بمعنى ما، يمكنك التركيز على الرجال من أصول إفريقية، ولكن يمكنك أيضاً القول إن هناك نسبة أعلى بكثير من النساء غير المتعلمات جامعياً واللواتي يدعمن كامالا هاريس مقارنة بالماضي"، وفقاً للشبكة.

التمييز الجنسي 

في خطاباته الأخيرة، تخلى أوباما عن الحجة القائلة بأن التمييز على أساس الجنس ربما يكون السبب وراء ابتعاد الناخبين الذكور عن هاريس.

كما لم يتطرق إلى العرق في مدينتي توسان أو لاس فيجاس، وجادل بدلاً من ذلك بأن الرجال بشكل عام، قد ينجذبون إلى ترمب؛ بسبب الانطباع الخاطئ بأنه "شخصية قوية".

وقال أوباما "لقد لاحظت هذا، وخاصة مع بعض الرجال الذين يعتقدون أن سلوك ترمب، والتنمر وإهانة الناس والتظاهر بالصلابة، هو بطريقة ما علامة على القوة".

كما قال في مدينة توسان "أنا هنا لأخبركم أن هذه ليست القوة الحقيقية. لم تكن كذلك أبداً، القوة الحقيقية هي العمل الجاد وتحمل عبء ثقيل دون شكوى. القوة الحقيقية هي تحمل المسؤولية عن أفعالك وإخبار الحقيقة حتى عندما يكون ذلك غير مريحاً"، حسبما ذكرت NBC NEWS.

وكان هذا المنطق صحيحاً بالنسبة لبعض الرجال من أصول إفريقية، الذين جاءوا لسماع خطابه، إذ قالوا إن "ترمب يتسم بنوع من التباهي الذي يقلده بعض الرجال".

كاليد ميكي، 53 عاماً، هو رجل من أصول إفريقية، ومؤيد لهاريس قاد سيارته لمدة 12 ساعة من كاليفورنيا لمشاهدة خطاب أوباما في لاس فيجاس.

وقال للشبكة :"مع أوباما، يمكنه المساعدة إلى حد ما، وقد بدأ الحوار. لكنني لا أعتقد أنه يستطيع فعل الكثير".

وأضاف أن ترمب رجل أبيض يبلغ من العمر 78 عاماً، لكنه يتمتع بـ"كاريزما" يجدها بعض الرجال من أصول إفريقية بعمر أصغر سناً "جذابة".

حذر من سجل هاريس 

وعلاوة على ذلك، فإن بعض الرجال من أصول إفريقية، حذرون من هاريس؛ بسبب سجلها كمدعية عامة سابقة في كاليفورنيا.

وأوضح ميكي: "لقد مر الرجال الأميركيون من أصل إفريقي بتجارب قاسية مع إنفاذ القانون"، مضيفاً أنها "مدعية عامة سابقة والكثير من هؤلاء لا يميلون لها".

هناك المزيد في خطاب ترمب وقصة حياته يجدها الآخرون مسيئة. سلطت حملة هاريس الضوء على واقعة في عام 1989 عندما دعا ترمب إلى تطبيق عقوبة الإعدام على مجموعة تعرف بـ"5 أشخاص في سنترال بارك"، وهم أربعة مراهقين من أصول إفريقية، ومراهق لاتيني اتهموا بتنفيذ جريمة في سنترال بارك، وتم تبرئتهم لاحقاً.

كما أن ترمب خلال الحملة، واجه انتقادات لزعمه أن المهاجرين يأخذون "الوظائف".

ويدرك الشاب جونسون، ماضي ترمب واتهامات العنصرية. وعلق قائلاً : "هل يزعجني هذا؟ لا. هل من المفترض أن أفكر في أن بايدن، الرجل الأبيض البالغ من العمر 81 عاماً، لن يكون عنصرياً أيضاً؟"

وأضاف: "تحدث أوباما كثيراً عن العرق عندما كان يريد الترشح للرئاسة، لست متأكداً من أنه كان الرئيس الأكثر تقدمية في العرق، كان بإمكانه أن يفعل المزيد إذا كان يريد ذلك حقاً. أعتقد أنه كان يتطرق إلى ذلك للفوز بالانتخابات، وهذا ما يقلقني بشأن هاريس".