عام 2012، قام باحثون من جامعة أكسفورد بتحليل بيانات 71 دراسة منشورة ليقارنوا بين المزارع العضوية والتقليدية في أوروبا.
خلص الباحثون إلى أن عملية الزراعة وتربية الحيوانات العضوية جيدة بشكل عام للحياة البرية، لكن ليس لها بالضرورة تأثيرات بيئية عامة أقل من الزراعة التقليدية.
تتضمن الزراعة التقليدية استخدام المبيدات الكيماوية والأسمدة، كل هذه الممارسات تقلل من التنوع البيولوجي للتربة وتؤدي إلى تدهور الأراضي، فضلاً عن التلوث الكيميائي على نطاق واسع؛ الأمر الذي تنتج عنه آثار اقتصادية واجتماعية سلبية، وعلى عكس ذلك تهدف أساليب الزراعة العضوية إلى حماية التنوع البيولوجي للتربة والحفاظ على دورات المغذيات المختلفة الموجودة في التربة الصحية.
كشفت أبحاث أكسفورد أنه في حين أن الزراعة العضوية تدعم دائماً المزيد من التنوع البيولوجي، ولها عموماً تأثير بيئي أوسع نطاقاً لكل وحدة من الأرض، فإنه لا يكون لها بالضرورة تأثير إيجابي لكل وحدة إنتاج.
ويختلف التأثير البيئي من منتج إلى آخر، ففي حين يؤدي الحليب العضوي والحبوب المزروعة عضوياً إلى توليد انبعاثات غازات دفيئة أعلى لكل وحدة من المنتجات مقارنة بنظيراتها المُنتجة بالطرق التقليدية، كان للحوم البقر والزيتون العضوي انبعاثات أقل في معظم الحالات.
بشكل عام، تتطلب المنتجات العضوية مدخلات طاقة أقل، لكنها تتطلب مساحة أكبر من الأراضي مقارنة بالكمية نفسها من المنتجات التقليدية، الأمر الذي قد يتسبب في إزالة الغابات.
مزايا إنماء الطعام العضوي على البيئة
من ناحية أخرى، تنتهج الزراعة العضوية ممارسات تهدف إلى بناء التربة مثل دورات المحاصيل والمحاصيل البينية واستخدام الأسمدة العضوية والحد الأدنى من الحراثة، تحسّن تلك الممارسات تكوين التربة وبنيتها وتخلق أنظمة أكثر استقراراً، وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة ( الفاو).
تحل الزراعة العضوية أزمة تلوث مجاري المياه الجوفية بالأسمدة الاصطناعية والمبيدات الحشرية، إذ يُحظر استخدام الأسمدة الصناعية في الزراعة العضوية.
فيما يتعلق بالتنوع البيولوجي، تتمتع المزارع العضوية بثراء أنواع أعلى بنسبة 30 في المئة من المزارع التقليدية، وفقاً لدراسة أكسفورد.
التربة مستودع الكربون
لذا تحافظ الزراعة العضوية على التربة من الملوثات الكيميائية، وتثريها بتنوع بيولوجي، وفي لقائه مع «CNN الاقتصادية» قال فوللي كاروتشي، مدير الأنظمة الغذائية في برنامج الغذاء العالمي، على هامش مؤتمر الأطراف العالمي ( كوب 28) إن المناقشة الدائرة حول أهمية الزراعة العضوية يجب ألا تكون مستقطبة، وأضاف «أعتقد أننا نعتمد على التربة، إذ إنها أساسية للحياة على كوكبنا، تفوق قدرة التربة على تخزين الكربون قدرةَ أي شيء آخر في العالم، إذ تخزن 2500 غيغاطن، لذا يجب أن نحفظها صحية، لتوفر لنا الغذاء والصحة، ولتنتج غذاءً للفئات الفقيرة، فنحن كبرنامج الغذاء العالمي، علينا أن نهتم بذلك».
تسهم الزراعة العضوية في التخفيف من ظاهرة الاحتباس الحراري من خلال قدرتها على عزل الكربون في التربة، وفقاً لمنظمة الفاو تنتهج الزراعة العضوية ممارسات مثل الحد الأدنى من الحرث، وإعادة مخلفات المحاصيل إلى التربة، واستخدام محاصيل التغطية والدورات، وتسهم تلك الممارسات في تخزين الكربون في التربة وبالتالي تقليله في الجو، الأمر الذي يخفف من حدة تأثيرات التغير المناخي، وفقاً للمنظمة العالمية.
فمن خلال عملية التمثيل الضوئي، تمتص النباتات الكربون وتعيد بعضاً منه إلى الغلاف الجوي من خلال التنفس، ثم تستهلك الحيوانات الكربون الذي يبقى كأنسجة نباتية أو يضاف إلى التربة كفضلات عندما تموت النباتات وتتحلل، عادة يُخزَّن الكربون في التربة في صورة مواد عضوية ترابية.
المواد العضوية الترابية هي عبارة عن خليط معقد من مركبات الكربون، يتكون من أنسجة نباتية وحيوانية متحللة، يمكن أن يظل الكربون مخزناً في التربة لآلاف السنين، أو يتم إطلاقه بسرعة مرة أخرى إلى الغلاف الجوي، تؤثر الظروف المناخية والنباتات الطبيعية ونسيج التربة والصرف على كمية وطول الفترة الزمنية التي يتم فيها تخزين الكربون.
تواجه التربة عدداً من التهديدات مثل تآكل التربة، وفقدان الكربون العضوي في التربة، وعدم توازن المغذيات، وفقدان التنوع البيولوجي.
قد يستغرق الأمر ما يصل إلى 1000 عام لإنتاج 2-3 سم فقط من التربة، ويتآكل ما يعادل ملعب كرة قدم واحداً من التربة كل خمس ثوانٍ، ووفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة والمعهد الدولي للتربة، من المتوقع أن يفقد العالم أكثر من 90 في المئة من تربته بحلول عام 2050.
الأغذية العضوية مرتفعة التكلفة
عادة ما تكون تكاليف إنتاج الأغذية العضوية أعلى بسبب زيادة مدخلات العمالة لكل وحدة إنتاج، من ناحية أخرى يقل إنتاج الطعام العضوي مقارنة بالطلب عليه.
وبسبب قلة الكمية ترتفع تكاليف تجهيز وتخزين ونقل الأطعمة العضوية.
ما الحل؟
خلال حديثه مع «CNN الاقتصادية»، أشار كاروتشي إلى مناطق لا يؤمّن البشر فيها طعاماً سوى لثلاثة أو ستة أشهر فقط، وأضاف أن برنامج الغذاء العالمي يولي أهمية لتلك المناطق، وأوضح في حديثه أن التغيير ممكن، ضارباً مثالاً بمجموعة من السيدات أنتجوا 60 ألف طن من السماد، وغذوا بها آلاف الهكتارات من الأراضي، ما رفع طاقتها الإنتاجية من صفر إلى 200 كيلوغرام، وفقاً لقوله.
وخلص باحثو أكسفورد إلى ضرورة إدخال تقنيات جديدة، لتساعد في تقليل التأثير البيئي لجميع أنواع المزارع العضوية، إذ يمكن استخدام أجهزة الهضم اللاهوائية لتحويل النفايات الحيوانية إلى غاز حيوي للتدفئة والكهرباء، ويمكن تربية الماشية بشكل انتقائي لتقليل انبعاثات النيتروجين والميثان، ويمكن أيضاً تطوير المحاصيل -وراثياً- لتقليل الحاجة إلى المبيدات الحشرية أو الاستفادة من العناصر الغذائية بشكل أكثر كفاءة.