ذكر "معهد بروكينجز" الأمريكي، أن انهيار نظام الاسدفي سوريا، له تداعيات سياسية وامنية مهمة على العراق، خصوصا ان الفراغ الامني في سورياقد يخلق تأثيرات عبر الحدود تعيد التذكير بالعام 2014، عندما سيطر تنظيم داعش على الأراضيفي كلا البلدين، داعيا بغداد الى اعادة صياغة علاقاته مع إيران المتراجعة حالياً، والسيطرةعلى الجماعات المسلحة التي تعمل باستقلالية، خارج السيطرة المباشرة للحشد الشعبي.

واعتبر التقرير الأمريكي الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، أن الأحداث السوريةكانت من أسباب ونتائج تقلص القوة الايرانية في المنطقة، خصوصا بعد الهزيمة العسكريةلحزب الله في لبنان، مشيرا الى انه يتحتم على صناع القرار السياسي في العراق الذيناعتادوا على الوقوع بين الضغوط الاميركية والايرانية، اعادة ضبط علاقتهم مع "إيرانالضعيفة"، وهو ما يجب القيام به من خلال الحوار مع الادارة الامريكية الجديدةلدونالد ترامب، الذي من المرجح ان يجدد حملة الضغط الاقصى على طهران.

ولفت التقرير، إلى أن ذلك سيظهر تحديدا في المجال الأمني، حيث من المرجحان يعيد العراق والولايات المتحدة النظر في الاتفاقية الامنية التي أعلنا عنها في أيلول/سبتمبر2024 ، والتي رسمت الخطوط العريضة للانسحاب التدريجي للقوات الامريكية من القواعد فيالعراق بحلول العام 2026.

وتابع التقرير أنه بخلاف المجال الامني، فان العراق سيواجه ضغوطا لكي ينأىبنفسه سياسيا واقتصاديا عن إيران، بما في ذلك عن طريق الحد من أو إلغاء وارداته منالغاز الإيراني.

ودعا التقرير صناع السياسة في بغداد للنظر الى ذلك على أنه فرصة لكي يحققوابحذر الاستقلالية عن طهران، الا انه من الضروري ألّا تضغط واشنطن على بغداد الى حدعزلها، لان العلاقات العراقية - الايرانية متشابكة، وتشتمل على أطراف فاعلة عديدة،ولا تعكس بساطة العلاقة بين الراعي والوكيل.

وبعدما لفت التقرير الى وجود مؤشرات على ان طهران مستعدة لمضاعفة جهودهافي العراق مع تزايد عزلتها في المنطقة، وقال التقرير ان العراق الآمن والمستقر سيكونمحصنا اكثر في مواجهة ايران، مقارنة لو كان العراق ضعيفا، مؤكدا انه بعد مرور عقدينمن الزمن على حرب عام 2003، فقد وصلت بغداد اخيرا الى نقطة الاستقرار الكافي لمعالجةالتحديات الاقتصادية والبيئية الطويلة، مضيفا انه في منطقة حافلة بالدول الهشة، لذلكيجب ألا تتم المخاطرة باستقرار العراق الذي اكتسبه بصعوبة.

ترتيب أمني ثنائي

وبعد الاشارة الى اتفاق انهاء مهمة التحالف الدولي، قال التقرير إن قواتالتحالف لا يمكنها العمل من دون القيادة الامريكية، مما يشير الى ان المسعى برمته كانمجرد وسيلة الحكومتين العراقية والامريكية للحفاظ على ترتيباتهما مع حفظ ماء الوجهأمام جماهيرهما المحلية.

واوضح التقرير، ان العراقيين حساسون بشأن وجود القوات الامريكية، نظرالتاريخ الغزو، في حين أن الأمريكيين سئموا الحروب اللانهائية وأصبحوا حساسين تجاه الانسحابغير اللائق على غرار ما جرى في أفغانستان، مشيرا ايضا الى ان بغداد تواجه ضغوطا اضافيةمن طهران وحلفائها السياسيين في العراق، لانهاء مهمة التحالف الدولي، في حين ان صناعالقرار في العراق ملتزمون بالحفاظ على ترتيبات عسكرية قوية بحيث تساعد الولايات المتحدةهذا البلد على حماية أمنه لكن في اطار مختلف يحترم سيادته.

لقد استغرق الامر من العراقيين والامريكيين ما يقرب من عام للتوصل الىاتفاق بشأن انهاء قوة المهام المشتركة – عملية العزم الصلب. وكانت الخطة المتفق عليهاعبارة عن انسحاب تدريجي، يبدأ بقواعد في الانبار وبغداد بحلول نهاية عام 2025. وبحلولنهاية عام 2026، ستنسحب البعثة من اربيل، حيث تدعم حاليا العمليات الامريكية في شمالسوريا.

ونقل التقرير تصريحات لمسؤولين في وزارة الدفاع الامريكية، بان الانسحاب"يخضع للظروف على الأرض، وبالطبع للمشاورات بين القادة السياسيين المستقبليينفي العراق والولايات المتحدة". مؤكدين ان سقوط نظام الاسد في كانون الاول/ديسمبرالماضي، بدل الاوضاع على الارض، فيما يحتاج العراق الى الدعم الامريكي المتواصل مناجل الحفاظ على امنه، بما في ذلك ايضا تحقيق ثقل موازن لايران.

مواجهة نفوذ إيران

وذكر التقرير الامريكي، انه برغم ان ايران ليس لها وجود عسكري رسمي فيالعراق، الا انها تحتفظ بالسيطرة على "المقاومة الاسلامية في العراق"، التيتضم فصائل منضوية في "محور المقاومة"، مضيفا ان هذه الجماعات "ليستاقوى الجهات المسلحة في العراق، الا انها الاكثر صعوبة في السيطرة عليها بالنسبة للحكومةالعراقية".

ولفت التقرير الى ان هذه الجماعات انتهزت فرصة الحرب في غزة للنأي بنفسهاعن الحشد الشعبي التي تعمل الحكومة العراقية على اضفاء الطابع المؤسسي عليها ودمجهافي الهيكل الاوسع لقوات الامن العراقية، الا ان الحكومة العراقية لم تتمكن حتى الانمن السيطرة عليها، ولن تكون قادرة على القيام بذلك الى ان تتم تقوية قوات الامن بشكلاكبر وجعلها اكثر فعالية.

واضاف التقرير، انه في ظل الفراغ الامني الحاصل في سوريا، فأن بغداد لنيكون لديها الرغبة في تسريح اي هيكل امني، بما في ذلك قوات الحشد الشعبي.

ورأى التقرير ان ايران لم تنجح في تكرار نموذج حزب الله في العراق، علىالرغم من انها حاولت القيام بذلك من خلال "منظمة بدر" التي صارت جزءا منتحالف اكبر من الاحزاب واحدى المجموعات التي تعمل ضمن الحشد الشعبي، مضيفا ان ايرانقامت بانشاء العديد من الجماعات المسلحة لكنها خسرت سيطرتها عليها في احيانا كثيرةبمجرد دخولها ميدان الربح في السياسة العراقية، مما غير من دوافع عملها، وبالتالي،لم تتمكن ايران سوى من دعم جماعات مسلحة هامشية واصغر.

واوضح التقرير ان هذه الجماعات الصغيرة، شعرت بالحاجة الى النأي بنفسهاعن الحشد الشعبي من اجل العمل بحرية، مضيفا ان ايران الان وبعد سقوط نظام الاسد والهزيمةالعسكرية لحزب الله، تحاول المطالبة بسيطرتها على قوات الحشد الشعبي والتي عبر عنهمرشد الجمهورية علي خامنئي خلال لقائه رئيس الوزراء العراقي في 8 كانون الثاني/ينايرالماضي.

ولهذا، دعا التقرير العراق الى تجنب التحول الى الجبهة الجديدة في حربلا تعتزم ايران خوضها بنفسها، مشيرا الى ان العديد من صناع القرار في العراق يتشاطرونهذا الرأي، خصوصا بعد اعلان وقف اطلاق النار في غزة، مذكرا في هذا الاطار بتصريحاتلوزير الخارجية فؤاد حسين بان الحكومة تحاول إما حل الفصائل او دمجها في الدولة العراقية،بعدما كان المرجع الشيعي الاعلى علي السيستاني، اكد على اهمية احتكار الدولة للسلاح.

وتابع التقرير، ان الشعب العراقي الذي أنهكته الحرب، ليس مهتما باستعداءالولايات المتحدة من اجل شريك إقليمي تخلى عن لبنان.

وقال التقرير انه في ظل ادارة ترامب الاولى، فقد اظهرت الولايات المتحدةقدرتها على تنفيذ اغتيالات دقيقة، كما اظهرت اسرائيل قدرات مشابهة، ولهذا فان العراقبحاجة الى الاستمرار في اضفاء الطابع المؤسسي على الحشد الشعبي حتى لا يكون هناك ارتباكحول ما يشكل جهة فاعلة غير حكومية.

واضاف التقرير، "انها عملية طويلة بطبيعة الحال، مثلما يتضح من تجربةالقوات شبه العسكرية الكوردية في العراق، والتي لا تزال تكافح من اجل التوحد تحت سلسلةقيادة واحدة للبيشمركة".

ولفت التقرير الى اهمية ان يؤكد صناع القرار العراقيون على ان الجماعاتالمسلحة لن يتم استخدامها سوى للدفاع عن السيادة العراقية واتخاذ اجراءات جادة ضد منيخالف ذلك.

وخلص التقرير الى القول ان العراق لديه القدرة على ممارسة النفوذ على ايرانعلى الرغم من ان القادة العراقيين نادرا ما يستغلون ذلك، مضيفا ان ايران اعتمدت علىالعراق باعتباره احد منافذها الوحيدة الى السوق العالمية ومشتريا مهما للسلع الايرانية،وخاصة الغاز لانتاج الكهرباء، وذلك حتى قبل هذا التحول الاخير في القوة الاقليمية.

ونبه التقرير الى ان العراق يحظى بعلاقات دبلوماسية جيدة مع كل الاطرافالفاعلة القوية في المنطقة، مذكّرا بانه عمل كوسيط بين ايران والمملكة العربية السعودية.

واختتم التقرير انه في ظل ضعف ايران، فانه يتحتم على صناع السياسة في العراقوقادة الجماعات شبه العسكرية، التطلع الى تحقيق استقلاليتهم، بدلا من ان يتحولوا الى"أضحية" اخرى لايران، الا انه من اجل تحقيق ذلك يجب منح الاولوية لامن العراقواستقراره، لانهما سيكونان بمثابة الاسس لعلاقة عسكرية بين العراق والولايات المتحدة.

ترجمة: وكالة شفق نيوز