يستمر رؤساء الشركات في التحدث عن الذكاء الاصطناعي، في حين يبحث المعلمون عما يجب فعله حيال هذا الاختراع الجديد، ويبدو أن الفنانين -مثل المغني العالمي دريك- غاضبون من هذا التطور الجديد.
سواء كنت من المؤيدين أو المعارضين، فإن الجميع يهتمون بالذكاء الاصطناعي في الوقت الحالي، فبين عشية وضحاها تقريباً وجدت مجموعة جديدة من أدوات الذكاء الاصطناعي طريقها إلى المنتجات التي يستخدمها مليارات الأشخاص، ما أدى إلى تغيير طريقة البشر في أداء عملهم والتسوق والابتكار والتواصل مع بعضهم البعض.
يدافع أنصار الذكاء الاصطناعي عن إمكانات هذه التقنية الجديدة وقدرتها على زيادة إنتاجيتنا، وخلق فرص عمل أفضل، وتوفير تعليم أكثر جودة، وإيجاد علاجات أفضل للأمراض؛ على الجانب الآخر، أثار المتشككون مخاوف بشأن قدرة تقنيات الذكاء الاصطناعي على إلغاء الوظائف وتضليل البشر وربما تدمير الإنسانية في الصورة التي نعرفها، وما يزيد الوضع إرباكاً هو اختلاف وجهات النظر بين كبار قادة التكنولوجيا في وادي السيليكون أنفسهم، وبغض النظر عن اختلاف الآراء، فإن الحقيقة المؤكدة هي أن هذه التقنيات أصبحت تفرض نفسها على الساحة، بل وتتطور بسرعة مذهلة في المجالات كافة، وفيما يلي أهم ما تحتاجون لمعرفته عن هذه الحقبة الجديدة من الزمن.
ما هو الذكاء الاصطناعي؟
يرتبط مصطلح «الذكاء الاصطناعي» في أذهان معظم البشر بصور الآلات المدمرة التي تتجاوز قدرات البشر وقد تقضي عليهم، أما في قطاع التكنولوجيا فهو مصطلح واسع يشير إلى مجموعة من الأدوات المختلفة التي يتم تدريبها لأداء العديد من المهام المعقدة التي ربما كانت تتطلب في السابق بعض المدخلات من شخص بشري، إذا كنت تستخدم الإنترنت فمن المؤكد أنك تستخدم الخدمات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لفرز البيانات وتصفية المحتوى وتقديم الاقتراحات وما إلى ذلك.
إنها التكنولوجيا نفسها التي تسمح لـ«نتفليكس» باقتراح الأفلام، وتساعد في إزالة البريد العشوائي من حسابك الالكتروني فضلاً عن خطاب الكراهية وغير ذلك من المحتويات غير الملائمة عبر الوسائط الاجتماعية الإلكترونية، كما تعمل على تشغيل العديد من الخصائص التي نستخدمها طوال الوقت، بدءاً من ميزات التصحيح التلقائي وترجمة «غوغل» إلى خدمات التعرف على الوجه في هاتفك الجوال وغيره من الوسائل الأخرى.
لماذا يتحدث الجميع عن الذكاء الاصطناعي الآن؟
أقصر إجابة هي «تشات جي بي تي»…لسنوات طويلة كان يتم استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى حد كبير في خلفية الخدمات التي نستخدمها كل يوم، لكن ذلك تغير كثيراً بعد إطلاق «تشات جي بي تي» في نوفمبر تشرين الثاني، وهو روبوت محادثة انتشر مؤخراً وأبرز قدرات الذكاء الاصطناعي الفائقة أمام أعين الجميع.
بدأ الكثيرون بالفعل في استخدام تقنية «تشات جي بي تي»، وهي أداة أنشأتها شركة OpenAI لصياغة الدعاوى القضائية وكتابة كلمات الأغاني وإنشاء ملخصات أوراق بحثية جيدة لدرجة أنها خدعت بعض العلماء، حتى إنها اجتازت الاختبارات المنهجية، وأثارت «تشات جي بي تي» منافسة شديدة بين شركات التكنولوجيا لتطوير ونشر أدوات مماثلة.
قدمت كل من «مايكروسوفت» و« غوغل» ميزات مدعومة بالذكاء الاصطناعي التوليدي، وهي التكنولوجيا التي تقوم عليها «تشات جي بي تي»، في أدواتهم الأكثر استخداماً.
وقالت «ميتا» و« أمازون» و«علي بابا» إنهم يعملون على أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية أيضاً، فضلاً عن العديد من الشركات الأخرى التي تريد المشاركة في هذه المنافسة المتنامية.
كيف يعمل الذكاء الاصطناعي التوليدي؟
يتيح الذكاء الاصطناعي التوليدي الأدوات اللازمة لإنشاء صور وأعمال مكتوبة، بل وأصوات استجابة لمطالبات المستخدمين المختلفة، للحصول على هذه الردود قامت العديد من شركات التكنولوجيا الكبرى بتطوير نماذجها اللغوية الخاصة المدربة على كميات هائلة من البيانات عبر الإنترنت، مع اختلاف نطاق وغرض مجموعات البيانات المستخدمة، على سبيل المثال تم تدريب إصدار «تشات جي بي تي» الذي طُرح للجمهور العام الماضي على البيانات حتى عام 2021 فقط، لكنه أصبح أكثر حداثة حالياً.
وتعمل هذه النماذج من خلال طريقة تسمى التعلم العميق، والتي تتعلم الأنماط والعلاقات بين الكلمات، بحيث يمكنها إجراء استجابات تنبؤية وتوليد مخرجات ذات صلة بمطالبات المستخدم.
كيف يختلف الذكاء الاصطناعي التوليدي عن الذكاء الاصطناعي العام؟
تقوم خدمات الذكاء الاصطناعي فقط بمطابقة الأنماط، ويمكن لهذه الأدوات محاكاة كتابة الآخرين أو إجراء تنبؤات حول الكلمات التي قد تكون ذات صلة في ردودهم، وذلك بناءً على البيانات التي تم تدريبهم عليها مسبقاً، من ناحية أخرى يشير الذكاء الاصطناعي العام لتطورات طموحة ومخيفة في الوقت نفسه.
يشير مصطلح AGI، اختصاراً للذكاء الاصطناعي العام، إلى التكنولوجيا التي يمكنها أداء مهام ذكية مثل التعلم والاستدلال والتكيف مع المواقف الجديدة بالطريقة التي يقوم بها البشر، وأثار الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، سام ألتمان، جدلاً واسعاً عندما صرح بإمكانية وجود ذكاء خارق يمكن أن يستمر في تغيير العالم أو ربما يأتي بنتائج عكسية وينهي الإنسانية، لكن حتى الآن تظل هذه مجرد أفكار.
هل الذكاء الاصطناعي مجرد دعاية؟
عند إثارة ضجة كبيرة حول إحدى التقنيات التكنولوجية، مثلما يحدث حالياً مع الذكاء الاصطناعي، يجب عليك أن تتشكك، خاصةً في ظل الدعاية الهائلة الحالية حول هذه التقنية، فقد أسهم هوس المستثمرين بالذكاء الاصطناعي في إعادة وول ستريت إلى الاتجاه الصعودي، على الرغم من استمرار عدم اليقين الاقتصادي.
ليست كل أدوات الذكاء الاصطناعي مفيدة بالقدر نفسه، ومن المؤكد أن العديد من الشركات ستروج لميزات واستراتيجيات الذكاء الاصطناعي فقط للاستفادة من دورة الضجيج الحالية، لكن في الأشهر الستة الماضية فقط أظهر الذكاء الاصطناعي قدرة فائقة على تغيير طريقة أداء الأشخاص للعديد من المهام اليومية.
ومن أبرز مميزات روبوتات الدردشة المزودة بالذكاء الاصطناعي قدرتها على زيادة الإنتاجية، ففي وقت سابق من العام قال بعض وكلاء العقارات لشبكة CNN إن «تشات جي بي تي» وفرت لهم الكثير من الوقت في العديد من المهام، مثل كتابة قوائم المنازل المعروضة للبيع وإدارة تفاصيل العملاء.
هل سيسرق الذكاء الاصطناعي وظائفنا؟
تتمثل بعض المخاوف في أن الذكاء الاصطناعي سيقضي على ملايين الوظائف، أما الآراء الأكثر تفاؤلاً فتأمل أن تساعد هذه التقنيات في تحسين كيفية أداء الملايين لوظائفهم، والواقع الحالي ما زال يقع في منطقة محايدة بين الرأيين.
فمن المحتمل أن تحتاج الشركات إلى عمال جدد لمساعدتهم في تنفيذ وإدارة أدوات الذكاء الاصطناعي، كما يُتوقع زيادة توظيف محللي البيانات والعلماء وخبراء التعلم الآلي والأمن السيبراني بنسبة 30% في المتوسط بحلول عام 2027، وفقاً لأحد التقديرات الصادرة عن المنتدى الاقتصادي العالمي.
لكن على الجانب الآخر، فإنه من المرجح أيضاً أن يؤدي انتشار الذكاء الاصطناعي إلى تعريض العديد من الأدوار الوظيفية الأخرى للخطر، إذ توقع المنتدى الاقتصادي العالمي أن تقل وظائف حفظ السجلات والوظائف الإدارية بمقدار 26 مليوناً بحلول عام 2027، ومن المتوقع أن تشهد وظائف إدخال البيانات والسكرتارية أكبر الخسائر.
في الوقت الحالي، هناك حدود لمدى قدرة الذكاء الاصطناعي على أداء عمل الإنسان بمفرده، فعندما جربت المؤسسة الإعلامية CNET استخدام الذكاء الاصطناعي لكتابة مقالات، تعرضت للتحقيق لنشرها مقالات بها أخطاء، وبالمثل تصدّر أحد المحامين عناوين الصحف في مايو أيار بعد استشهاده بقضايا وهمية قدمتها إليه أداة «تشات جي بي تي».
هل الذكاء الاصطناعي خطر؟
حذر كبار المسؤولين التنفيذيين في الذكاء الاصطناعي من أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يتسبب في انقراض البشر، لكن المفارقة هي أن هؤلاء التنفيذيين أنفسهم يتسابقون لنشر التكنولوجيا في منتجاتهم.
يقول بعض الخبراء إن التركيز على سيناريوهات تدمير البشرية القاتمة على المدى البعيد قد يصرف الانتباه عن الأضرار الأكثر إلحاحاً التي يمكن أن يسببها الذكاء الاصطناعي على المدى القصير، مثل نشر المعلومات المضللة، ودعم التحيز والتمييز، فعلى سبيل المثال يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي لإنشاء صور مزيفة لنشر الدعاية أثناء الانتخابات أو تمكين عمليات الاحتيال.
الذكاء الاصطناعي إلى أين؟
يطالب المنظمون في الولايات المتحدة وأوروبا بعمل تشريع للمساعدة في وضع أُطر تنظيمية ل لذكاء الاصطناعي، ما قد يؤثر على كيفية تطور التكنولوجيا، لكن من غير الواضح ما إذا كان بإمكان المشرعين مواكبة التطورات السريعة في الذكاء الاصطناعي.
يعتقد الخبراء أنه في الأشهر المقبلة سيستمر الذكاء الاصطناعي التوليدي في إنشاء صور ومقاطع فيديو وصوت أكثر واقعية، ما قد يؤدي إلى زيادة تهميش الوظائف في العديد من القطاعات، وفي مقدمتها الإعلام والترفيه والتكنولوجيا.
ففي شهر مارس آذار كشفت شركة OpenAI النقاب عن GPT-4، الجيل التالي من التكنولوجيا التي تقوم عليها أداة «تشات جي بي تي»، ووفقاً للشركة والاختبارات المبكرة التي نفذتها، فإن GPT-4 قادر على تقديم ردود كتابية أكثر تفصيلاً ودقة، واجتياز الاختبارات الأكاديمية بعلامات عالية، وإنشاء موقع ويب.
وأياً كانت السيناريوهات المستقبلية للذكاء الاصطناعي، فإن الأمر المؤكد هو أن هذه التقنيات سيتم إدخالها في العديد من المنتجات والخدمات في الأشهر المقبلة، أي أنه يتعين علينا جميعاً تعلم كيفية التعايش معها.
(سامانثا ميرفي كيلي-CNN)