الطموح والاجتهاد، قادا المهاجر التايواني جنسن هوانغ إلى عالم التكنولوجيا حيث أنتجت إبداعاته السلعة الأكثر أهمية في هذا العالم التكنولوجي، الشريحة الإلكترونية التي تحتاج إليها أهم الشركات التكنولوجية في العالم، حتى أصبح قائداً لألمع شركة في السوق إنفيديا Nvidia. فما هي قصة هذا الرجل الذي وضعت مهاراته القيادية تحت المجهر؟

الشركة الاستثنائية لم تكن انطلاقتها عادية، مرّت بمراحل من الفشل والانكسار، لكن كل ذلك لم يثنِ عناد هوانغ عن الاستمرار في تطوير إنتاج أفضل الشرائح الإلكترونية في العالم، إلى أن انضم الرئيس التنفيذي لشركة "إنفيديا" إلى قائمة النخبة من المديرين التنفيذيين في مجال التكنولوجيا الذين يرأسون شركات تبلغ قيمتها تريليون دولار، حسب تقرير لوكالة رويترز.

المهاجر التايواني الذي لا يفارق سترته الجلدية السوداء، وتحول من عامل في مطعم دينيز في كاليفورنيا إلى أحد أشهر الأسماء في مجال الحوسبة وارتفع أجره إلى 34.2 مليون دولار في 2023، يتّصف بأنه “متطلب” ولا يرحم في إعطاء الأوامر.

القسوة والكمال

"إنه رجل شديد القسوة"، حسبما قال موظفون في المقر الرئيسي للشركة في سانتا كلارا خلال مقابلة حديثة مع برنامج "60 دقيقة”، وأضافوا أنه "يسعى إلى الكمال"، و"ليس من السهل العمل معه".

وتبلغ قيمة شركة Nvidia، إحدى الشركات المصنعة للرقائق التي تقف وراء صناعة الذكاء الاصطناعي المزدهرة، حالياً 2.22 تريليون دولار، مما يجعلها من بين الشركات الأكثر قيمة في العالم، بحسب شبكة CNBC.

اقرأ أيضاً: عملاق الذكاء الاصطناعي.. كيف تحولت Nvidia من فكرة في كشك للإفطار إلى شركة تريليونية؟

ليست هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تسليط الضوء على أسلوب قيادة هوانغ. وقد صرح سابقاً لـ CNBC أن لديه "50 تقريراً مباشراً يومياً للمراجعة” للوقوف على تطوير أقسام الإدارة غير الضرورية في الشركة، فيما معظم الرؤساء التنفيذيين لديهم حوالي 10 تقارير مباشرة.

وقال إنه يتوقع أن يعمل كبار المسؤولين التنفيذيين بشكل مستقل للغاية مع القليل من التوجيه والتدليل.

في عصر القائد اللين والمتعاطف مع الموظفين، وفق توصيات شركات الاستشارات لتحسين دورات العمل والإنتاجية، قد تكون تكتيكات هوانغ مثيرة للجدل بعض الشيء، لكن بعض الخبراء يقولون إنه يجب عليك أن تكون قاسياً لإدارة واحدة من أكبر الشركات في العالم.

قائد من 3 عقود

حول هذه النقطة، قال الأستاذ المساعد للسلوك التنظيمي في كلية ترينيتي للأعمال، فلاديسلاف ريفكين، لقناة CNBC Make It: "إنه عنيف إلى حد ما". وتابع "إنه قائد شركة تبلغ قيمتها تريليون دولار وقد مرَّ بعملية اختيار صعبة للغاية لأن هناك العديد من شركات التكنولوجيا التي تبلغ قيمتها تريليون أو مليار دولار".

وأشار ريفكين إلى أن العديد من الشركات الصغيرة أفلست، لكن إنفيديا "نجت". وأضاف أنه يجب أن تكون "مرناً وصارماً" للعمل على هذا المستوى.

بالفعل مرت الشركة بظروف كادت تؤدي بها إلى الانهيار، وفشلت مرات في إنتاج شريحة ثورية حتى كادت تعلن إفلاسها.

وفي إحدى المرات في زمن الجائحة سجل هوانغ فيديو  كيفية تصنيع شريحة بالفرن داخل مطبخه، ورفع لوحة دوائر بحجم ورقة الخبز من الفرن لإظهار "أكبر بطاقة رسومات في العالم". وبعد ذلك أدخل شريحته في كل المنتجات من ألعاب الفيديو إلى السيارات الذاتية القيادة، إلى الحوسبة السحابية، والآن الذكاء الاصطناعي.

الرئيس القاسي والمتطلب قاد الشركة لأكثر من ثلاثة عقود في وادي السيليكون، الذي لا يرحم الفاشلين، وهذا ما يعتبر من ميزات مهارات هوانغ. إنه أمر "نادر جداً"، وفقاً لأستاذ السلوك التنظيمي والقيادة في كلية إمبريال كوليدج للأعمال سانكالب شاتورفيدي.

وقال  شاتورفيدي إن العاملين في شركة رفيعة المستوى مثل Nvidia لديهم خيارات أخرى، لكنهم "يختارون البقاء لأطول فترة ممكنة"، مما يشير إلى أن هوانغ يفعل الشيء الصحيح.

المهاجر العنيد في أرض الأحلام

هذه القيادة الاستثنائية تشكلت من خلفية هوانغ المهاجر الذي قدم من تايوان إلى الولايات المتحدة باحثاً عن الأحلام في أرض الفرص. وهذا ما جعله قائداً استثنائياً، وفق ما أفاد خبراء السلوك لشبكة CNBC.

ولد الملياردير في تايوان عام 1963، ثم أرسله والديه إلى الولايات المتحدة عندما كان في التاسعة من عمره، على الرغم من أنه كان يجهل اللغة باللغة الإنكليزية.

اقرأ أيضاً: شركة Nvidia تحقق إيرادات قياسية مرتفعة بنسبة 265% بفضل طفرة الذكاء الاصطناعي

أمضى بعض الوقت في مدرسة داخلية وهناك تعرض لمواقف مخيفة بلا هوادة، وفقاً لملف تعريف في مجلة نيويوركر. فالطفل تعرض للتمييز والعنف وعندما كان مراهقاً، عمل في وظائف بدوام جزئي في غسل الأطباق في مطعم دينيز، وحتى تنظيف المراحيض.

التحدي والقتال حتى إدارة Nvidia مثل "الآلة"

لكن التجارب المريرة في رحاب أميركا، غالباً ما تقود المثابرين والأذكياء إلى رسم مستقبل أفضل، وهذا ما فعله هوانغ العنيد.

حول هذه النقطة، قال ريفكين إن هوانغ يظهر الآن أسلوب قيادة "موجهاً نحو المهام" والذي يعطي قيمة لإنجاز الأمور، وتحديد أهداف طموحة، ومراقبة الأداء.

وأضاف أن هذا يذكر بخلفية المهاجرين وأخلاقيات العمل حيث يوجد اعتقاد سائد بأن "للمضي قدماً، عليك أن تعمل بجد".

وقال ريفكين إن القادة الذين يضعون تركيزهم نحو المهام يمكن أن يكونوا "فعالين" لأنهم يميلون إلى تحدي حتى موظفيهم.

وأضاف: "لدينا الكثير من الأدلة، سواء في القيادة أو في الأبحاث التحفيزية، التي تشير إلى أن التحديات يمكن أن تحفز الناس وتجذبهم إلى أعلى مستويات الأداء".

من جانبه، أوضح شاتورفيدي أن الاضطرار إلى "القتال" منذ صغره يشير أيضاً إلى أنه يفضل ممارسة درجة عالية من السيطرة على كل جانب من جوانب الشركة. وأضاف "إنه يفهم شركته كآلة، تفكر في الخطط، وتفكر في الاقتصاد".

ورغم أن هذا النهج أتى بثماره على مر العقود، فربما يكون هوانغ قد أغفل سمات قيادية مهمة أخرى، بحسب الخبراء.

القيادة المتعاطفة مطلوبة

بعض الخبراء يرى أنه يمكن للرئيس التنفيذي لإنفيديا تحسين أسلوب قيادته بزيادة المرونة.

مثال على ذلك، قال ريفكين: "أعتقد أن الاهتمام برفاهية الناس، والاعتراف بهم كأشخاص، وليس فقط كعمال آليين، يمكن أن يكون أمراً من الجيد اعتماده".

التركيز على الناس وتلبية احتياجات العمال هو أمر مطلوب جداً لتحسين بيئة العمل. ولفت شاتورفيدي إلى أن الأمر يتطلب تذكر أسماء الأشخاص والحفاظ على علاقات جيدة مع العديد من الأشخاص.

من الأمور التي يفتقر إليها جنسن هوانغ بشكل خطير مع وجود 50 مرؤوساً مباشراً لإدارته، هو الوقت، وفق ما أشار شاتورفيدي: "لدينا جميعاً 24 ساعة في اليوم، وكلما زاد عدد التقارير المباشرة التي نحصل عليها، أصبح من الصعب التنسيق".

وأضاف شاتورفيدي: "أستطيع أن أقول على وجه اليقين أنه لا بد أنه يكافح من أجل إدارة هذا العدد الكبير من التقارير المباشرة". وأضاف: "إنه يحاول السيطرة على كل جزء من العمليات وليس تنسيق نقاط قوته، وهنا تكمن المشكلة".

بهذا الآداء يمسك القيادي المتفاني زمام السيطرة على الشركة، ورغم نجاح هذا الأسلوب القيادي إلا أن الخبراء يعتبرونه عثرة أمام انضمام موظفين موهوبين قد لا يجدون الفرصة للتعبير والابتكار تحت سيطرة هوانغ.