تحاول أوروبا أن تستعد للسيناريو الأرجح بفوز ترامب بعد أن شهدت حقبته الماضية توتراً في العلاقات بين الولايات المتحدة ودول الاتحاد، لتتزايد التساؤلات بشأن مصير القارة العجوز حال تحقق هذا السيناريو الذي يثير قلق الأوروبيين.

في السياق ذكر تقرير لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية اطلع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" عليه، أن:

  • السياسيون وصناع القرار الأوروبيون منشغلون بالتحضير لمزيد من الحمائية التجارية الأميركية بغض النظر عن هوية الزعيم القادم للبيت الأبيض بعد الانتخابات .
  • السباق الرئاسي ظل متقارباً للغاية في الأيام القليلة الأخيرة، حيث أظهرت استطلاعات الرأي باستمرار تعادل المرشحين نسبياً، في الولايات الرئيسية المتأرجحة وفي جميع أنحاء البلاد.

أميركا أولًا

ونقل التقرير عن دبلوماسي أوروبي كبير، طلب عدم ذكر اسمه بسبب الطبيعة الحساسة للعلاقات عبر الأطلسي، تأكيده أن من يفوز سيكون صاحب مبدأ "أميركا أولا".

وقال الدبلوماسي الكبير الذي يشارك في محادثات سرية بين زعماء الاتحاد الأوروبي: "الشغل الشاغل للأميركيين هو الاقتصاد، والإجابة ستكون المزيد من القومية الاقتصادية".

هذه التعليقات جاءت بعد تحذير من وزير المالية الألماني كريستيان ليندنر، الذي قال مؤخراً إنه قد تكون هنالك إجراءات انتقامية إذا بدأت الولايات المتحدة حرباً تجارية مع الاتحاد الأوروبي.

وأكد -في اجتماعات صندوق النقد الدولي السنوية في واشنطن العاصمة- أن هناك حاجة إلى جهود دبلوماسية لإقناع كل من يدخل البيت الأبيض بأنه ليس من مصلحة الولايات المتحدة أن يكون هناك صراع تجاري مع الاتحاد الأوروبي.

وبيّن التقرير أن التجارة مع الولايات المتحدة تشكل أهمية بالغة بالنسبة للدول الأوروبية، خاصة وأن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لديهما أكبر علاقة تجارية واستثمارية ثنائية في العالم.

وتوقع التقرير أن:

  • تواصل هاريس سياسات الرئيس الحالي جو بايدن، والتي سيتذكرها الأوروبيون من الناحية الاقتصادية بقانون خفض التضخم - وهو تشريع أميركي شامل يبلغ إجمالي قيمته 369 مليار دولار ويستهدف سياسات المناخ والطاقة.
  • من المرجح أن يكون لسياسة "أميركا أولاً" المزيد من التداعيات على الاقتصادات الأوروبية في ظل رئاسة جمهورية.
  • تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية إضافية شاملة بنسبة 10بالمئة على المنتجات الأوروبية، قد يفرض ضغوطا على المصدرين في الكتلة. ووفقا لبيانات من غولدمان ساكس، فإن هذا من شأنه أن يضعف اليورو بنسبة تصل إلى 10بالمئة.

وكانت الفترة الأولى لترامب في البيت الأبيض فترة صعبة بالنسبة لبعض الزعماء الأوروبيين، الذين عبروا عن عدم إعجابهم بأسلوب الرئيس السابق ونبرته العدائية، وكثيراً ما كانت وجهات نظر الجانبين مختلفة بشأن التجارة والدفاع والتكنولوجيا، من بين أمور أخرى.

مبادرات جريئة

وقال الدبلوماسي الكبير الذي لم يكشف عن اسمه: "لا يمكن لترامب أن يفاجئنا بعد الآن، نحن نعرف كيف نتعامل معه، لقد اضطررنا إلى التعامل معه من قبل".

ونقل التقرير عن مسؤول ثان في الاتحاد الأوروبي، طلب عدم ذكر اسمه أيضًا بسبب الطبيعة الحساسة للعلاقات مع الولايات المتحدة، قوله: "لا يوجد ذعر. نحن عمليون للغاية، ولكن بالطبع يتعين علينا الاستعداد لكلا السيناريوهين (وصول هاريس أو ترامب)"، مؤكدًا أن المفوضية الأوروبية تعمل على مبادرات جريئة بغض النظر عن من سيصبح الرئيس القادم.

وفي بيان صدر في أكتوبر، دعا رؤساء الدول السبع والعشرون في الاتحاد الأوروبي إلى بذل المزيد من الجهود لتعزيز القدرة التنافسية للاتحاد، وتعزيز مرونته الاقتصادية، وتأمين تجدد الصناعة، وتحقيق الإمكانات الكاملة للسوق الموحدة، وأن هناك حاجة ملحة لاتخاذ إجراءات فعالة.

سيناريوهات أوروبية

من جهته، أوضح مدير المركز العالمي للدراسات التنموية والاقتصادية بالمملكة المتحدة، صادق الركابي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أنه حال فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية، فهناك مجموعة من السيناريوهات المحتملة التي تضعها أوروبا في الاعتبار.

  • على صعيد السياسة الخارجية من المحتمل أن يقلص ترامب دعمه لحلف الناتو، الأمر الذي من المتوقع أن يثير حفيظة حلفاء الولايات المتحدة من الأوروبيين ويزيد من أعبائهم الاقتصادية الناجمة عن تحمل فاتورة الدفاع في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا ومخاوف بعض الدول الأوروبية من التهديدات الروسية.
  • قد تنعكس التوترات مع الاتحاد الأوروبي على العلاقات التجارية والاقتصادية مع واشنطن، فالاقتراح الذي قدمه ترامب بفرض تعريفات جمركية بنسبة 10 بالمئة على سلع الاتحاد الأوروبي قد يضر بالصادرات الأوروبية كالسيارات والآلات والكيماويات، لترتفع أسعار هذه السلع ويتباطأ إنتاجها، ما يؤدي إلى خسارة مصنعيها حصصهم في السوق الأميركية واضطرارهم لتسريح الموظفين في محاولة منهم لخفض التكاليف.
  • اقتصادات ألمانيا وإيطاليا وإيرلندا وغيرهم من الدول الصناعية الأوروبية ستتأثر بشكل كبير بفعل التقليص من إنتاجها الصناعي على مدى العامين الماضيين.
  • السياسة التي قد يتبعها ترامب مع الاتحاد الأوروبي في ظل الحرب في أوكرانيا واعتماد أوروبا على مصادر الطاقة المستوردة من الولايات المتحدة، قد يزداد تأثيرها، خاصة وأن الجانب الأوروبي يعتمد بشكل كبير على صادرات الغاز الطبيعي المسال التي يستوردها من الولايات المتحدة بعد التوقف عن شرائها من روسيا.
  • من المرجح أن يزداد الأمر سوءاً للاتحاد الأوروبي في حال تراجع قيمة اليورو أمام الدولار بسبب هذه السياسات الأمر، الذي قد يزيد من الأعباء الاقتصادية على دول الاتحاد ويؤثر في نموها الاقتصادي.

وأضاف: قد يحد اعتماد أوروبا على السوق الأميركية في ظل توتر علاقاتها مع كل من روسيا والصين من جملة التدابير المضادة التي قد تتخذها لحماية مصدريها، فليس من السهولة تنويع الشراكات التجارية في ظل الظروف الراهنة، ولا يمكن التكهن بحجم التعريفات الجمركية التي تستطيع دول الاتحاد الأوروبي فرضها على السلع الأميركية، لذا سيكون أمام القادة الأوروبيون مهمة صعبة في صياغة شكل جديد للعلاقات التجارية والاقتصادية مع الولايات المتحدة حال نجاح ترامب بدخول البيت الأبيض مجدداً.

كما شدد على أن تراجع ترامب عن الالتزامات البيئية، يثير مخاوف أوروبا من تنفيذ تعهده بالانسحاب من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ بأكملها، وذلك بعد انسحابه سابقاً من اتفاقية باريس لعام 2015 خلال فترة رئاسته السابقة، وهو ما يؤثر على جهود التعاون الأوروبي في مجال تغير المناخ ويضع الشركات الأوروبية في وضع تنافسي غير متكافىء مع الشركات الأميركية التي قد لا تلتزم بالمعايير البيئية والتشريعات المناخية التي حددت في وقت سابق.

كما من المرجح أن يلجأ ترامب حال فوزه إلى انسحاب سريع من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية الخاصة بالمناخ كونه يعتبرها صفقة سيئة وغير عادلة تؤدي إلى فقدان الوظائف والضرر بالصناعات الأميركية ما ينعكس سلباً على النمو الاقتصادي لبلاده.

ويعتزم ترامب اتباع سياسة أكثر تشدداً تجاه الهجرة وهو أمر قد يؤثر على خطة التنفيذ المشتركة لميثاق الاتحاد الأوروبي بشأن الهجرة واللجوء من قبل المفوضية الأوروبية في يونيو 2024، تلك السياسات المتشددة تجاه المهاجرين قد تلقى تأييداً واسعاً من قبل الأحزاب اليمينية الأوروبية والتي قد تتخذ مواقف متشددة في هذا الملف، ما ينذر بحدوث انقسام أوروبي يثير القلق بشأن تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، كما يؤثر ذلك على سوق العمل في بعض الدول الأوروبية التي تحتاج إلى المهاجرين خاصة من أصحاب الخبرات والمهارات وسط ارتفاع نسبة الشيخوخة في المجتمعات الأوروبية.

وأكد مدير المركز العالمي للدراسات التنموية والاقتصادية بالمملكة المتحدة، في حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن فوز ترامب في الانتخابات الأميركية سيؤدي إلى إعادة ترتيب العلاقات عبر المحيط الأطلسي، وأن الأمر لن يكون سهلاً بالنسبة للأوروبيين، خاصة وأن فترة تولي ترامب السابقة لم تشهد حرباً روسية في أوكرانيا أو أي توترات جيوسياسية في الشرق الأوسط ولا حتى توتراً في العلاقات التجارية مع الصين.

وذكر أن احتمالات فوز ترامب بولاية رئاسية ثانية ستكون بمثابة هزة في العلاقات الأوروبية الأميركية، ما يتطلب رؤية أوسع من قبل الزعماء الأوروبيين للشراكة مع أسواق جديدة في الاقتصاد العالمي.

تأثيرات قوية على الأسواق الأوروبية

فيما أكد الخبير الاقتصادي وكبير الاقتصاديين في شركة "ACY"، الدكتور نضال الشعار، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية، أن العلاقة القوية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية تجعل من حسم الانتخابات الأميركية بغض النظر عن اسم الفائز فيها تأثيراً قوياً على الأسواق الأوروبية وبشكل خاص قطاع الصناعة، وبالتبعية يؤثر أيضاً على أسواق المال وأسعار الأسهم.

وأوضح أن الاتحاد الأوروبي يُصدر بضائع إلى الولايات المتحدة أكثر من التي يستوردها، وبالتالي فإن أية عملية رفع بالرسوم والتعريفات الجمركية الأوروبية ستشكل صدمة للشركات الأوروبية المُصدرة، وهو ما يجعل هناك ضرورة لأن تتعامل أوروبا مع هذه الصدمة بكافة الوسائل المتاحة.

كما أفاد بأنه لم تكن هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها الاتحاد الأوروبي إلى زيادة في الرسوم؛ فقد قام ترامب في ولايته الأولى بفرض رسوم استيراد على الألمنيوم والحديد الصلب، ولكن آنذاك لم يكن الاتحاد الأوروبي جاهزا للتعامل مع هذه الرسوم التي كانت بمثابة صدمة له، ليكتفي بردود انتقامية بسيطة.

وأكد أن بالوقت الحالي الاتحاد الأوروبي بات أكثر جاهزية للتعامل مع الرسوم المقترحة من قبل ترامب، مرجحاً أن يغامر برد قاس تجاه الولايات المتحدة وفرضها هذه الرسوم، التي اعتبرها ترقى إلى عقوبات على حد وصفه.

واستعرض بعض السيناريوهات التي تنتظرها أوروبا حال فوز ترامب ووصوله إلى البيت الأبيض، على النحو التالي:

  • في حال قيام ترامب فعلا بتنفيذ وعوده بفرض الرسوم والتعريفات، فإن من الطبيعي أن تتأثر مبيعات الشركات الأوروبية انخفاضا، وهو ما سيؤدي حتما لانخفاض أسهمها بشكل مباشر.
  • ستكون هناك معاناة إضافية للشركات الأوروبية في حال قام ترامب بتنفيذ وعوده بفرض الرسوم على البضائع الصينية في حدود 60 بالمئة.. في هذه الحالة ستكون بكين مجبرة على إيجاد أسواق جديدة، وتقوم الشركات الصينية بعرض بضائعها بأسعار أقل، وهو ما سيشكل منافسة جديدة مع البضائع الأوروبية التي ستنخفض مبيعاتها بشكل إضافي، خاصة وأن البضائع الصينية حاليا قاربت من حيث النوعية من مستوى البضائع الأوروبية.
  • الاتحاد الأوروبي وإدارة ترامب يدركان جيدا حدة هذا الصراع الذي سينشأ بينهما بكل تفاعلاته السياسية والتجارية، وسبيل التفاوض والحصول على استثناءات سيكون المسار الذي سيعتمده ترامب وستقوم به دول الاتحاد الأوروبي بشكل خاص، خاصة وأن تاريخ ترامب مليء بحالات تغيير الرأي عندما يرى احتمال فشل أو حدوث ضرر في علاقاته مع الدول.
  • إن استمر ترامب إلى يوم الانتخابات في الخامس من نوفمبر بتكرار الحديث عن رغبته في السياسة الحمائية وفرض الرسوم الجمركية على جميع دول العالم ما بين 10 إلى 20 بالمئة والصين 60 بالمئة، فإن فوزه بالانتخابات يعني حدوث تأثيراً سلبياً على الأسواق الأوروبية، لكنه سيرتد بعد فترة مؤقتة، لأن تنفيذ هذه الإجراءات الحمائية يحتاج إلى وقت وموافقات من الكونغرس ومفاوضات ومشاورات كثيرة، لكن رد الفعل سيكون فورياً وسيتغير بحسب التطورات التي من المتوقع أن تحدث بين الاتحاد الأوروبي وإدارة ترامب الجديدة حال وصوله إلى البيت الأبيض .

خسائر اقتصادية كبيرة

من لندن، يقول الخبير الاقتصادي، أنور القاسم، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن المسؤولين الأوروبيين وشركات أوروبا الكبرى تدرك تماما أن وصول ترامب مجددا للبيت الأبيض يعني تبعية سياسية وخسائر اقتصادية كبيرة لصالح الولايات المتحدة.

وأرجع ذلك إلى أن ترامب يطمح إلى تحويل جزء من مصانع الشركات الأوروبية إلى السوق الأميركية في عديد من القطاعات الحيوية، كما تعهد بتنفيذ تعريفة جمركية بنسبة 10 بالمئة على السلع الأجنبية، ما يعني أن صادرات الاتحاد الأوروبي ستخسر نحو 150 مليار يورو سنوياً بحسب بعض التقديرات.

وأضاف أن الاتحاد الأوروبي قام بصياغة استراتيجية تجارية  تهدف التخفيف من تأثير سياسات ترامب التجارية، والتي تتضمن تقديم صفقة تجارية سريعة لترامب، والتخطيط لتدابير انتقامية مستهدفة حال فرض ترامب تعريفات عقابية عليها.

وأفاد بأن العمل جار بالاتحاد الأوروبي حول إحصاء الواردات الأميركية التي قد تواجه رسومًا بنسبة 50 بالمئة  إذا فشلت المفاوضات مع ترامب، مؤكداً أن الأوروبيين لن ينسوا فرض ترامب رسوم جمركية بالسابق على واردات الصلب والألمنيوم من الاتحاد الأوروبي في العام 2018.

قضايا شائكة

بدوره، أوضح أستاذ الاقتصاد في جامعة بورتسموث، الدكتور أحمد عبود، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن ترامب يتبع سياسات مختلفة في معظم القضايا المتعلقة بأوروبا والشائكة، واستعرض بعض تلك القضايا ومنها:

  • هناك عدم توافق بين ترامب والأوروبيين فيما يخص الحرب القائمة بين روسيا وأوكرانيا، حيث يرى أن هناك ضرورة للاتجاه إلى الحل السلمي والاتفاق مع روسيا، وهو ما سوف يُكلف الأوروبيين الكثير، إضافة إلى أن أوكرانيا قد تضطر للتنازل عن جزء من أرضها بسبب التدخل الأميركي بشأن الحل السلمي.
  • ترامب يرى أنه ليس مطالب بتقديم دعم مالي إلى أوكرانيا في الفترة المقبلة.
  • يرى ترامب أن الاستمرار في حلف الناتو ليس إجبارياً وأنه قد ينسحب منه، في الوقت الذي تعتبر فيه أميركا صاحبة القوة العسكرية الأكبر في أوروبا، ما يهدد الحلف.
  • يتبع ترامب سياسة "أميركا أولا"، لذلك سيقوم بفرض ضرائب على البضائع التي سوف تأتي من أوروبا والصين، وهو ما سيؤثر على النشاط الاقتصادي والتبادل التجاري مع أوروبا.
  • ترامب يتميز بأنه غير محدد في سياساته وغير متوقع ففي بعض الأحيان يتخذ قرارات غير متوقعة قد تؤثر على تحالفه مع الأوروبيين في الفترة المقبلة.