(CNN)-- خلال السنوات الأخيرة، كانت دولة الإمارات تُشير إلى نيتها في أن تصبح لاعبًا رئيسيًا في مجال الذكاء الاصطناعي. والآن، تأخذ دول الخليج الأخرى هذه التكنولوجيا على محمل الجد أيضًا.

ويمكن أن يساهم الذكاء الاصطناعي بمبلغ قدره 320 مليار دولار في الشرق الأوسط بحلول عام 2030، أي 2% تقريبًا من إجمالي الفوائد العالمية، وفقًا لتقرير صادر عن شركة " بي دبليو سي" للاستشارات (PwC).

وخلال القمة العالمية للذكاء الاصطناعي (GAIN) الأسبوع الماضي في العاصمة السعودية الرياض، قال رئيس قسم الاستراتيجية والأسواق في الشرق الأوسط بشركة " بي دبليو سي"، ستيفن أندرسون، أثناء مقابلةٍ مع CNN: "هناك استثمارات ضخمة تتجه إلى (الذكاء الاصطناعي) في الشرق الأوسط".

وأضاف: "هنا في المنطقة، كان الناس أكثر استعدادًا لإجراء التجارب والانخراط في مجال الذكاء الاصطناعي مقارنةً ببعض الأجزاء الأخرى من العالم".

ويرتبط النمو السريع للذكاء الاصطناعي بإمكانية استهلاكه للطاقة بشكلٍ كبير، ويُعد مصدرًا رئيسيًا لانبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي بشكلٍ متزايد.

وأفادت شركة "غوغل" أنّ انبعاثاتها في عام 2023 كانت أعلى بمقدار 50% ممّا  كانت عليه في عام 2019، وهو أمر عزته جزئيًا إلى متطلبات الطاقة الخاصة بالذكاء الصناعي. 

ووفقًا لوكالة الطاقة الدولية، قد يتضاعف الطلب على الطاقة بسبب الذكاء الاصطناعي، ومراكز البيانات، والعملات المشفرة بحلول عام 2026.

ورأى أندرسون أنّ دول الخليج، التي تعتمد اقتصاداتها على الوقود الأحفوري بشكلٍ كبير، تُعتبر من أبرز اللاعبين في هذه التكنولوجيا.

وأوضح: "نحن في مركز العالم عندما يتعلق الأمر بالطاقة، وليس فيما يتعلق بالطاقة القديمة فحسب، بل فيما يتعلق بالطاقة الجديدة بشكلٍ خاص". 

ومن ثم أضاف: "هذا هو المكان الأقل تكلفة في أي مكان في العالم لإنتاج الطاقة الشمسية. لذا، فإنّ الفرصة للجمع بين الاستدامة والطاقة، مع قوة الحاسوب المطلوبة من منظور الذكاء الاصطناعي مهمة حقًا".

ولفت أندرسون إلى أن دول مثل الإمارات، وقطر، والسعودية تُعد من المستثمرين الروّاد في المنطقة بمجال الذكاء الاصطناعي.

وبينما تتطلع السعودية إلى خفض اعتماد اقتصادها على النفط والغاز، استثمرت المملكة بكثافة في الذكاء الاصطناعي أيضًا، حيث رأت أنّه سيساعد في تحقيق الأهداف المحددة ضمن "رؤية 2030"، وهو برنامج حكومي يهدف لتنويع الاقتصاد.

ووفقًا لتوقعات حديثة من الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (SDAIA)، التي استضافت قمة " GAIN"، سيساهم الذكاء الاصطناعي بنسبة 12% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030، مع نمو القطاع بمعدل سنوي قدره 29%.

وكانت هناك جهود كبيرة في جميع أنحاء المنطقة لتطوير نماذج باللغة العربية مُدرَّبة على مجموعات من البيانات المحلية لرصد الفروقات الدقيقة للغة بطريقة كانت مفقودة على منصات مثل "ChatGPT".

في العام الماضي، كشفت دولة الإمارات عن أداة تُسمى "جيس"، بينما طوَّرت السعودية روبوت الدردشة باللغة العربية يُدعى "علّام" (ALLaM).

وخلال الأسبوع الماضي، تم الإعلان عن استضافة "علّام" على منصة " Azure"، للحوسبة السحابية من "مايكروسوفت".

ويأتي هذا بعد تداول خبر في وقتٍ سابق من هذا العام ينص بأنّه سيكون متاحًا أيضًا من خلال منصة " watsonx" لـ "IBM".

وقال الرئيس التنفيذي لشركة الاستشارات الإدارية "Oliver Wyman Group"، الذي حضر قمة "GAIN"، نيك ستودر، إنّ التركيز على نماذج اللغة العربية قد يساعد المملكة على التنافس مع الأسواق الناطقة باللغة الإنجليزية التي تتمتع بـ "ميزة أساسية" في هذا المجال بسبب تَوفّر العديد من نماذج اللغة الكبيرة.

وأشار ستودر إلى وجود عدّة نماذج خاصة باللغة العربية قيد التطوير في البلاد، مع التركيز على مجموعة من حالات الاستخدام، مثل الدردشة، والتطبيقات الحكومية، وتلك الخاصة بالشركات. 

وأوضح: "قد يؤدي هذا المزيج من ريادة الأعمال في القطاع الحكومي والخاص إلى تطوير مركز للذكاء الاصطناعي، خاصةً وأنّ المملكة والمنطقة الأوسع تسعى إلى تنويع اقتصاداتها".

تنظيم الذكاء الاصطناعي

تتمثل إحدى العقبات الرئيسية في تطوير الذكاء الاصطناعي في الرأي العام والحوكمة، فكيف ينبغي تنظيم الذكاء الاصطناعي والبيانات بأمان، وبطريقة تضمن الأخلاقية والعدالة؟

وخلال القمة، تم الإعلان عن سياسات مختلفة، بما في ذلك إطلاق مبادئ توجيهية من الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي تتمحور حول الاستخدام المسؤول لـ"التزييف العميق"، والكشف عن "ميثاق الرياض للذكاء الاصطناعي في العالم الإسلامي"، والذي يضع إطارًا لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي بما يتماشى مع القيم والمبادئ الإسلامية، إضافةً لإطار عالمي للاستعداد للذكاء الاصطناعي، بقيادة الاتحاد الدولي للاتصالات.

ويَعتقد ستودر أنّ وجود إطار تنظيمي قوي ضروري لمستقبل الذكاء الاصطناعي.

وقال: "هناك العديد من المخاوف التي تصاحب تطوير الذكاء الاصطناعي، وهي لا تشمل المخاوف المتعلقة بالخصوصية ومخاطر فقدان الوظائف فحسب، بل ترتبط أيضًا بالسيادة الوطنية في حال بدأ الاقتصاد بالاعتماد على مجموعة من الأدوات التي بُنيت خارج نطاق السيطرة".