تعهد الرئيس الصيني شي جين بينج، السبت، بالعمل مع الإدارة الأميركية الجديدة للرئيس المنتخب دونالد ترمب، خلال المحادثات الأخيرة مع الرئيس جو بايدن، على حل الخلافات بشأن صراعات متعلقة بالجرائم الإلكترونية، والعلاقات التجارية، وبحر الصين الجنوبي والوضع في تايوان والعلاقات مع روسيا.

والتقى بايدن مع شي لمدة ساعتين تقريباً في فندق يقيم فيه الرئيس الصيني على هامش منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (أبيك) في ليما عاصمة بيرو، لإجراء أول محادثات بينهما منذ 7 أشهر. وهذا الاجتماع، هو الثالث بين الرئيسين، ويأتي عقب مكالمتهما الهاتفية في 2 أبريل 2024.

وقال شي أثناء لقائه بايدن، إن هدف الصين المتمثل في إقامة علاقات مستقرة وسليمة ومستدامة مع الولايات المتحدة لم يتغير" بعد انتخاب ترمب، معترفاً بوجود "تقلبات وتحولات" في العلاقات بين البلدين.

وأضاف: "الصين مستعدة للعمل مع الإدارة الأمريكية الجديدة للحفاظ على التواصل وتوسيع التعاون وإدارة الخلافات".

وقال بايدن لشي، إن الزعيمين لم يتفقا دائماً مع بعضهما، لكن مناقشاتهما كانت "واضحة  وصريحة".

مناقشات صريحة وبناءة

وأجرى الزعيمان نقاشاً صريحاً وبناءً بشأن مجموعة من القضايا الثنائية والإقليمية والعالمية، بما في ذلك مجالات التعاون والاختلافات، وفق بيان أصدره البيت الأبيض.

وشدد الرئيس بايدن على أن الاستثمار الأميركي في مصادر القوة المحلية والتنسيق مع الشركاء والحلفاء حول العالم، كان محورياً في نهج سياسته الخارجية، فيما رحب بالجهود للحفاظ على قنوات الاتصال المفتوحة مع الصين، لإدارة المنافسة بمسؤولية ومنع تحولها إلى صراع أو مواجهة.

فيما حذّر شي، الولايات المتحدة، من التدخل في النزاعات الثنائية بشأن الجزر والشعاب المرجانية في بحر الصين الجنوبي، أو "المساعدة أو التحريض على استفزازات" في تلك المنطقة.

وقال شي لبايدن، إن الصين والولايات المتحدة ستضطربان أو حتى تشهدان انتكاسة في العلاقات بينهما بسبب التنافس، لكنهما ربما تحققان تقدماً كبيراً من خلال التعامل مع بعضهما البعض كشركاء وأصدقاء، وفق ما نقلته وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا).

العلاقة الثنائية ومكافحة المخدرات

وقال بيان البيت الأبيض: "راجع الزعيمان العلاقة الثنائية خلال السنوات الأربع الماضية وتقييم الجهود لإدارة جوانب المنافسة بمسؤولية وتعزيز مجالات التعاون منذ قمة وودسايد في نوفمبر 2023، بما في ذلك مكافحة المخدرات، والتواصل العسكري، ومخاطر الذكاء الاصطناعي، وتغير المناخ، والتبادلات الشعبية".

كما رحب الرئيسان بـ"تجديد الاتصالات العسكرية على المستوى العالي خلال العام الماضي، ومحادثات تنسيق سياسة الدفاع الأميركية الصينية، واجتماعات اتفاقية الاستشارة العسكرية البحرية الأميركية الصينية، والتفاعلات بين قادة غرف العمليات"، مؤكدين على ضرورة استمرار هذه قنوات الاتصال.

وفي مجال مكافحة المخدرات، أكد الجانبان أهمية "الإجراءات المنسقة المستمرة لإنفاذ القانون، وتبادل المعلومات لتحديد الاتجاهات الجديدة والناشئة للمخدرات، والإجراءات التنظيمية".

ورحب الرئيس بايدن بـ"تصنيف الصين لـ55 مادة من المخدرات الصناعية الخطيرة والمواد الكيميائية الأولية، وإغلاق المنصات الإلكترونية والشركات التي تزود المواد الكيميائية الأولية، والاعتقالات المرتبطة بالصناعة الكيميائية غير المشروعة، ودعا إلى خطوات إضافية في الفترة المقبلة". 

وشدد الزعيمان على أهمية إدارة جوانب المنافسة في العلاقة بمسؤولية، ومنع الصراع، والحفاظ على خطوط الاتصال المفتوحة، والتعاون في مجالات الاهتمام المشترك، ودعم ميثاق الأمم المتحدة، وأن تعامل جميع الدول بعضها البعض بالاحترام وتجد طريقة للعيش بجانب بعضها بسلام.

ولفت الزعيمان إلى أهمية الحفاظ على قناة استراتيجية للاتصال لإدارة العلاقة بمسؤولية، وطالبا بالاستمرار في استخدام القنوات الدبلوماسية والعسكرية، والقانونية والتجارية والمالية.

روسيا وتايوان

وأدان الرئيس بايدن نشر آلاف الجنود من كوريا الشمالية في روسيا، باعتباره "توسع خطير لحرب روسيا غير القانونية على أوكرانيا"، معرباً عن قلقه العميق إزاء "استمرار دعم الصين للقاعدة الصناعية الدفاعية الروسية".

وشدد بايدن، على التزام الولايات المتحدة، بدعم القانون الدولي وحرية الملاحة والتحليق والسلام والاستقرار في بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي.

وبخصوص تايوان، أكد الرئيس بايدن أن "سياسة الولايات المتحدة الخاصة بالصين لم تتغير، وهي تسترشد بقانون العلاقات التايوانية والبيانات الثلاثية المشتركة والتأكيدات الستة".

وجدد التأكيد على أن "الولايات المتحدة تعارض أي تغييرات أحادية الجانب للوضع الراهن من أي من الجانبين، وأنها تتوقع تسوية الخلافات عبر مضيق تايوان بالوسائل السلمية، وأن العالم لديه مصلحة في السلام والاستقرار في مضيق تايوان. ودعا إلى إنهاء الأنشطة العسكرية المزعزعة للاستقرار التي تقوم بها الصين حول تايوان".

في غضون ذلك، التقى بايدن بوزير الشؤون الاقتصادية السابق في تايوان، وممثلها في القمة، لين هسين أي، الذي دعاه لزيارة تايوان في المستقبل القريب.

وكانت "رويترز" ذكرت، الجمعة، أن الرئيس التايواني لاي تشينج تي يعتزم التوقف في ولاية هاواي الأميركية وربما جوام في زيارة من المؤكد أنها ستثير غضب بكين في الأسابيع المقبلة.

وتنظر بكين إلى تايوان باعتبارها إقليماً تابعاً لها. والولايات المتحدة من أهم داعمي وموردي الأسلحة لتايوان، على الرغم من عدم وجود اعتراف دبلوماسي رسمي بها.

4 خطوط حمراء 

وفي لقائه مع الرئيس الأميركي جو بايدن، أكد الرئيس الصيني على أنه من المفيد مراجعة تجارب السنوات الأربع الماضية والاستلهام منها، قائلاً: "أولاً، من المهم أن يكون لدينا تصور استراتيجي صحيح. لا ينبغي خوض حرب باردة جديدة ولا يمكن الفوز بها. واحتواء الصين أمر غير حكيم وغير مقبول ومن المحتم أن يفشل". 

وأضاف: "ثانياً، من المهم أن تتوافق الأقوال مع الأفعال. لا يمكن لأي شخص أن يثبت نفسه دون مصداقية. لقد احترمت الصين أقوالها دائماً. إذا كان الجانب الأميركي يقول دائماً شيئاً ويفعل شيئاً آخر، فسيلحق ذلك الضرر بصورتها".

وتابع: "ثالثاً، من المهم أن نتعامل مع بعضنا البعض على قدم المساواة. وباعتبارهما دولتين رئيسيتين، لا ينبغي للصين ولا للولايات المتحدة أن تسعيا إلى إعادة تشكيل الآخر، وفقاً لإرادة كل منهما، أو قمع الآخر من أجل إضعافه". 

وأبلغ الرئيس الصيني شي جين بينج، نظيره الأميركي جو بايدن، أن قضايا تايوان، والديمقراطية وحقوق الإنسان، ومسار الصين ونظامها، وحقوق التنمية تمثل "أربعة خطوط حمراء" بالنسبة للصين، ولا يجوز تحديها أو تجاوزها، وفق بيان المتحدث باسم الخارجية الصينية.

وأكد شي أيضاً على أن مبدأ "الصين الواحدة"، والبيانات المشتركة الثلاثة بين الصين والولايات المتحدة، هي الأساس السياسي للعلاقات الصينية الأميركية.

وأضاف أن هذه هي أهم الحواجز وشبكات الأمان للعلاقات الصينية الأميركية، لافتاً إلى أنه من المهم عدم تحدي الخطوط الحمراء والمبادئ العليا.

ولفت الرئيس الصيني، إلى أن التناقضات والخلافات بين دولتين كبيرتين مثل الصين والولايات المتحدة، أمر لا مفر منه، ولكن لا ينبغي لأحد الجانبين تقويض المصالح الأساسية للجانب الآخر، ناهيك عن السعي إلى الصراع أو المواجهة.

من جانبه، أشار الرئيس بايدن، إلى أهمية حقوق الإنسان، ومسؤولية جميع الدول عن احترام التزاماتها بحقوق الإنسان، مؤكداً أنه "لا يزال من الأولويات حل قضايا المواطنين الأميركيين الذين يتم احتجازهم بشكل غير عادل أو خاضعين لحظر الخروج في الصين".

مزيد من الحوار

واعتبر الرئيس الصيني، أنه "من المهم إجراء المزيد من الحوار والتعاون. في ظل الظروف الحالية، تتوسع المصالح المشتركة بين الصين والولايات المتحدة بدلاً من أن تتقلص". 

وقال إن "تعاونهما أمر بالغ الأهمية ليس فقط للاقتصاد والتجارة والزراعة ومكافحة المخدرات وإنفاذ القانون والصحة العامة، ولكن أيضاً للتعامل مع التحديات العالمية المتمثلة في تغير المناخ والذكاء الاصطناعي بالإضافة إلى معالجة القضايا الدولية الساخنة".

ولفت إلى ضرورة الاستجابة لتوقعات الشعب، قائلاً: "يجب أن تعمل العلاقات الصينية الأميركية دائماً على تعزيز رفاهية الشعبين وتقريبهما من بعضهما البعض. لتسهيل التبادل البشري والثقافي، يحتاج الجانبان إلى بناء الجسور".

 وأردف: "يجب على الصين والولايات المتحدة أن تضعا دائماً في الاعتبار مستقبل البشرية وأمنها. دول العالم يجب أن تلتزم بمسؤولياتها تجاه السلام العالمي، وتوفير الصالح العام للعالم، والتصرف بطريقة مواتية للوحدة العالمية، بما في ذلك القيام بتفاعلات بناءة، والامتناع عن الاستنزاف المتبادل، وعدم إكراه الدول الأخرى على اتخاذ موقف".

التعاون مع إدارة ترمب

وقال الرئيس الصيني لنظيره الأميركي، إنه "مستعد للعمل مع (الرئيس الأميركي المنتخب) ترمب لتحسين العلاقة بين أكبر اقتصادات العالم"، وفق "بلومبرغ".

وخلال اللقاء، قال الرئيس شي: "خلال الأربع سنوات الماضية، مرت العلاقات الصينية الأميركية بتقلبات، ولكن تحت إشرافنا المشترك، شارك الجانبان أيضاً في حوار وتعاون مثمر وظلت العلاقة مستقرة".

وأضاف: "عندما تعامل الدولتان بعضهما البعض كشريك وصديق، وتسعيان لإيجاد أرضية مشتركة مع تجاهل الخلافات ومساعدة بعضهما البعض على النجاح، فإن علاقتنا ستحرز تقدماً كبيراً، ولكن إذا عاملنا بعضنا كمنافسين أو خصوم، وسعينا للمنافسة الضارة وحاولنا إيذاء بعضنا البعض، فإننا سنعرقل العلاقة أو حتى نتراجع".

اقرأ أيضاً

استعداداً لحرب تجارية.. الصين تتسلح بـ"تدابير قوية" لمواجهة ترمب

قال مستشارو ومحللو المخاطر الدولية في الصين، إن بكين أعدت تدابير مضادة للرد على الشركات الأميركية، حال قرر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إشعال حرب تجارية.

وتابع: "الإنسانية تواجه تحديات غير مسبوقة، يجب ألا تكون المنافسة بين الدول الكبرى المنطق الأساسي لهذا العصر، فقط التضامن والتعاون يمكن أن يساعد الإنسانية على تجاوز الصعوبات الحالية".

وأردف: "كدولتين كبيرتين، يجب على الصين والولايات المتحدة أن تأخذا في الاعتبار مصالح العالم بأسره وأن تضخا المزيد من اليقين والطاقة الإيجابية في العالم المضطرب".

واستطرد: "اعتقادي المستمر أن العلاقة الثابتة بين الصين والولايات المتحدة، والتي تعد العلاقة الثنائية الأهم في العالم، حاسمة ليس فقط لمصالح الشعبين الصيني والأميركي، ولكن أيضاً لمستقبل ومصير الإنسانية بأكملها.. يجب على البلدين أن يأخذا في الاعتبار رفاهية الشعبين والمصالح المشتركة للمجتمع الدولي، وأن يتخذا القرار الحكيم، ويستمرا في استكشاف الطريقة الصحيحة للتعايش الجيد بين دولتين كبيرتين وتحقيق التعايش السلمي طويل الأمد على هذا الكوكب".

وقال الرئيس الصيني شي جين بينج، إنه يجب على الولايات المتحدة ألا تتورط في النزاعات الثنائية ذات الصلة بالجزر والشعاب المرجانية في جزر "نانشا تشيونداو" (المتنازع عليها مع الفلبين)، ولا ينبغي لها أن تساعد أو تحرض على الاندفاع للقيام باستفزازات.

وأكد شي أن الصين تتمسك بقوة بأراضيها وسيادتها وحقوقها ومصالحها البحرية في بحر الصين الجنوبي، مشيراً إلى أن الحوار والتشاور بين الدول المعنية هما دائما أفضل طريقة لإدارة الخلافات في بحر الصين الجنوبي.

الذكاء الاصطناعي والأسلحة النووية

من جانبه، قال مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض، جيك سوليفان، إن الرئيس الأميركي والرئيس الصيني اتفقا، السبت، على أن اتخاذ القرارات بشأن استخدام الأسلحة النووية يجب أن يكون بواسطة البشر وليس الذكاء الاصطناعي.

وقال البيت الأبيض في بيان: "أكد الزعيمان ضرورة معالجة مخاطر أنظمة الذكاء الاصطناعي، وتحسين سلامة الذكاء الاصطناعي والتعاون الدولي، وتعزيز الذكاء الاصطناعي لصالح الجميع"، وشددا على "ضرورة الحفاظ على السيطرة البشرية على قرار استخدام الأسلحة النووية".

وأضاف: "شدد الزعيمان أيضاً على الحاجة إلى التفكير ملياً في المخاطر المحتملة، وتطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري بطريقة تتسم بالحكمة والمسؤولية".

وهذه هي المرة الأولى التي يصدر فيها البلدان مثل هذا الإعلان.

الهجمات الإلكترونية

وأعرب الرئيس بايدن عن مخاوف عميقة بشأن الهجمات الإلكترونية المستمرة، التي تشنها الصين، والتي تستهدف البنية التحتية الحيوية المدنية وتهدد سلامة وأمن الأميركيين.

وتشعر واشنطن بالغضب إزاء عملية اختراق مرتبطة بالصين لاتصالات هاتفية لمسؤولين في الحكومة الأميركية وفي الحملات الرئاسية.

وتنفي الصين باستمرار الاتهامات الأمريكية بضلوعها في عمليات اختراق، وتعتبر تايوان شأناً داخلياً كما احتجت على التصريحات الأميركية بشأن تجارتها مع روسيا. وأحجم متحدث باسم السفارة الصينية في واشنطن عن التعليق.

وأثار الرئيس بايدن مخاوف بشأن ما وصفه بـ"سياسات التجارة غير العادلة للصين"، وأكد أن الولايات المتحدة ستواصل "اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع استخدام التقنيات الصينية المتقدمة لتقويض الأمن القومي للولايات المتحدة أو شركائها، دون تقييد التجارة والاستثمار بشكل غير لائق".

في الوقت نفسه، يواجه الاقتصاد الصيني ضربة، بسبب الإجراءات التجارية التي تتخذها إدارة بايدن ومنها خطة لتقييد الاستثمار الأميركي في مجالات الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وأشباه الموصلات في الصين، وفرض قيود على تصدير الرقائق الحاسوبية المتطورة.

وتعهد ترمب خلال حملته الانتخابية بفرض رسوم جمركية بواقع 60% على الواردات من السلع الصينية ضمن حزمة من التدابير التجارية التي تتبنى شعار "أميركا أولاً".