في جميع أنحاء أميركا وبعض دول العالم، لدى الناس تفاعلات اجتماعية أقل، ويقضون وقتا أطول بمفردهم.
هذا التوجه ليس مجرد تداعيات وباء كورونا الذي سرّع من أزمة الوحدة، فالتحول نحو حياة أكثر عزلة يحدث منذ سنوات، بحسب تقرير نشره موقع "بيزنس إنسايدر".
وجد تقرير جديد لخدمة الصحة العامة في الولايات المتحدة، أنّ الأنشطة الاجتماعية بجميع أنواعها قد تراجعت، وقارن الأثر الصحي لهذه الوحدة المتزايدة بتدخين 12 سيجارة في اليوم.
وجد البحث الخاص أنّ الأميركيين يعانون "ركود الصداقة" حيث أبلغ الناس عن دوائر اجتماعية أصغر وعدد أقل من الأصدقاء المقربين.
إنّ موجة العزلة المتزايدة هذه حادة بشكل خاص بين الشباب، فقد انخفض الوقت الذي يقضيه الأميركيون الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما مع الأصدقاء بشكل كبير خلال العقدين الماضيين، وفقًا لتقرير خدمة الصحة، من 2.5 ساعة في المتوسط في اليوم إلى 40 دقيقة فقط.
نحن نعلم بالفعل كيف يمكن أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي مسببة للإدمان: ما يقرب من واحد من كل 3 أميركيين يتواصلون عبر الإنترنت "بشكل مستمر تقريبا"، وفقا لمركز بيو للأبحاث، في حين أظهرت دراسة أجراها باحثون في جامعة بنسلفانيا عام 2018، أنّ وسائل التواصل الاجتماعي تساعد في تأجيج مشاعر الوحدة.
التطور الأخير الذي يهدّد بمضاعفة أزمة الوحدة هو ظهور الذكاء الاصطناعي.
ChatGPT
أدى إصدار ChatGPT الخاص بـOpenAI في أواخر عام 2022، إلى زيادة الاهتمام بإمكانية دمج روبوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي في حياتنا.
لقد رأينا بالفعل كيف يمكن للاعتماد على التكنولوجيا أن يؤثر على صحتنا العقلية، والآن يمكن أن تحل برامج الدردشة الآلية وبرامج الذكاء الاصطناعي الأخرى محل التفاعلات الاجتماعية المهمة التي تساعدنا في بناء المجتمع.
يشعر العديد من الأميركيين بهذا القلق بالفعل: فقد وجد استطلاع حديث أجراه مركز بيو للأبحاث أنّ أحد أهم اهتمامات الأميركيين بشأن الذكاء الاصطناعي، هو "الافتقار إلى الاتصال البشري" المتأصل في التكنولوجيا.
يستخدم مطورو البرمجيات الذكاء الاصطناعي لتبسيط عملية الترميز، ويستخدمه المحامون للمساعدة في صياغة ملخصات قانونية، وتقوم بعض الشركات بتجربة روبوتات المحادثة في أدوار خدمة العملاء.
في حين أنّ حالات الاستخدام يمكن أن تعزّز النتيجة النهائية للأعمال، فمن المهم أن تكون واضحا بشأن المشكلات التي تنشأ عن استخدام الذكاء الاصطناعي لاستبدال التبادلات الاجتماعية الروتينية.
وصف علماء الاجتماع اللقاءات الإنسانية القصيرة بأنها "روابط اجتماعية ضعيفة" محادثة قصيرة مع أحد الجيران، أو مجاملة من شخص غريب، أو باريستا في المقهى المحلي، يسأل كيف كنت.
بينما تبدو التفاعلات الإنسانية غالبا تافهة، فإنّ فوائد هذه اللقاءات كبيرة.
في مقابلة مع سكان مدينة نيويورك الذين يعيشون بمفردهم أثناء الوباء، وجد عالما الاجتماع إريك كليننبرغ وجيني لي، أنّ الناس فاتهم الوجود حول "غرباء مألوفين"، وهي تجربة أعطتهم إحساسا بالمكان والانتماء.
أظهرت الدراسات أنّ التفاعل مع مجموعة واسعة من الأشخاص على أساس منتظم، يجعلنا أكثر سعادة.
أحد الأجزاء المهمة للغاية في تطوير الروابط الاجتماعية، سواء كانت قوية أو ضعيفة، هو أنها تربطنا بأماكن وأشخاص قد لا نتمكن من الوصول إليها بطريقة أخرى.
قد تكون فرصة عمل محتملة أو مقدمة لمجتمع جديد، مثل ناد للكتاب أو تجمع ديني أو دوري رياضي.
في دراسة استقصائية أُجريت عام 2021، وجدنا أنّ ما يقرب من نصف البالغين قد كوّنوا صديقا مقربا من خلال شبكة صداقتهم الحالية.
إنّ استخدام الذكاء الاصطناعي لأتمتة هذه التفاعلات، سواء كانت تافهة أو أكثر جوهرية، من شأنه أن يحرم الناس من فوائدهم العقلية والاجتماعية.
لقد أعطانا الوباء بالفعل لمحة عما يحدث عندما تتعثر هذه العلاقات: عدد متزايد من المهووسين، والمزيد من القتال المتكرر في المدارس، وزيادة عامة في السلوك المعادي للمجتمع.
العلاقات الاصطناعية
التحول نحو علاقات الذكاء الاصطناعي ليس مجرد احتمال نظري: يعمل بعض رواد الأعمال والشركات بالفعل، على إنشاء اتصالات مدفوعة ببرامج الدردشة الآلية.
أصدرت كارين مارجوري، وهي مؤثرة تبلغ من العمر 23 عامًا ولديها أكثر من 1.8 مليون متابع على Snapchat، مؤخرًا CarynAI، وهي "تجربة ذكاء اصطناعي غامرة" تعرض مقاطع فيديو لمارجوري تقول إنها توفر "صديقة افتراضية" لأولئك الذين يرغبون في دفع مبلغ دولار واحد في الدقيقة.
وفقًا لموقع مارجوري، فإنّ روبوت الدردشة الذي يعمل بنظام GPT-4 يكرر صوت مارجوري وشخصيتها إلى الحد الذي يبدو وكأنه "يتحدث مباشرة إلى كارين نفسها".
بينما تستعد مارجوري لتحقيق ربح جيد من CarynAI، بناءً على اختبار تجريبي حديث قدّرت أنّ برنامج الدردشة الآلي يمكن أن يدر إيرادات شهرية بقيمة 5 ملايين دولار، تقول أيضا إنّ الهدف من تطوير الصورة الرمزية للذكاء الاصطناعي، هو "علاج الشعور بالوحدة" بالنسبة لها بأغلبية ساحقة من الذكور قاعدة المعجبين.
على الرغم من أنها حظيت بالكثير من الاهتمام، إلا أنّ CarynAI ليست المحاولة الأولى لتزويد الأشخاص بالرفقة من خلال روبوت محادثة AI.
ريبليكا، صديق روبوت محادثة آخر يعمل بالذكاء الاصطناعي تم تسويقه للأشخاص "الوحيدين أو المكتئبين، أو الذين لديهم القليل من الاتصالات الاجتماعية" والذي تم إطلاقه في عام 2017.
تمتلك الشركة التي تقف وراء ريبليكا، أكثر من 10 ملايين مستخدم مسجل، ويتلقى روبوت الدردشة ملايين الرسائل كل أسبوع.
قامت Snap مؤخرًا بنشر روبوت محادثة AI خاص بها، يسمى My AI، يهدف إلى استكمال التفاعلات الاجتماعية على التطبيق.
في مقابلة مع The Verge، قال الرئيس التنفيذي لشركة Snap Evan Spiegel: "الفكرة الكبرى هي أنه بالإضافة إلى التحدث إلى أصدقائنا وعائلتنا كل يوم، سنتحدث إلى الذكاء الاصطناعي كل يوم".
(ترجمات)