أعلن الرئيس التنفيذي لشركة "ميتا" مارك زوكربيرغ، أنّ شركته تعتزم إلغاء آلاف الوظائف، بالإضافة إلى 11 ألف شخص تم تسريحهم في نوفمبر الماضي، حيث بدا متوترا خلال اجتماع لمدة ساعة مع الموظفين في المقر الرئيسي بكاليفورنيا، وفق ما نقلت صحيفة واشنطن بوست.
وخلال الاجتماع ألقى موظفو "ميتا" بأسئلة إلى زوكربيرغ، حول لماذا يجب أن يثقوا في قيادته للشركة؟ ليجيب: "هذا سؤال عادل تماما".
وكان زوكربيرغ قد قاد "ميتا" خلال سنوات من الاضطرابات العامة بثقة وأمان، على الرغم من بعض العثرات، إذ يراهن رئيسهم التنفيذي دائما على المستقبل الصحيح. ولكن الآن، بسبب الاضطرابات الاقتصادية وموجات تسريح العمال، التي ستؤدي إلى خفض بنحو 21 ألف موظف وضخ استثمارات كبيرة في مشروع الواقع الافتراضي "metaverse" الذي لا يُظهر أيّ علامات على النجاح، يقول الكثير داخل "ميتا"، إنّ زوكربيرغ فقد رؤيته وثقة موظفيه.
أزمة معنوية
يقود زوكربيرغ شركته إلى أزمة معنوية غير مسبوقة، بحسب ما يقول أكثر من 20 موظفا حاليا وسابقا تحدثوا لـ"واشنطن بوست"، بشرط عدم الكشف عن هويتهم خوفًا من العقاب.
وتنافس "فيسبوك" وهي إحدى منصات "ميتا" الرئيسية، "تيك توك" على المستخدمين والمعلنين، حيث تأثر نشاطها الإعلاني مع تخلفها عن الذكاء الاصطناعي التوليدي، الذي يُحدث ثورة سريعة في صناعة التكنولوجيا.
والأسبوع الماضي، ارتفع سهم "ميتا" بنسبة 13% على خلفية الأخبار التي تفيد بأنّ الإيرادات الفصلية قد ارتفعت للمرة الأولى منذ ما يقرب من عام. لكنّ مصادر تقول إنّ تسريح العمال إلى جانب تعهدات زوكربيرغ بمزيد من خفض التكاليف ستؤثر عكسيًا.
ووفق الصحيفة الأميركية، حتى في القيادات العليا بشركة "ميتا"، يلقي البعض باللوم على زوكربيرغ في توعك الشركة. فعلى سبيل المثال، وظفت "ميتا" 41 ألف شخص خلال الوباء.
وخلال اجتماع الشركة هذا الشهر، قال رئيس قطاع التكنولوجيا أندرو بوسورث وفق أشخاص مطلعين، إنّ زوكربيرغ قام ببعض التعيينات بسبب "اعتراضات" كبار المسؤولين التنفيذيين، كما يرفض أحيانا نصائحهم بشأن فصل أشخاص.
ووصف زوكربيرغ خفض التكاليف بالمؤلم، ولكنه ضروري، وهو يهدف إلى هيكلة الشركة لتحقيق نمو في الإيرادات، بعد تباطئها بسبب ارتفاع أسعار الفائدة وعدم الاستقرار الجيوسياسي.
سلسلة الفضائح
شارك زوكربيرغ شخصيا وبشكل مباشر في قرارات تسريح الموظفين، على الرغم من جدول أعماله المحدود، بسبب ولادة طفله الثالث، حيث انتدب كادرا من كبار المديرين التنفيذيين جنبا إلى جنب مع أشخاص في أقسام الموارد البشرية والقانونية والمالية، للمساعدة في إعادة رسم المخططات التنظيمية وإيجاد طرق لجعل الشركة أكثر كفاءة.
وفي بيان، قال المتحدث باسم "ميتا" ديف أرنولد، إنّ الظروف التي أدت إلى تسريح العمال "معروفة جيدا ويتردد صداها في جميع أنحاء الصناعة".
وأضاف أرنولد: "لقد كان مارك شفافا بشأن الكيفية التي نصبح بها أكثر كفاءة لجعلنا شركة تكنولوجيا أفضل ونحسّن أداءنا المالي".
وكان من الصعب على شركة "ميتا" جذب أفضل المواهب والاحتفاظ بها، بفضل مجموعة من الفضائح، بما في ذلك دور "فيسبوك" في نشر معلومات مضللة بانتخابات الرئاسة الأميركية عام 2016.
وفي استطلاع داخلي للموظفين في أكتوبر الماضي، قبل موجة تسريح العمال، قال 31% فقط من المشاركين، إنهم واثقون من أنّ القادة يأخذون الشركة في الاتجاه الصحيح، وذلك بانخفاض 11% عن مايو 2022، وفق ما ذكر أحد الأشخاص المطلعين.
ووعد زوكربيرغ الأسبوع الماضي، بأنّ الشركة ستعود إلى الاستقرار بمجرد انتهاء إعادة الهيكلة. ولكن نظرًا لأنّ هناك موجة تسريح منذ 7 أشهر، فمن غير الواضح ما إذا كان الرئيس التنفيذي سيكون قادرا على استعادة ثقتهم من جديد.
"ما كان مميزا في ميتا هو الثقة"، بحسب قول أحد الموظفين الحاليين، والذي يضيف: "لقد شعرنا حقا أنها كانت شركتنا، ودافعنا عنها عن طيب خاطر عندما قال الجميع إننا نجسد الشر(..) ولكن قد دمّر كل ذلك، لتبدو وكأنها خيانة".
مضاعفة أعداد الموظفين
لسنوات، وظفت "ميتا" بكثرة، وجذبت الموظفين بمزايا سخية وأعلى الرواتب في مجال التكنولوجيا، كما شجعت الشركة ثقافة التوظيف، حيث كان يتشاور زوكربيرغ كل عام مع المديرين التنفيذيين، لوضع أهداف التوظيف بناء على أولويات العمل.
وخلال السنوات الماضية، تمت إعادة تجهيز "ميتا" بسرعة للاستفادة من الطلب، حيث نمت الأجور بنسبة مئوية من رقمين، وتضاعف عدد الموظفين تقريبا بين عامي 2019 و2022، وذلك بالتزامن مع إطلاق خاصية المتاجر عبر "فيسبوك" و"انستغرام"، وواجهات التسويق الرقمية لبيع المنتجات والتسوق المنزلي.
لكنّ هذا الاعتماد على التجارة الإلكترونية، كان محفوفا بالمخاطر، خصوصا وأنّ من السهل على الشركات التي تشتري الإعلانات الرقمية، أن تتراجع عن ذلك بسرعة، عندما لا تؤدي هذه الإعلانات إلى المبيعات.
وكانت الشركة تتبع تنبؤا متفائلا بالمثل في ما يتعلق بالواقع الافتراضي، ليقدم زوكربيرغ رؤية طموحة عن "metaverse"، والتي يتوقع أن تُحدث تحولًا حوسبيًا بعد الهواتف المحمولة، وهي ثورة فشلت "ميتا" في تحقيق أيّ استفادة منها حتى الآن.
فشل الواقع الافتراضي
لكن عندما أعاد زوكربيرغ تسمية شركة "ميتا" في أكتوبر 2021، ليعكس تركيزا جديدا على الواقع الافتراضي، استقبل الموظفون هذه الخطوة بقلق، فعلى الرغم من سعادة بعض الموظفين داخل قسم الواقع الافتراضي "Reality Labs" بكونهم مركز الثقل الجديد، إلا أنهم كانوا قلقين بشأن التدقيق المتزايد في القسم الذي لم يحقق نجاحا تجاريًا بعد.
ومنذ استحواذ "ميتا" عام 2014 على شركة الواقع الافتراضي "Oculus"، عززت من استثمارها في تطوير الأجهزة والبحث، وحاولت بناء كل شيء، بما في ذلك نظارات الواقع المعزز والساعات الذكية، وسمّاعات الواقع الافتراضي، وفي بعض الأحيان شُكلت فرق عمل مختلفة للعمل على أجيال جديدة من الجهاز نفسه في الوقت ذاته.
"لقد تم بناء فرق العمل مثل شركة برمجيات كانت تحاول التجربة من البداية، بدلا من شركة أجهزة ذات خبرة تحاول تطوير أجهزة"، بحسب ما قال موظف سابق.
والتزمت شركة الواقع الافتراضي "Oculus" بالإنتاج لفترة طويلة، ليتضح بعد ذلك أنها لا تجذب المستخدمين. وكان الموظفون يتداولون بانتظام، بيانات تُظهر أنّ الأجهزة لم تحقق أهدافها البيعية، والمستخدمون الذين اشتروها لم يستخدموها كثيرا.
وبدلًا من التوقف، أعادت "ميتا" تسمية العلامة التجارية للمنتجات أثناء الوباء، والتي شهدت مبيعاتها نموا، إلا أنّ هذا لم يمنع من وجود مشكلات مشابهة في منتجاتها وتطبيقاتها للواقع الافتراضي، حيث وجد المسؤولين التنفيذيين أنّ المشترين غالبا ما يستخدمونها لبضعة أسابيع فقط، وغالبا ما يتجه المشترون نحو المنتجات المنافسة.
كانت "ميتا" تخسر المليارات من الدولارات في محاولة تحويل رؤيتها للواقع الافتراضي إلى حقيقة، حيث خسرت "Reality Labs" أكثر من 13.7 مليار دولار العام الماضي، بزيادة من 10.2 مليارات دولار خسرتها في عام 2021 و6.6 مليارات دولار في عام 2020.
وفي ديسمبر الماضي، استقال كبير مسؤولي التكنولوجيا في "Oculus" جون كارماك، محبَطا من عدم قدرته على إصلاح أوجه القصور التي يعانيه قسم الواقع الافتراضي، على الرغم من رتبته العالية وقوته النسبية.
تلاشي التفاؤل
بدأ تفاؤل "ميتا" يتلاشى بحلول أوائل عام 2021، حينما ذُكر أنّ عدد مستخدمي "فيسبوك" اليوميين بدأ يتراجع لأول مرة في عقد، لينخفض بحوالى نصف مليون مستخدم في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2021، ما تسبب في تراجع سهم الشركة بأكثر من الربع.
وفي صيف ذات العام، بدأ زوكربيرغ وغيره من المديرين التنفيذيين، في الإشارة داخليا إلى أنّ المديرين بحاجة إلى تحديد موظفيهم الأقل أداء، وتجميد عمليات التوظيف الجديدة، ما تسبب في حدوث فوضى في الموارد البشرية بأكملها وتقسيم التوظيف.
وخلقت الرسائل الفظة من زوكربيرغ وقادة آخرين، موجة من القلق والاستياء بين القوى العاملة في فيسبوك. وقال الموظفون إنهم قلقون من أن يفقدوا وظائفهم، أو يتلقوا مكافآت سنوية أقل، أو أنّ بيئة الشركة الصارمة بالفعل ستصبح أقل قدرة على المنافسة.
ويبرز زوكربيرغ في وادي السيليكون باعتباره أحد المؤسسين القلائل الذين ما زالوا يقودون عملاقا تكنولوجيا كبيرا بعد فترة طويلة من طرحه العام الأولي، وهو يتحكم في 61% من أسهم التصويت.
ويقول المنتقدون، إنّ زوكربيرغ غالبا ما يحيط نفسه بنواب قدامى قضوا الكثير من حياتهم المهنية ضمن أنظمة "ميتا" وثقافتها، ما يحدّ من نطاق وجهات النظر التي من المحتمل أن يتلقاها.
وعندما جاءت عمليات التسريح في نوفمبر، تُرك تحديد من يجب استبعاده لكبار المسؤولين التنفيذيين، وليس المديرين الأفراد، وفقًا لشخص مطلع على الأمر.
وتُعتبر "ميتا" الآن في منتصف جولتها الثانية من تسريح العمال، حيث ألغت 4 آلاف وظيفة في شهر أبريل. وخلال اجتماع لمجلس الإدارة، قدّم زوكربيرغ دفاعا قويا حول استمرار ثقة الموظفين في الشركة، قائلا: "لا توجد شركة تقنية أخرى تقدّم تجارب اجتماعية لمليارات الأشخاص بالطريقة التي هي عليها ميتا".
(ترجمات)