تُعدّ منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، واحدة من أكبر أسواق الألعاب الإلكترونيّة في العالم، إذ يُشكل اللاعبون نسبة 15% من الإجماليّ العالمي، حسبما يشير تقرير "مستقبل التجارة: الإصدار الخاص بالألعاب"، الصادر عن مركز دبي للسلع المتعددة.
وتتصدّر كلّ من السعودية والإمارات ومصر، دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتي يطلق عليها اسم "MENA-3"، حيث تشير مؤسسة "Niko partners" للأبحاث في تقرير حديث أيضا، إلى أنّ الإنفاق المحليّ على ألعاب الفيديو عبر جميع المنصات في البلدان الـ3، بلغ 1.79 مليار دولار في عام 2022، ومن المتوقع أن يتضاعف إلى 2.8 مليار دولار بحلول عام 2026.
وبحسب تقرير "Niko partners" فإنّ عدد اللاعبين في دول "MENA-3"، بلغ نحو 67.4 مليون لاعب في عام 2022، ومن المتوقع أن يصل عدد اللاعبين إلى 87.9 مليونا خلال 4 سنوات، وهو ما يشير إلى حجم السوق الضخم والذي يستطيع استيعاب المزيد من الألعاب الإلكترونية.
السعودية تقود التحوّل
خلال الساعات القليلة الماضية، أكد وليّ العهد السعوديّ الأمير محمد بن سلمان، استراتيجية بلاده التي تتبنّاها منذ سنوات في سوق الألعاب الإلكترونية، من خلال ضخّ المزيد من الاستثمارات، قائلًا في مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" الأميركية: "أحب ألعاب الفيديو منذ أن كنت طفلًا، فهي تفصلنا عن الواقع"، مشيرا إلى "ألعاب الرياضة الإلكترونية التي تعدّ إحدى أكثر الصناعات نموًا في العالم، بنسبة 30%، ويحقق صندوق الاستثمارات العامة السعودي، بما يتراوح بين 15 و25% سنويا أرباحا نتيجة الاستثمار بها".
وخلال عام 2022، أطلق وليّ العهد السعوديّ الاستراتيجية الوطنية لقطاع الألعاب والرياضات الإلكترونية، والتي تستهدف تطوير القطاع وخلق الفرص الاقتصادية المتنوعة، من خلال صناعة وتطوير الألعاب والرياضات الإلكترونية، لتخطو المملكة بذلك خطوات متسارعة، وهو الأمر الذي يؤكده خبراء وتنفيذيون بقطاع صناعة الألعاب الإلكترونية في منطقة الشرق الأوسط، خلال حديثهم مع منصة "".
الرئيس التنفيذيّ لشركة "Barzah Studio" المطوّرة للألعاب الإلكترونية في الإمارات ومنطقة الشرق الأوسط ناصر المنصوري، يقول خلال حديثه مع منصة "المشهد"، إنّ السعودية أدركت منذ سنوات أهميّة سوق الألعاب الإلكترونية، "فهي أصبحت جزءا من حياتنا وليس فقط للتسلية، إذ لها مردود نفسيّ كبير".
ويشير المنصوري إلى أنّ السعودية عززت استثماراتها بشكل كبير في قطاع الرياضات الإلكترونية، كما أحدثت طفرة في الفعاليات التي تستضيفها، والتي كان آخرها "موسم الغيمز" بمدينة الرياض، والذي جمع فرقا متنافسة من مختلف أنحاء العالم.
ويتفق مع هذا مؤسس شركة "Quicksand-Studios" المطوّرة للألعاب الإلكترونية في مصر، سيف عبد الباقي، الذي يعتبر أنّ السعودية أحدثت تحوّلات هائلة في السوق بمنطقة الشرق الأوسط، "وهي تشجع الأسواق العربية الأخرى للمنافسة على نطاق واسع، سواء على مستوى صناعة الألعاب الإلكترونية، أو استضافة الفعاليات المرتبطة بها".
وتخطّط السعودية في إطار استراتيجياتها الطموحة، إلى تأسيس أكبر مركز لتطوير الألعاب الإلكترونية في العالم، بمشروع مدينة نيوم الجاري العمل به. كما اتخذ صندوق الثروة السياديّ خطوات استثمارية من خلال إطلاق مجموعة "Games Savvy"، والتي ضخّت من خلالها استثمارات ملياريّة في عدد من الشركات العالمية، أبرزها "VSPO"، التي تروّج وتدير ألعابا مثل "League of Legends"، و"بابجي"، وشركة "نينتندو" اليابانية لصناعة وحدات الألعاب الإلكترونية.
خطط إماراتية واعدة
ولم تكن السعودية وحدها التي رأت في قطاع الألعاب الإلكترونية فرصة كبيرة للاستثمار فيه، حيث إنّ الإمارات في طليعة الدول التي منحت المزيد من الفرص للنموّ والتطور خلال السنوات القليلة الماضية، فبحسب تقرير "مستقبل التجارة: الإصدار الخاص بالألعاب" الصادر عن مركز دبي للسلع المتعددة مطلع 2023، فإنّ دولة الإمارات تقوم ببناء منظومة خاصة بها للألعاب، مدفوعة بشكل كبير بالمبادرات التي تقودها الحكومة، إذ تعتبر صناعة الألعاب من القطاعات ذات الأولوية في الاستراتيجية الوطنية العشرية لدولة الإمارات.
ويؤكد هذا الدعم الكبير في قطاع صناعة الألعاب بالإمارات، الرئيس التنفيذيّ لشركة "Barzah Studio" ناصر المنصوري، الذي يقول إنّ القطاع يلقى دعما كبيرا من المؤسسات الحكوميّة، والتي من بينها مبادرة أبوظبي للألعاب والرياضات الإلكترونية، وهي "شريكة لنا في العديد من المشروعات التي نقوم بها حاليا".
وبحسب الموقع الإلكتروني، توفر مبادرة أبوظبي للألعاب والرياضات الإلكترونية، بيئة متكاملة لدعم الجيل المقبل من مطوّري الألعاب والشركات وهواة الألعاب الإلكترونية، من خلال تعزيز الابتكار والمعرفة، إذ تدعم العديد من مؤسسات القطاع الحكوميّ والخاص، بالإضافة إلى صنّاع المحتوى واللاعبين.
وكشف الرئيس التنفيذيّ لشركة "Barzah Studio"، عن استعداد شركته لإطلاق أول لعبة إلكترونية تم تنفيذها وتطويرها بشكل كامل في "استوديوهاتنا"، تحمل اسم "Project J"، وهي لعبة إلكترونية ذات مواصفات تنافسية عالمية، "صُنعت بأيادٍ إماراتية"، مشيرا إلى أنّ "الألعاب التي نقوم بتطويرها، لا تستهدف المنطقة العربية فقط، بل نسعى للمنافسة عالميًا بشكل أوسع".
مصر تطرح مبادرات
وإلى جانب السعودية والإمارات، أدركت مصر قبل سنوات أهمية صناعة الألعاب الإلكترونيّة، حيث أطلق الرئيس المصريّ عبد الفتاح السيسي قبل سنوات، مبادرة لتدريب 10 آلاف شاب من مطوّري الألعاب الإلكترونية، مع طرح العديد من المبادرات الحكومية المتلاحقة لدعم هذه الصناعة، خصوصا أنه وفق بيانات مؤسسة "Niko partners"، فإنّ مصر هي السوق الأكبر في المنطقة من حيث عدد اللاعبين النشطين، والسوق الأسرع نموًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ويؤكد مؤسس شركة "Quicksand-Studios" المطوّرة للألعاب سيف عبد الباقي، خلال حديثه مع منصة "المشهد"، الجهود المصرية في دعم صناعة الألعاب، قائلًا: "مصر اتخذت خطوات جيّدة مثل الإمارات والسعودية. ونحن نتطلع بشكل كبير ليلقى القطاع المزيد من الدعم للمنافسة في الأسواق العالمية".
ويضيف: "الاهتمام بقطاع صناعة الألعاب يتزايد. وهو مجال إبداعيّ للغاية. صحيح أنّ المنافسة فيه خارج المنطقة ليست سهلة، لكنها غير مستحيلة. نحن متفائلون للغاية من الخطوات والإجراءات الداعمة".
ويشير مؤسس الشركة المطورة للعبة التصويب المصرية "Militia proxy war"، إلى "المفاجأة التي تلقّاها مع إقبال لاعبين من دول أخرى واهتمامها باللعبة المصريّة"، قائلا: "حينما قمنا بإطلاق مشروعنا الأخير، كان لدينا توقعات بأن يكون اللاعبون من الدول العربية فقط، لكن وجدنا لاعبين بأعداد كبيرة من إندونيسيا والكونغو، ومن دول أخرى إفريقيّة. وهذا دليل على أنّ الصناعة في المنطقة لديها فرصة كبيرة للمنافسة".
تحديات صناعة الألعاب الإلكترونية
ورغم كل الخطط والمبادرات التي تقودها دول المنطقة لدعم صناعة الألعاب الإلكترونية، إلا أنه وفقا لرؤساء الشركات العاملة بالسوق، لا يزال القطاع يواجه تحديات كبيرة بالمنطقة، تتمثل في محدودية توافر الخبرات البشرية، والحاجة إلى المزيد من الاستثمارات الضخمة.
وبلغ حجم الاستثمارات في صناعة الألعاب الإلكترونية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بين عامي 2015 و2021، نحو 392 مليون دولار فقط، من خلال 170 صفقة، حسبما يفيد تقرير مركز دبي للسلع المتعددة حول الألعاب الإلكترونية.
ويقول الرئيس التنفيذيّ لشركة "Barzah Studio" ناصر المنصوري، إنّ منطقة الشرق الأوسط تحتاج إلى المزيد من الاستثمارات الضخمة في صناعة الألعاب الإلكترونية، "والابتعاد على النظرة السابقة إلى أنّ الألعاب ما هي سوى وسيلة للتسلية والهواية"، مشيرا إلى أنّ الأسواق في منطقة الخليج العربي وشمال إفريقيا، لديها الفرص والإمكانات والدوافع للانطلاق والمنافسة العالمية.
ويؤكد المنصوري أنّ قطاع الألعاب الإلكترونية يحقق نموا بشكل متواصل يفوق العديد من القطاعات الترفيهية الأخرى، إذ عكفت بعض المؤسسات مثل منصة "نتفلكس"، على إتاحة ألعاب إلكترونية تتكامل مع محتواها الفني.
ويتفق مع هذا، مؤسس شركة "Quicksand-Studios" سيف عبد الباقي، الذي يشير إلى أنه بجانب تراجع فرص الاستثمارات والتمويل الجماعي، "لا تزال الصناعة في المنطقة تحتاج إلى جهود كبيرة لملاحقة الشركات العالمية ومنافستها. خصوصا أننا لا نمتلك حتى الآن شركة واحدة تقوم بتطوير الألعاب بشكل منفرد. ففي مصر هناك أكثر من مؤسسة تتعاون لإطلاق مشروع واحد".
ويضيف عبد الباقي لـ"المشهد"، "أكبر تحدٍّ يواجه الصناعة هو نقص الخبرة. نحن هنا في البداية، ولا يوجد الكثير من المؤسسات التعليمية التي لها تأثير واضح على صناعة الألعاب في منطقة الشرق الأوسط".
وأشار ناصر المنصوري أيضا، إلى التحدي المتعلق بنقص الخبرة الذي واجه شركة "Barzah Studio" في البداية، قبل أن يتم التغلب عليه، إذ يقول إنّ "تحدي عدم وجود خبرات سابقة كان الأبرز في البداية، لكننا نجحنا في اكتساب الخبرة عبر التعلم من خلال التعاقد مع عملاقة مطور صناعة الألعاب (إيبك غيمز) لتقديم تدريب مجانيّ للمطورين داخل الإمارات".
ويضيف المنصوري لـ"المشهد": "منذ الاتفاق مع إيبك غيمز، تم تدريب أكثر من 100 شخص على محرك تطوير الألعاب (Unreal Engine)، ثم تمت الاستعانة بهم في تطوير الألعاب الإلكترونية، ووُظّف بعضهم في المؤسسة"، مشيرا إلى أنّ "ذلك يمثّل إنجازا كبيرا لدعم استوديوهاتنا بقوة بشرية تحمل الخبرة والمعرفة".
وتُعتبر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، واحدة من أكثر أسواق الألعاب الصاعدة إثارةً كمركز للمستهلكين والمنتجين والمبدعين، وفق ما يؤكد تقرير "الألعاب الإلكترونية" الصادر عن مركز دبي للسلع المتعددة، والذي يتوقع أن يتضاعف السوق بحلول عام 2027.
(المشهد)