مع تسلّم الرئيس المنتخب دونالد ترامب دفة القيادة في يناير المقبل، تتجه الأنظار نحو سياساته الاقتصادية التي قد تعيد صياغة مفهوم التجارة الدولية.

في قلب هذه السياسات، تأتي الرسوم الجمركية كإحدى الأدوات الأساسية التي يعتزم استخدامها لتحفيز الإنتاج المحلي وتقليص العجز التجاري.

لكن بينما يروج مؤيدوه لهذه الخطوة كحافز لنمو الصناعة الوطنية وخلق الوظائف، يثير اقتصاديون مخاوف من انعكاساتها السلبية على معدلات النمو الاقتصادي، بما في ذلك ارتفاع التكاليف على المستهلكين والشركات، واضطرابات في سلاسل التوريد العالمية.

وبحسب كبير الاقتصاديين العالميين في بنك مورغان ستانلي، سيث كاربنتر، فإن الرسوم الجمركية المقترحة من دونالد ترامب ستؤثر سلباً على نمو الاقتصاد الأميركي مع حلول العام 2026.

الرئيس المنتخب ترامب كان قد أشار إلى نيته فرض رسوم شاملة تتراوح بين 10 و20 بالمئة على جميع الواردات، بالإضافة إلى رسوم إضافية تتراوح بين 60 و100 بالمئة على السلع المستوردة من الصين. وخلال المناظرة الرئاسية في سبتمبر الماضي، وصف ترامب هذه السياسة كأداة لانتزاع الأموال من الدول المنافسة.

لكن تساؤلات تثار حول توقيت وسرعة تنفيذ هذه الرسوم. وفي حال تطبيقها بشكل مفاجئ، قد يتسبب ذلك في "صدمة سلبية كبيرة" للاقتصاد، وفقًا لما قاله كاربنتر، في التصريحات التي نقلتها عنه شبكة "سي إن بي سي" الأميركية، على هامش قمة مورغان ستانلي السنوية لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في سنغافورة.

وأضاف كاربنتر أن:

  • السيناريو الأساسي لبنك مورغان ستانلي يتوقع توزيع تطبيق الرسوم الجمركية على مدى العام 2025، مما سيؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم.
  • "بحلول عام 2026، نتوقع أن يشهد النمو في الولايات المتحدة انخفاضاً كبيراً؛ بسبب هذه الرسوم وسياسات أخرى".
  • "من الواضح جداً أن الرسوم الجمركية تؤدي إلى زيادة التضخم وتبطئ النمو الاقتصادي، ليس فقط في الولايات المتحدة، بل أيضًا في الدول المستهدفة".

من جانبه، قال كبير مسؤولي الاستثمار في شركة سيبرت للوساطة المالية، مارك مالك، إنه:

  • إذا فُرضت هذه الرسوم، خاصة إذا أضيفت إلى تلك المفروضة بالفعل من قبل إدارة جو بايدن، ستتأثر قطاعات عديدة، مثل السيارات والإلكترونيات الاستهلاكية والآلات والبناء والتجزئة، بارتفاع التضخم.
  • الرسوم المقترحة بنسبة 60 بالمئة على السلع الصينية، جنباً إلى جنب مع الرسوم الحالية بنسبة 100 بالمئة التي فرضتها إدارة بايدن على المركبات الكهربائية الصينية، ستؤثر بشكل كبير على صناعة السيارات.
  • فرض رسوم شاملة بنسبة 10 بالمئة على واردات الإلكترونيات الاستهلاكية سيزيد من تكاليف الشركات مثل تسلا ومايكروسوفت وأبل، وهو ما سيؤدي على الأرجح إلى تحميل المستهلكين هذه التكاليف الإضافية.

ورغم أن مؤشر أسعار المستهلك الأميركي ارتفع بنسبة 2.6 بالمئة في أكتوبر مقارنة بنفس الشهر من العام السابق، وهو أعلى قليلًا من نسبة 2.4 بالمئة المسجلة في سبتمبر، إلا أن التضخم في الولايات المتحدة شهد تراجعاً بعد سنوات من الارتفاع، مما دفع الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة.

لكن في حال تطبيق رسوم جمركية شاملة، قد يعيد السوق تسعير التوقعات بشأن خفض أسعار الفائدة لعام 2025 بالكامل، وفقًا لبن إيمونز، كبير مسؤولي الاستثمار ومؤسس شركة FedWatch Advisors، الذي أضاف أن هذه الرسوم قد "تحد من النمو" أيضاً.

صدمة اقتصادية

يقول مستشار المركز العربي للدراسات والبحوث ورئيس منتدى تطوير الفكر العربي للأبحاث، أبو بكر الديب، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":

  • إذا قام ترامب بتطبيق تهديداته أو وعوده برفع التعريفات الجمركية بشكل فوري وبالنسب التي تحدث عنها، فإن ذلك سيُحدث صدمة سلبية كبيرة على الاقتصاد الأميركي والعالمي على حد سواء.
  • التعريفات المقترحة تتراوح بين 10 و20 بالمئة على جميع الواردات، بالإضافة إلى تعريفات إضافية تتراوح بين 60 و100 بالمئة على السلع المستوردة من الصين.
  • من المتوقع أن تؤدي هذه التعريفات إلى ارتفاع معدلات التضخم، حيث ستشهد عديد من القطاعات زيادات ملحوظة في الأسعار، بما في ذلك السيارات والإلكترونيات الاستهلاكية والآلات ومواد البناء، وحتى مساحات البيع بالتجزئة.
  • كما أن هذه السياسات ستلقي بظلالها على النمو الاقتصادي حتى عام 2026، رغم أن ترامب يؤكد أن اختلال التوازن التجاري العالمي يضر بالاقتصاد الأميركي، خاصة من خلال تقويض الإنتاج المحلي لصالح السلع الأجنبية.

ويضيف: علاوة على ذلك، فإن فرض رسوم جمركية متبادلة قد يضر بآفاق الاقتصاد، حيث سيرفع التكاليف ويعطل سلاسل التوريد، مما يؤدي إلى تعطيل التجارة العالمية وانخفاض النمو في الدول المصدرة.

  • كما قد يسهم ذلك في ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة، مما قد يضطر بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى تشديد سياسته النقدية من جديد، رغم عمليات خفض الفائدة التي تشهدها المرحلة الحالية.
  • هذا التشديد قد يؤثر على تدفقات رأس المال العالمية ووضع الدولار، إضافة إلى تأثيره السلبي على الأسواق المالية.

في سياق متصل، نقل تقرير لـ "سي بي إس" عن الاتحاد الوطني لتجارة التجزئة، تحذيره من أإن الأميركيين سيخسرون ما بين 46 مليار دولار و78 مليار دولار من القدرة على الإنفاق سنويا على المنتجات بما في ذلك الملابس والألعاب والأثاث والأجهزة المنزلية والأحذية وسلع السفر بسبب التعريفات الجمركية الجديدة.

وأشار التقرير إلى أنه خلال الفترة الأولى من ولاية الرئيس المنتخب ترامب، فرضت إدارته رسوماً جمركية تصل إلى 25 بالمئة على منتجات صينية تزيد قيمتها على 360 مليار دولار. وأبقى البيت الأبيض بقيادة الرئيس جو بايدن على معظم هذه الرسوم وأضاف المزيد منها على سلع مثل السيارات الكهربائية الصينية والرقائق الدقيقة.

والآن، أعلن ترامب أنه يعتزم فرض ضريبة بنسبة 60 بالمئة على السلع القادمة من الصين، وضريبة تتراوح بين 10 و20 بالمئة على جميع السلع الأجنبية التي تستوردها الولايات المتحدة سنويا والتي تبلغ قيمتها 3 تريليونات دولار. وحذرت وزيرة الخزانة جانيت يلين من أن مثل هذه التعريفات الشاملة من شأنها أن تعيد إشعال فتيل التضخم، لأن المستهلكين الأميركيين هم الذين سيدفعون معظمها، وعرضت وجهة نظر عامة  يتقاسمها على نطاق واسع  خبراء اقتصاد آخرون من كلا الجانبين السياسيين.

تأثيرات محلية إيجابية وسلبية

الخبير الاقتصادي وكبير الاقتصاديين في شركة ACY، الدكتور نضال الشعار، يقدم في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" رؤية متكاملة حول تأثير رفع الرسوم الجمركية على البضائع في الولايات المتحدة، موضحاً  أن هذه الخطوة ستؤدي إلى ارتفاع تكلفة البضائع الأجنبية مقارنة بالبضائع المحلية، مما يدفع المستهلك الأميركي إلى تفضيل المنتجات المحلية. هذا التحول سيؤدي بدوره إلى زيادة الطلب على المنتجات الأميركية، وبالتالي تحفيز عملية التصنيع وتوسيع الإنتاج.

ويشدد الشعار على أن "زيادة الطلب على المنتجات المحلية: ارتفاع الرسوم الجمركية سيجعل البضائع الأجنبية أقل تنافسية، مما يؤدي إلى سياسة إحلال الواردات، وزيادة الطلب على المنتجات الأميركية"، موضحاً في الوقت نفسه أن زيادة الإنتاج المحلي تستلزم توظيف عمالة جديدة، مما ينعكس على زيادة الاستهلاك المحلي وتحفيز النمو الاقتصادي على المدى القصير والمتوسط.

فيما يلفت في الوقت نفسه إلى  ان الدول المصدرة إلى الولايات المتحدة قد تفرض رسوماً مضادة، مما يؤدي إلى ارتفاع إضافي في الأسعار، وبالتالي خلق تضخم مضاعف قد يؤثر سلباً على معدلات النمو الاقتصادي.

ويقول الشعار إن السياسات المالية والإنفاق الحكومي: الإدارة الأميركية قد تلجأ إلى سياسات مالية وإنفاقية مختلفة لتخفيف آثار التضخم ودعم الاقتصاد باستخدام عوائد الرسوم الجمركية. كما يلفت إلى  الطبيعة المؤقتة للسياسات الجمركية، بالإشارة إلى أن هذه السياسات غالباً ما تكون مؤقتة ومرتبطة بالتوجهات الاقتصادية للإدارة الأميركية الحالية، حيث لا يتوقع تنفيذها بجميع أبعادها التي طرحت أثناء الحملات الانتخابية.

ويعتقد الخبير الاقتصادي وكبير الاقتصاديين في شركة ACY، بأن:

  • السياسات الجمركية المقترحة، رغم تأثيرها المحتمل على تعزيز الإنتاج المحلي والنمو الاقتصادي، تظل عرضة للتعديلات والتفاوض، خاصة مع الشركاء التجاريين الرئيسيين مثل الاتحاد الأوروبي.
  • كما أن نجاح هذه السياسات يعتمد على قدرة الإدارة الأميركية على تحقيق توازن بين تعزيز النمو المحلي والحد من التضخم الناتج عن هذه الإجراءات.

وبحسب خبراء اقتصاد في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، فإن "هذه الخطوات السياسية من شأنها أن تؤدي إلى تخفيضات ضريبية رجعية، لا يتم دفعها إلا جزئيا من خلال زيادات ضريبية رجعية"، وتكلف الأسرة المتوسطة الدخل نحو 1700 دولار في زيادة الضرائب سنويا.

كما ذكرت المنظمة غير الربحية في تقرير نُشر في أغسطس الماضي أن التعريفات المقترحة من شأنها أن تحول الأعباء الضريبية من الأميركيين الأثرياء إلى الأميركيين من ذوي الدخل المنخفض.

التأثير المحتمل

وإلى ذلك، يوضح الخبير الاقتصادي، الدكتور علي الإدريسي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن رسوم ترامب الجمركية تركز على تقليل العجز التجاري للولايات المتحدة وحماية الصناعات المحلية من المنافسة الأجنبية، خصوصاً من الصين. ومع ذلك، هناك جدل واسع حول تأثير هذه الرسوم على الاقتصاد الأميركي، على النحو التالي:

  • الرسوم الجمركية من شأنها رفع تكاليف استيراد السلع الأجنبية، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار بعض السلع في السوق الأميركية. هذا التأثير التضخمي يمكن أن يقلل من القوة الشرائية للمستهلكين.
  • الشركات التي تعتمد على سلاسل التوريد الدولية ستتاثر بزيادة التكاليف، مما يؤدي إلى انخفاض الاستثمارات وتأجيل خطط التوسع.
  • فرض الرسوم الجمركية من شأنه أن يؤدي إلى تراجع حجم التجارة الدولية مع الدول المستهدفة، خصوصاً الصين.. وهذا التراجع يؤثر على صادرات الولايات المتحدة نتيجة لردود الفعل الانتقامية من الدول الأخرى التي تفرض رسوماً مقابلة.

ويرى أن تأثير الرسوم الجمركية على النمو الأميركي قد يكون مؤقتاً إذا تم التوصل إلى اتفاقيات تجارية تخفف التوترات، كما حدث جزئياً مع توقيع المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة والصين. بينما إذا استمرت هذه السياسات دون حلول طويلة الأجل، فقد يؤدي ذلك إلى تقويض النمو الأمريكي على المدى الطويل.

وعليه، فإن رسوم ترامب الجمركية بمثابة سيف ذو حدين؛ فقد تسهم في تقليل العجز التجاري مع بعض الدول، لكنها تفرض في الوقت نفسه عبئاً على المستهلكين والشركات الأميركية. كما أن التأثير العام على النمو الاقتصادي الأميركي يعتمد على استجابة السياسات الاقتصادية وتطورات العلاقات التجارية مع الشركاء الدوليين.