مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تتزايد المخاوف بشأن تصعيد حرب تجارية جديدة تستهدف الاقتصادات الكبرى حول العالم، وعلى رأسها دول منطقة اليورو.

تهديدات ترامب بفرض تعريفات جمركية على السلع الأوروبية وإعادة النظر في الاتفاقيات التجارية المشتركة تسلط الضوء على فصل جديد من التوترات الاقتصادية العابرة للأطلسي.

تأتي هذه التهديدات في وقت حساس لمنطقة اليورو، التي لا تزال تكافح للتعافي من تداعيات جائحة كورونا وأزمة الطاقة والحرب في أوكرانيا. فمن شأن أي تصعيد تجاري أن يعمق الانقسامات ويؤدي إلى انكماش اقتصادي، خاصة في قطاعات حساسة مثل صناعة السيارات والطاقة والتكنولوجيا.

ما بين ردود الفعل الأوروبية المتوقعة والخيارات المحدودة أمام صناع القرار في بروكسل، تبدو المرحلة القادمة اختباراً حاسماً لعلاقات اقتصادية تاريخية قد تصبح رهينة سياسات حمائية تتجاهل التحديات العالمية المشتركة.

وكانت شركة إدارة الاستثمارات "بيمكو" الأميركية، قد حذرت في وقت سابق من هذا الأسبوع، من أن  تداعيات الحرب التجارية التي شنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد تدفع أسعار الفائدة في منطقة اليورو إلى الانخفاض نحو "مستويات الطوارئ". يأتي ذلك في الوقت الذي يسعى فيه صناع السياسات إلى تخفيف الضربة على اقتصاد الكتلة المتعثر.

ونقل تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، عن كبير مسؤولي الاستثمار في الدخل الثابت العالمي لدى شركة إدارة الأصول التي تبلغ قيمتها 2 تريليون دولار، أندرو بولز، قوله:

  • يُتوقع أن تكون هناك "جولات متعددة من اللعبة" عندما يتعلق الأمر بالرسوم الجمركية، وهي السياسة التي هدد بها الرئيس الأميركي المنتخب مرارا وتكرارا.
  • أسوأ سيناريو للتجارة سيكون صعباً للغاية بالنسبة لأوروبا، مضيفا: "أميل إلى الاعتقاد بأننا نحتسب مسارًا معتدلًا إلى حد ما"
  • الضربة التي قد يتعرض لها الاقتصاد في المملكة المتحدة نتيجة حرب تجارية عالمية من شأنها أيضا أن تترك "مساحة كبيرة" لخفض ما يسمى بأسعار الفائدة النهائية.
  • "أعتقد بأن الأسواق تسعر بشكل عام نتائج متفائلة للغاية. يمكنك أن ترى مخاطر إيجابية لكن من الأسهل أن ترى مخاطر سلبية".
  • "لقد شهدنا حرباً (في أوكرانيا)، وشهدنا جائحة، وشهدنا مجموعة كاملة من الصدمات، وحكومة متطرفة في إيطاليا، وصدمة سياسية في فرنسا، ومجموعة كاملة من اختبارات التحمل للبنوك التجارية، وقد حققت الأسواق الأوروبية أداءً جيدًا للغاية".

تداعيات واسعة

وبدوره، قال الرئيس التنفيذي لمركز "كروم للدراسات الاستراتيجية" في لندن، طارق الرفاعي، في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن:

  • الحرب التجارية حساسة بالنسبة لمنطقة اليورو خاصة في ظل ضعف النمو الاقتصادي بها.
  • منطقة اليورو تعتمد بشكل أساسي على الصادرات لدول مثل الولايات المتحدة، وبالتالي فإن أي نوع من الحرب التجارية سوف يؤثر على اقتصادها مباشرة خاصة على دول صناعية مثل ألمانيا التي تعاني الآن من الانكماش بالقطاع الصناعي خلال السنوات الأخيرة.

ويضيف: بغض النظر عن اقتراب نسبة التضخم في منطقة اليورو عند 2 بالمئة الهدف المتوقع من قبل البنك المركزي الأوروبي، إلا أنه لازال من المتوقع أن يستمر في خفض سعر الفائدة في محاولة لإعطاء نوع من الدعم للاقتصاد مع الأخذ بالاعتبار أن الحرب التجارية من الممكن أن تؤثر على هذه الاقتصادات.

وشهدت منطقة العملة الأوروبية الموحدة، التي تضم عشرين دولة، ارتفاعاً في معدلات التضخم خلال شهر نوفمبر، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 2.3 بالمئة مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي. هذا الارتفاع، الذي يعد الأعلى منذ عدة أشهر، يضع مزيداً من الضغوط على المستهلكين والشركات، ويزيد من التحديات التي تواجه البنك المركزي الأوروبي في السيطرة على التضخم والمحافظة على استقرار الأسعار.

لكن ليس من المرجح أن تحول هذه النسبة دون قيام البنك المركزي الأوروبي، بخفض أسعار الفائدة مجددا، في ظل احتمال أن يفرض الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب رسوما جمركية جديدة، مما يزيد المخاوف بشأن آفاق النمو الاقتصادي في الكتلة.

خسارة كبيرة

وكان كبير خبراء الاقتصاد في البنك المركزي الأوروبي، فيليب لين، قد ذكر الشهر الماضي، أن الناتج الاقتصادي العالمي سيعاني من خسارة "كبيرة" إذا أصبحت التجارة أكثر تفتتا، وإن الدعم الفوري للتضخم لن يتلاشى إلا على مدى بضع سنوات.

وبحسب رويترز، فقد كانت تعليقاته هي التحذير الأكثر وضوحا حتى الآن من البنك المركزي الأوروبي بشأن عواقب حرب التجارة العالمية، والتي كانت في صدارة أذهان المستثمرين منذ فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية على أساس أجندة حمائية.

وقال لين في عرض تقديمي أعده لخطاب في أمستردام: "إن تفتت التجارة يستلزم خسائر كبيرة في الإنتاج". وتصور سيناريو يقسم التجارة العالمية بشكل متزايد بين الدول الغربية والشرق بقيادة الصين.

وقدر الضرر الذي سيلحق بالناتج العالمي بما يتراوح بين 2 بالمئلة، إذا تأثرت جميع القطاعات بالقيود التجارية الجزئية، ونحو 10 بالمئة في ظل الحظر الكامل.

وكانت تقديراته للاتحاد الأوروبي مماثلة في الحجم، في حين أن الولايات المتحدة قد تكون أفضل حالاً قليلاً من ذلك، والصين قد تكون أسوأ كثيراً. وقال لين خلال عرضه التقديمي: "في جميع السيناريوهات، ستتعرض الصين لضربة قوية".

وشدد على أن التأثيرات التضخمية العالمية لن "تهدأ تدريجيا" إلا على مدى أربع أو خمس سنوات بعد دفعة أولية تتراوح بين 60 نقطة أساس في "سيناريو فك الارتباط المعتدل" وما يصل إلى ما يقرب من 400 نقطة أساس في ظل افتراضات شديدة.

الخيار الوحيد أمام المركزي الأوروبي

من جهته أوضح رئيس الأسواق العالمية في Cedra Markets، جو يرق، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن هناك اتجاهاً بالمركزي الأوروب اتجاهاً لخفض الفائدة أكثر من ذلك.

وفي آخر اجتماعات البنك للعام 2024، فإن المركزي الأوروبي كان قد خفض معدل الفائدة 25 نقطة أساس متماشياً مع التوقعات.

ويرجع أحد أسباب ذلك إلى الحرب التجارية التي يقودها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الذي أعلن خلال حملته الانتخابية عن أنه سيطبق رسوم جمركية من 10 إلى 20 بالمئة، وعلى الصين 60 بالمئة، مشيراً إلى أنه (ترامب) صرح أيضاً بأن أول أمر تنفيذي له سيطبق ضريبة 25 بالمئة على كندا والمكسيك و10 بالمئة على الصين.

ويضيف:

  • النمو الاقتصادي الأوروبي يشهد حالة من الضعف والانكماش.
  • هناك تخوفات من أن تطبيق أي رسوم إضافية على أوروبا من قبل الولايات المتحدة - التي تعد أهم شريك تجاري لها- سيكون له تبعات وتأثير كبير على النمو الاقتصادي.
  • من المرجح أن الناتج المحلي بالاتحاد الأوروبي يتراجع بين 0.8 بالمئة و 1 بالمئة في حال تطبيق هذه الضرائب والرسوم، وفق بعض التقديرات.
  • ضعف الاقتصاد الأوروبي يضع المركزي الأوروبي أمام خيار وحيد وهو خفض الفوائد.
  • من المرجح تخفيض 100 نقطة أساس أخرى خلال العام 2025.

قبل عامين، أنهى البنك المركزي الأوروبي ثماني سنوات من أسعار الفائدة السلبية في محاولته مكافحة ارتفاع التضخم الذي أعقب جائحة كوفيد.

ويراهن المتعاملون في أسواق المبادلات الآن على أن سعر الفائدة على الودائع لدى البنك المركزي الأوروبي سوف ينخفض ​​إلى 1.75 بالمئة، من مستواه الحالي البالغ 3.25 بالمئة، قبل أن يتوقف البنك المركزي عن خفض أسعار الفائدة.

ويوضح يرق أن ذلك يأتي بالإضافة إلى أن ما تشهده أوروبا من عدم استقرار سياسي خاصة في فرنسا وألمانيا، وارتفاع حجم الدين الفرنسي وعوائد السندات الفرنسية التي قد تصل إلى سيناريو اليونان، حتى أن بعض الأزمات الاقتصادية باتت تطل بإيطاليا، وجميعها عوامل لها دور أساسي يدفع البنك الأوروبي لتجنب أي انهيار وركود اقتصادي بأوروبا، لافتًا إلى أن السلاح الأول هو خفض الفوائد (..).