نظمت إسرائيل حملة لزيادة نفوذها في الولايات المتحدة خلال العام الماضي، استهدفت المشرعين والمواطنين الأميركيين برسائل مؤيدة لإسرائيل، إذ كانت تهدف إلى تعزيز الدعم لأعمالها في الحرب على غزة.

الحملة السرية تمت بتكليف من وزارة شؤون الشتات الإسرائيلية، وهي هيئة حكومية. وخصصت الوزارة حوالي مليوني دولار للعملية واستأجرت شركة Stoic، وهي شركة تسويق سياسي في تل أبيب، لتنفيذها.

استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي

بدأت الحملة في أكتوبر/ تشرين الأول، ولا تزال نشطة على منصة X. واستخدمت  في ذروتها مئات الحسابات المزيفة التي تظاهرت بأنها أميركية حقيقية على منصات التواصل الاجتماعي إكس X، وفيسبوك، وإنستغرام لنشر تعليقات مؤيدة لإسرائيل،  وفقاً لما نقلته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية عن مسؤولين على صلة بالحملة ووثائق متعلقة بها.

ركزت الحسابات على المشرعين الأميركيين وخاصة السود والديمقراطيين، بما يتضمن أكثر من عشرة أعضاء في الكونغرس، مثل زعيم الأقلية في مجلس النواب من نيويورك، النائب حكيم غيفريز، وأيضاً رافائيل وارنوك من جورجيا، وريتشي توريس ممثل نيويورك مع منشورات تحثهم على مواصلة تمويل الجيش الإسرائيلي.

اقرأ أيضاً: شركة "ميتا" غارقة في بحر من الشكاوى في 11 دولة أوروبية بسبب الذكاء الاصطناعي

تم استخدام ChatGPT، وهو برنامج الدردشة الآلي الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي وتطوره شركة أوبن إيه آي  OpenAI، لإنشاءعديد من المنشورات. كما أنشأت الحملة أيضاً ثلاثة مواقع إخبارية مزيفة باللغة الإنجليزية تعرض مقالات مؤيدة لإسرائيل.

اكتشفت مبادرة FakeReporter، وهي مبادرة إسرائيلية لمراقبة المعلومات المضللة، هذه الحملة في مارس/آذار. وفي الأسبوع الماضي، قالت شركة ميتا Meta، التي تمتلك فيسبوك وإنستغرام، وشركة OpenAI، المالكة لأداة الذكاء الاصطناعي ChatGPT، إنهما اكتشفتا الحملة أيضاً وعطلتاها.

أول حالة موثقة

تشير الحملة السرية إلى المدى الذي كانت إسرائيل على استعداد للذهاب إليه للتأثير على الرأي العام الأميركي بشأن الحرب في غزة. ولطالما كانت الولايات المتحدة واحدة من أقوى حلفاء إسرائيل، لكن الصراع لم يحظ بشعبية لدى عديد من الأميركيين، الذين دعوا الرئيس جو بايدن إلى سحب دعمه لإسرائيل في مواجهة تزايد الوفيات بين المدنيين في غزة.

وقال خبراء في وسائل التواصل الاجتماعي إن العملية هي أول حالة موثقة لتنظيم الحكومة الإسرائيلية حملة للتأثير على الحكومة الأميركية. في حين أن الحملات المنسقة المدعومة من الحكومة ليست غير شائعة، إلا أنه من الصعب عادة إثباتها. 

ويعتقد على نطاق واسع بأن إيران وكوريا الشمالية والصين وروسيا والولايات المتحدة تدعم جهوداً مماثلة في جميع أنحاء العالم، لكنها غالباً ما تخفي مشاركتها من خلال الاستعانة بمصادر خارجية كالشركات الخاصة أو إدارتها من خلال دولة ثالثة، بحسب الصحيفة.

وقال  المدير التنفيذي لموقع FakeReporter، أتشيا شاتز، إن "دور إسرائيل في هذا الأمر متهور وربما غير فعال"، مشدداً على أن قيام إسرائيل "بإدارة عملية تتدخل في السياسة الأميركية هو أمر غير مسؤول على الإطلاق".

اقرأ أيضاً: كيف يُستخدم التزييف العميق للمشاهير في سرقة ملايين الدولارات من المعجبين؟

فيما نفت وزارة شؤون الشتات الإسرائيلية تورطها في الحملة وقالت إنه لا علاقة لها بشركة Stoic، بحسب نيويورك تايمز.

وقالت شركتا Meta وOpenAI الأسبوع الماضي إن الحملة لم يكن لها تأثير واسع النطاق. ووجد موقع FakeReporter أن الحسابات المزيفة جمعت أكثر من 40 ألف متابع عبر إكس وفيسبوك وإنستغرام. لكن Meta قال إن العديد من هؤلاء المتابعين ربما كانوا روبوتات ولم يحصلوا على جمهور كبير.

لم تؤثر الحملة بأي شكل ملحوظ في آراء الأميركيين العاديين؛ فوفقاً لاستطلاع أجرته مؤسسة غالوب في شهر مارس/ آذار، فإن 55% من الأميركيين لا يوافقون على الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة - ويوافق عليها 36% فقط، مقارنة بـ 50% في نوفمبر/ تشرين الثاني، بحسب موقع Business Insider.

ومع ذلك، حققت إسرائيل بعض النجاح في تأمين التمويل الأميركي لحربها، حيث تعهد الرئيس جو بايدن بتقديم مساعدات عسكرية بقيمة مليار دولار.

المزيد من تفاصيل الحملة

بدأت الحملة بعد أسابيع فقط من الحرب في أكتوبر/ تشرين الأول، وفقاً لمسؤولين إسرائيليين والوثائق المرتبطة بالحملة.

تلقت العشرات من شركات التكنولوجيا الإسرائيلية الناشئة رسائل بريد إلكتروني ورسائل واتساب في ذلك الشهر تدعوهم للانضمام إلى اجتماعات عاجلة ليصبحوا "جنوداً رقميين" لإسرائيل أثناء الحرب، وفقًا للرسائل التي اطلعت عليها صحيفة نيويورك تايمز. 

تم إرسال بعض رسائل البريد الإلكتروني والرسائل من مسؤولين حكوميين إسرائيليين، بينما جاء البعض الآخر من شركات التكنولوجيا الناشئة والحاضنات.

وعقد الاجتماع الأول في تل أبيب في منتصف أكتوبر. وقال ثلاثة من الحاضرين إنه يبدو أنه تجمع غير رسمي حيث يمكن للإسرائيليين التطوع بمهاراتهم التقنية لمساعدة المجهود الحربي في البلاد. وأضافوا أن أعضاء في عدة وزارات حكومية شاركوا أيضاً.

وقيل للمشاركين أنهم يمكن أن يكونوا "محاربين من أجل إسرائيل" وأن "الحملات الرقمية" يمكن أن تدار نيابة عن البلاد، وفقاً لتسجيلات الاجتماعات.

وقال المسؤولون الإسرائيليون إن وزارة شؤون الشتات أمرت بحملة تستهدف الولايات المتحدة. تم تحديد ميزانية تبلغ حوالي 2 مليون دولار، وفقًا لإحدى الرسائل التي اطلعت عليها صحيفة نيويورك تايمز.

اقرأ أيضاً: جزر المالديف تمنع الإسرائيليين من دخول البلاد

بعد ذلك تم التعاقد مع شركة Stoic لإدارة الحملة. تقول Stoic على موقعها الإلكتروني وعلى موقع LinkedIn إنها تأسست في عام 2017 على يد فريق من الاستراتيجيين السياسيين والتجاريين، وتطلق على نفسها اسم شركة التسويق السياسي والاستخبارات التجارية. وقال مسؤول إسرائيلي إنه ربما تم التعاقد مع شركات أخرى لإدارة حملات إضافية.

ومن بين المشرعين الأميركيين الذين تم استهداف النائب ريتشي توريس، وهو ديمقراطي من نيويورك يتحدث بصراحة عن آرائه المؤيدة لإسرائيل، حيث استجابت بعض الحسابات المزيفة لمنشورات توريس على موقع إكس بالتعليق على معاداة السامية في حرم الجامعات وفي المدن الأميركية الكبرى.

وعلى موقع فيسبوك، نشرت الحسابات الوهمية على الصفحة العامة للنائب حكيم غيفريز سؤالاً عما إذا كان قد اطلع على تقرير حول توظيف الأمم المتحدة لأعضاء من حركة حماس في غزة.

كما أنشأت الحملة أيضاً ثلاثة مواقع إخبارية مزيفة بأسماء مثل Non-Agenda وUnFold Magazine، والتي سرقت وأعادت كتابة مواد من وسائل إعلام بما في ذلك CNN وThe Wall Street Journal للترويج لموقف إسرائيل خلال الحرب، وفقاً لتحليل FakeReporter. ثم يتم ربط الحسابات المزيفة على Reddit بالمقالات الموجودة على تلك المواقع للمساعدة في الترويج لها.

وفي الأسبوع الماضي، نشرت Meta وOpenAI تقارير تنسب الحملة إلى Stoic. وقالت Meta إنها أزالت 510 حسابات و11 صفحة ومجموعة واحدة على فيسبوك، و32 حساباً على إنستغرام. 

وقالت OpenAI إن Stoic ابتكرت شخصيات وسير ذاتية خيالية تهدف إلى تمثيل الأشخاص الحقيقيين على خدمات وسائل التواصل الاجتماعي المستخدمة في إسرائيل وكندا والولايات المتحدة لنشر الرسائل التي تتضمنها الحملة.

كانت شركة Stoic روجت لقدرتها على إدارة الحملات المدعومة بالذكاء الاصطناعي. وكتبت على صفحتها على LinkedIn: "بينما نتطلع إلى المستقبل، من الواضح أن دور الذكاء الاصطناعي في الحملات السياسية يهدف إلى تحقيق قفزة تحويلية، وإعادة تشكيل الطريقة التي يتم بها وضع استراتيجيات الحملات وتنفيذها وتقييمها".

لكنها أزالت تلك المنشورات من على موقع LinkedIn بحلول يوم الجمعة الماضي.