تسببت الحرب في سوريا منذ العام 2011، في دمار واسع للبنية التحتية في أنحاء البلاد كافة، بما في ذلك المدن الكبرى وحتى العديد من المناطق الريفية التي تعرضت لدمار شبه كامل من جراء القصف والمعارك.

المباني السكنية والتجارية، علاوة على المرافق الصحية والتعليمية، وشبكات المياه والكهرباء وغيرها.. كلها تعرضت لتدمير فادح، جلب تحديات ضخمة بالنسبة لإعادة الحياة إلى طبيعتها في المناطق المتضررة، الأمر الذي يتطلب استثمارات ضخمة وجهوداً ضخمة.

التقديرات حول تكلفة إعادة إعمار سوريا تختلف بشكل كبير، فبينما يرى البعض أن إعادة البناء قد تتطلب مئات المليارات من الدولارات، يعتقد آخرون أن الكلفة قد تكون أقل، فيما تبقى الحاجة إلى خطة شاملة تواكب التحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها البلد.

ومع سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وتغير المشهد السياسي في البلاد، بدأ السوريون في التطلع إلى المستقبل، وهي خطوة يرافقها شعور بالأمل من أجل استعادة بلادهم.

وعلى الرغم من أن عملية الانتقال السياسي لا تزال غير واضحة المعالم، فإن هناك رغبة متزايدة لدى الشعب السوري في إعادة بناء وطنهم والعيش في ظروف أفضل، وهي الرغبة التي تغذي الأمل في إعادة الإعمار كفرصة لبدء مرحلة جديدة، تُمكّن البلاد من استعادة قوتها الاقتصادية والاجتماعية بعد أكثر من عقد من النزاع والدمار.

وكان تقرير صادر عن البنك الدولي العام الماضي، لتقييم الأضرار في سوريا، قد خلص إلى أنه:

  • حتى يناير 2022، قُدِّرَ إجمالي الأضرار في المدن والقطاعات التي تم تقييمها (البنية التحتية الرئيسية، والقطاعات الاجتماعية، والبيئة والمؤسسات العامة) بما يتراوح من 8.7 إلى 11.4 مليار دولار.
  • من أصل إجمالي تقديرات الأضرار، شكلت قطاعات البنية التحتية المادية 68 بالمئة من الأضرار أو ما يتراوح من 5.80 إلى 7.8 مليارات دولار.

ولا يوجد إحصاء دقيق لكلفة إعادة الإعمار بالبلاد، لا سيما وأن عملية حصر الخسائر تتطلب دراسة تفصيلية للواقع على الأرض، تتضمن تحديد حجم ومدى الخسائر.. فيما تتواتر تقديرات متفاوتة تعكس فجوة واسعة في قراءة المشهد.

في العام 2018، قال مسؤول أممي إن سوريا بحاجة إلى 300 مليار دولار  لإعادة الإعمار. وفي ديسمبر 2021، أشار المبعوث الرئاسي الروسي ألكسندر لافرنتييف، إلى تقديرات بقيمة 800 مليار دولار ككلفة لإعادة الإعمار. وكان الأمين العام لجامعة الدول العربية، قد قدّر التكلفة بـ 900 مليار دولار.

خسائر فادحة

من جانبه، قال الكاتب والمحلل السوري، شريف شحادة، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن:

  • حجم الدمار في سوريا هائل؛ إذ طال معظم أنحاء البلاد، وسط تدمير واسع للبنية التحتية، الأمر الذي تترتب عليه تداعيات سلبية تؤثر على عودة الحياة إلى طبيعتها.
  • استقرار الحياة في سوريا يشهد تحديات كبيرة، خاصة على صعيد الكهرباء على سبيل المثال التي تتوفر بحد أقصى ساعتين يوميًا في بعض المناطق، إلى جانب تضرر العديد من الخدمات الأساسية مثل المياه والشوارع الرئيسية والمدارس والمستوصفات الطبية.
  • تكلفة إعادة الإعمار في سوريا باهظة جدًا، في ظل الدمار الذي طال البنية التحتية.. الفاتورة قد تصل إلى تريليون الدولارات وفق بعض التقديرات.

وأوضح أن سوريا بحاجة إلى إعادة ترتيب أولوياتها؛ لمواجهة الخسائر الفادحة التي لحقت بالتجار والمصنعين، مؤكداً أن الوضع الاقتصادي يتطلب دراسة متأنية وإعادة النظر في السياسات الاقتصادية المتبعة.

وفق تقديرات البنك الدولي، فإنه على الرغم من أن جزءاً كبيراً من البنية التحتية المادية في 14 مدينة سورية شملها تقييم البنك الصادر في 2023، لم يتضرر في قطاع المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية، فإن 51 بالمئة من الأصول عانت من تراجع في الأداء، بما في ذلك 11 بالمئة منها لا تعمل بشكل كامل، مما يشكل مشكلة كبيرة بالنسبة للمدن الأكثر تضرراً.

تحديات

في تصريح خاص لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أشار أستاذ الاقتصاد الدولي وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع، الدكتور علي الإدريسي، إلى أن:

  • الاقتصاد السوري يواجه مجموعة من التحديات الهائلة التي تتطلب استراتيجيات شاملة ومتكاملة للنهوض بالوضع الاقتصادي في المرحلة الجديدة التي تمر بها البلاد.
  • البنية التحتية المدمرة، التي تشمل الطرق والمرافق الصحية وشبكات المياه والكهرباء، تشكل عائقاً رئيسياً أمام أي محاولات للإصلاح الاقتصادي أو التنمية المستدامة.
  • هذا الدمار الواسع يعقّد من القدرة على توفير الخدمات الأساسية للسكان، ويضفي تحديات على مهمة تنفيذ مشروعات تنموية حيوية.
  • عدم الاستقرار الأمني أدى إلى تعطل العديد من الأنشطة الاقتصادية، سواء الزراعية أو الصناعية. كما أن التحديات اللوجستية تتسبب في صعوبة الوصول إلى الموارد.

ومع ذلك، أكد أن هناك فرصًا للتعافي والنمو إذا تم توجيه الجهود بشكل صحيح في المرحلة المقبلة، مشيراً إلى أهمية العمل على استعادة الاستقرار الأمني تدريجيًا، وهو ما سيسهم في جذب الاستثمارات الحيوية. كما شدد على ضرورة توجيه الدعم الدولي بشكل موجه نحو تعزيز القطاعات الإنتاجية، وإعادة تأهيل البنية التحتية الضرورية لخلق بيئة ملائمة للنمو الاقتصادي.

ولا تتوافر إحصاءات حديثة موثوقة بشأن كلفة الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية بالبلاد.  

ويمكن هنا الإشارة لدراسة سابقة صادرة عن  المركز السوري لبحوث السياسات، إلى أن نسبة نحو 40 بالمئة من البنية التحتية بالبلاد تضررت بسبب الحرب، وبما تسبب في خسائر اقتصادية تصل 65 ملياراً.

فيما أضاف الإدريسي أن هناك فرصة لتعزيز دور التعاون الإقليمي في إعادة بناء الاقتصاد السوري، خاصة في مجال التجارة والاستثمارات المشتركة، مع تحسين الحركة التجارية عبر المعابر الحدودية بما يعزز التبادل الاقتصادي مع الدول المجاورة.

كما شدد أيضاً على ضرورة تضافر الجهود الدولية والمحلية لتحقيق استقرار اقتصادي طويل الأمد، والذي يتطلب بدوره التركيز على دعم القطاعات الحيوية مثل الزراعة والصناعة، وتحفيز النمو المستدام من خلال الاستثمار في البنية التحتية وتعزيز الاستثمار المحلي.

والطريق إلى إعادة الإعمار في سوريا لا يعتمد فقط على التمويل والمشاريع الضخمة، بل يتطلب أيضاً توافقاً سياسياً داخلياً ودعماً من المجتمع الدولي.

فاتورة مكلفة

وأكد الباحث المتخصص في العلاقات الدولية، محمد ربيع الديهي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن البنية التحتية في سوريا أصبحت مدمرة بشكل جذري، في وقت تشير فيه التقديرات إلى أن تكلفة إعادة إعمار سوريا ستكون ضخمة جدًا قد تتجاوز التريليون دولار، خصوصًا في ظل الأحداث والتطورات الأخيرة التي ربما تكون قد زادت من حدة التدمير في الداخل السوري.

وأضاف: "السؤال الأهم يكمن في من سيتحمل هذه التكلفة الباهظة، لا سيما أن مدة الإعمار قد تتجاوز 10 سنوات، خاصة في ظل تدمير أحياء كبيرة جدًا ورئيسية في سوريا"، موضحاً أنه وفقًا لتجارب سابقة، فإن عملية الإعمار قد تشهد ثلاثة سيناريوهات: الأول يتمثل في الإعمار أثناء الأزمة، والثاني في الإعمار بعد التوصل إلى حل سياسي أو خلاله. ومع ذلك، أشار الديهي إلى أن أغلب التجارب الناجحة في إعادة الإعمار تتعلق بإعادة الإعمار بالتوازي مع أو بعد التوصل إلى رؤية شاملة، ما يسمح بآفاق أوسع وأدوات أكثر فاعلية لتنفيذ العملية.