قدّم كتاب "War" (حرب)، للصحافي الأميركي الشهير بوب وودوارد، نظرة "فريدة" خلف الكواليس على تقييمات الرئيس الأميركي جو بايدن الصريحة المليئة بالشتائم وتفاعلاته مع زعماء العالم الذين شكلوا رئاسته، من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وصولاً إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ويتحدث وودوارد عن العلاقة المتقلبة بين بايدن ونتنياهو، لا سيما في المرحلة التي أعقبت هجمات 7 أكتوبر 2023، حيث شنّت إسرائيل حرباً طاحنة حوّلت قطاع غزة إلى ركام، وأودت بحياة أكثر من 40 ألفاً من سكانه، وجعلت الآخرين بلا مأوى، وفي حين دعّم بايدن إسرائيل علناً، إلا أنه، وفقاً للكتاب، وبّخ نتنياهو خلف الكواليس بشأن كيفية إدارة إسرائيل للحرب في غزة.

نتنياهو "رجل سيء"

ذكر وودوارد، وهو صحافي سابق في "واشنطن بوست"، أن جو بايدن سأل بنيامين نتنياهو خلال مكالمة هاتفية في أبريل الماضي، قائلاً: "ما هي استراتيجيتك يا رجل؟" ليرد نتنياهو: "علينا أن ندخل رفح"، ثم خاطبه الرئيس الأميركي: "بيبي، ليس لديك استراتيجية".

في الشهر نفسه، شنّت إسرائيل ضربة في سوريا أسفرت عن اغتيال جنرال كبير في الحرس الثوري الإيراني، مما دفع إيران إلى إطلاق أكثر من 100 صاروخ باليستي رداً على ذلك، وكانت هذه هي المرة الأولى التي تطلق فيها إيران صواريخ من أراضيها مباشرة على إسرائيل.

وبينما تم اعتراض جميع الصواريخ الإيرانية تقريباً، أراد نتنياهو الرد بهجوم صاروخي على إيران. وأشار الكتاب إلى أن بايدن طالب نتنياهو خلال مكالمة هاتفية بأن عليه أن يرضى بهذا "الفوز".

كما قال جو بايدن لمستشاريه: "أعلم أنه (نتنياهو) سيفعل شيئاً، لكن الطريقة التي يمكنني بها تقييده، هي أن أقول له لا تفعل شيئاً".

مع ذلك، بلغ إحباط بايدن من نتنياهو ذروته مع استمرار التصعيد في الحرب.

وكتب وودوارد أن بايدن وصف نتنياهو خلال جلسة خاصة بعد دخول إسرائيل إلى رفح، بأنه "كاذب لعين".

وفي يوليو بعد أن قتلت غارة جوية إسرائيلية القيادي الكبير في "حزب الله" فؤاد شكر و3 مدنيين في بيروت، صرخ بايدن في وجه نتنياهو: "بيبي، ما هذا بحق الجحيم؟".

ونقل الكتاب أن بايدن قال لرئيس الوزراء الإسرائيلي أيضاً "أنت تُصوّر إسرائيل في جميع أنحاء العالم بشكل متزايد بأنها دولة مارقة، وأنك ممثل مارق". ثم رد نتنياهو بأن الهدف كان "أحد الإرهابيين"، قائلاً: "لقد رأينا فرصة واغتنمناها. كلما ضربت بقوة، كلما نجحتُ في المفاوضات".

وفي ربيع 2024، قال بايدن لأحد مساعديه بالتزامن مع تكثيف إسرائيل قصفها لغزة: "هذا القذر، بيبي نتنياهو، هو رجل سيء. إنه رجل سيء للغاية!".

عندما سُئلت نائبة السكرتير الصحافي للبيت الأبيض إميلي سيمونز عن التفاصيل التي أوردها وودوارد عن بايدن ونتنياهو، قالت للصحافيين الثلاثاء: "إنهما يعرفان بعضهما البعض منذ زمن طويل. إن علاقتهما صادقة ومباشرة للغاية، وليس لدي تعليق على تلك الحكايات المحددة".

وأضحت سيمونز أنها لا تستطيع تأكيد ما جاء في الكتاب، لكنها أضافت: "كما تعلمون، الرئيس يقول دائماً إنه لا يتفق مع كل شيء، وهناك خلافات بينهما. أعتقد أن ما يهم هنا هو أن التزام هذه الإدارة، والتزام الرئيس بأمن إسرائيل، هو التزام راسخ وقوي، وسيظل كذلك بالتأكيد".

ويستند الكتاب إلى مقابلات مع مشاركين مطلعين مباشرة على التفاصيل السياسية والشخصية المرتبطة ببايدن خلال فترة رئاسته، بما في ذلك قراره بالتنحي من سباق الانتخابات الرئاسية لعام 2024، والمحادثات بشأن المشاكل القانونية لابنه هانتر بايدن، وعلاقاته مع عدد من الزعماء.

خطة بوتين.. "جنون للغاية"

ويلقي كتاب "حرب" الضوء على الفترة التي سبقت غزو روسيا لأوكرانيا، عندما حصلت الولايات المتحدة على "كنز من المعلومات الاستخباراتية" أظهرت "بشكل قاطع" في أكتوبر 2021 أن بوتين لديه خطط للهجوم بـ175 ألف جندي.

وبشأن طبيعة هذه المعلومات، قال الكتاب: "كان الأمر وكأنهم دخلوا سراً إلى خيمة قائد العدو، وفحصوا عدد وحركة الألوية والتسلسل المخطط بالكامل للغزو متعدد الجبهات".

وبينما اتفق بايدن، ومستشاروه على أن الخطة كانت "جدية للغاية"، كان من الصعب عليهم، وحلفائهم، تصديقها، وفق ما نقله وودوارد.

أشار وودوارد إلى أن مدير وكالة المخابرات المركزية بيل بيرنز كشف لبايدن "ما يخطط بوتين للقيام به"، ما جعل الرئيس الأميركي إلى الرد بأن "هذا سيكون جنوناً للغاية"، وتابع في لهجة مليئة بالغضب: "يا إلهي! الآن علي أن أتعامل مع ابتلاع روسيا لأوكرانيا؟".

وكشف كتاب "حرب" أن بايدن واجه بوتين بالمعلومات التي حصل عليها بشأن غزو أوكرانيا، مرتين خلال ديسمبر 2021، أولاً في مؤتمر عبر الفيديو، ثم في "مكالمة ساخنة لمدة 50 دقيقة"، دفعت الرئيس الروسي لاحقاً إلى "التلويح بالحرب النووية بطريقة تهديدية". ورد بايدن بتذكير بوتين بأنه "من المستحيل الفوز" في حرب نووية.

ورغم التحذيرات المتكررة، رفض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي فكرة أن بوتين سيغزو أوكرانيا بالفعل، حتى بعد أن أخبرته نائبة الرئيس كامالا هاريس خلال مؤتمر ميونيخ للأمن في فبراير 2022، قائلةً له إن "الغزو وشيك"، وفق ما جاء في الكتاب.

وأخبرت هاريس زيلينسكي أنه بحاجة إلى البدء في التفكير بأشياء مثل وضع خطة خلافة لإدارة البلاد إذا تم القبض عليه أو قتله، أو لم يتمكن من الحكم. وكتب وودوارد أنه بعد الاجتماع، عبّرت هاريس عن قلقها من أن تكون هذه المرة الأخيرة التي يرون فيها الرئيس الأوكراني على الإطلاق.

ولفت وودوارد في كتابه إلى أن بايدن قال لمستشاريه في البيت الأبيض، بعد فترة وجيزة من الغزو الروسي لأوكرانيا: "بوتين اللعين.. بوتين شرير.. نحن نتعامل مع نموذج الشر". 

وبحسب ما جاء في الكتاب، انتقد بايدن تعامل الرئيس السابق باراك أوباما مع ضم بوتين لشبه جزيرة القرم عام 2014، وخلص إلى أن "باراك لم يأخذ بوتين على محمل الجد أبداً"، وقال بايدن لأحد أصدقائه: "لقد أفسدوا الأمور عام 2014.. لهذا السبب نحن هنا. لقد أفسدنا الأمر. لم يأخذ باراك بوتين على محمل الجد أبداً.. لم نفعل شيئاً. لقد أعطينا بوتين ترخيصاً للاستمرار!".

"أكثر اللحظات"

بحلول سبتمبر 2022، كشفت تقارير استخباراتية أميركية عن "تقييم مزعج للغاية" بشأن بوتين، بأنه كان يائساً للغاية بشأن الخسائر في ساحة المعركة، لدرجة أنه قد يستخدم أسلحة نووية تكتيكية في أوكرانيا.

كتب وودوارد أن فريق بايدن للأمن القومي اعتقد في وقت ما أن هناك تهديداً حقيقياً، بنسبة 50%، بأن يستخدم فلاديمير بوتين الأسلحة النووية في أوكرانيا.

وكشف أن الرئيس الأميركي أصدر تعليماته لمستشاره للأمن القومي جيك سوليفان، قائلاً: "على جميع القنوات، اتصل بالروس. أخبرهم بما سنفعله رداً على ذلك".

كما يروي الكتاب تفاصيل مكالمة هاتفية متوترة بين وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن ونظيره الروسي آنذاك سيرجي شويجو في أكتوبر 2022، عندما قال أوستن: "إذا فعلت هذا، فسيتم إعادة النظر في جميع القيود التي كنا نعمل بموجبها في أوكرانيا، وسيؤدي هذا إلى عزل روسيا على الساحة العالمية إلى درجة لا يمكنك تقديرها تماماً". ورد شويجو بالقول: "لا أرحب بالتهديد".

وقال أوستن مخاطباً شويجو، وفقاً لوودوارد: "سيدي الوزير، أنا قائد أقوى جيش في تاريخ العالم. أنا لا أهدد".

وبعد يومين، طلب الروس مكالمة أخرى. هذه المرة، زعم وزير الدفاع الروسي بشكل دراماتيكي أن الأوكرانيين كانوا يخططون لاستخدام "قنبلة قذرة"، وهي مزاعم اعتقدت الولايات المتحدة أن الكرملين كان يدفع بها كذريعة لنشر سلاح نووي، وفق CNN.

ونقل وودوارد في كتابه أن أوستن رد على ذلك بالقول: "نحن لا نصدقك، ولا نرى أي مؤشرات على هذا، وسيكتشف العالم ذلك". وزاد قائلاً: "لا تفعل ذلك". وأجاب شويجو: "أفهم".

وقال كولين كاهل، أحد كبار المسؤولين في البنتاجون، لاحقاً عن ذلك: "ربما كانت اللحظة الأكثر إثارة للرعب في الحرب بأكملها".

محاكمة هانتر والانسحاب من الانتخابات

ظل الرئيس جو بايدن بعيداً عن وزارة العدل. لكن في السر، يكشف وودوارد عن غضب الرئيس من محاكمة ابنه، وخاصة تجاه وزير العدل ميريك جارلاند.

ونقل الكتاب أن بايدن قال: "لم يكن ينبغي لي أبداً أن أختار جارلاند". 

يصف وودوارد أيضاً مشهداً بين الأب والابن في البيت الأبيض في ربيع عام 2022. كان الرئيس يتناول العشاء مع صديق، عندما دخل هانتر بايدن، وجلس وبدأ يتحدث عن سبب كونه الشخص الذي لديه الكثير ليخسره.

يكتب وودوارد: "تحدث هانتر كثيراً عن أزمته الشخصية. انحنى الرئيس بايدن إلى الوراء في كرسيه، وأغمض عينيه وتنهد".

الرئيس الأمريكي جو بايدن يقف مع ابنه هانتر بايدن في قاعدة الحرس الوطني الجوي في ديلاوير، الولايات المتحدة. 11 يونيو 2024
الرئيس الأميركي جو بايدن يقف مع ابنه هانتر بايدن في قاعدة الحرس الوطني الجوي في ديلاوير، الولايات المتحدة. 11 يونيو 2024 - Reuters

بحلول صيف عام 2024، تواترت الأسئلة بشأن قدرة بايدن على البقاء في السباق الرئاسي بعد أدائه الكارثي في ​​المناظرة مع الرئيس السابق دونالد ترمب. وعلى مدى الأسابيع القليلة التالية، تمسك بايدن بموقفه، وأصر على أنه لن ينسحب.

وكتب وودوارد أن بلينكن، المعروف بولائه وعلاقته الوثيقة ببايدن، تناول القضية الحساسة خلال غداء خاص في 4 يوليو، وقال له "لا أريد أن أرى إرثك معرضاً للخطر. هل يمكنك أن ترى نفسك تفعل ذلك لمدة 4 سنوات أخرى؟ عليك الإجابة على هذا السؤال".

عندما انسحب بايدن في 21 يوليو، أيد ترشيح كامالا هاريس على الفور، مما سمح لها بتعزيز الدعم الديمقراطي وتجنب الانقسام الداخلي الفوضوي في الحزب. كما تذكر كيف كان شعوره عندما لم يحصل على تأييد الرئيس (أوباما) للمضي قدماً في انتخابات 2016.

وقال بلينكن وفقاً للكتاب: "أعتقد أن هذا ربما يعود إلى الطريقة التي شعر بها بايدن بأنه لم يحصل على تأييد الرئيس أوباما في عام 2016. لقد شعر بخيبة أمل. لقد شعر، كما تعلمون، بصفته نائباً للرئيس، أن ذلك هو النظام الطبيعي".

وفي سياق آخر، كتب وودوارد أن هاريس كانت في وقت ما قلقة بشأن عزلة بايدن، واتصلت بأحد أقرب مساعديه. وقالت هاريس لصديق بايدن: "أنا أتصل لأطلب منك، وأتوسل إليك، هل يمكنك التحدث إلى الرئيس أكثر؟ رئيسك يحبك حقاً. يجب أن تتحدث معه أكثر مما تفعل".